- أين هو؟
- الصندوق دفنه أبوكما في الأرض
- ولكن حذار إن وجدتاه أن تفتحاه كما أوصاكما أبوكما بغير مفتاحه وإلا تحولت كنوزه إلى حجارة
وتركهما وهو سعيد بالمحصول الوفير الذي أخذه منهما.
***
لأيام ظل الصغيران يحفران الأرض بحثا عن صندوقهما، حتى وجداه.
حينها زال عنهما تعب الأيام الماضية.. قفزا عاليا ثم استلقيا على الأرض ، ينظران إلى السماء بسعادة وامتنان.
بعدها نهضا من جديد ليحملا الصندوق ويخرجاه من الحفرة العميقة.
كان الصندوق من الحديد الصدئ بفعل الزمن كما أعتقد الصغيران.
ورغم أنه لم يكن كبيرا كما كانا يتمنيان، إلا أنه كان ثقيلا جدا.. بحيث حملاه وأخرجاه من الحفرة بصعوبة.. وهو ما برراه بالكنوز الكثيرة التي تختبئ في بطنه وتجعله ثقيلا.
لكن الصندوق كان مغلقا بقفل كبير!
رفع عمران فأسه عاليا ليهبط به على القفل، لكن سعيد سارع إلى منعه قائلا:
- ماذا تفعل يا مجنون؟
قال عمران متعجبا:
- سأكسر القفل..
نهره سعيد قائلا:
- هل جننت
أنسيت وصية والدك ألا نفتح الصندوق بغير مفتاحه؟!
- معك حق..
ماذا سنفعل إذن وأين سنجد مفتاح الصندوق؟
- سنستعين بالرجل الطيب الذي أخبرنا بمكان الصندوق..
ليخبرنا بمكان المفتاح!
هكذا قال سعيد لأخيه عمران، وكان يقصد بالطبع الرجل الدجال.
***
هرع الصغيران إلى الدجال يسألانه عن مفتاح الصندوق وأين يمكنهما أن يجداه؟
الدجال بدا مرتبكا وهو يردد:
- المفتاح.. المفتاح
بالطبع كل قفل وله مفتاح
ثم نفخ في موقده فتصاعد دخان كثيف، واستعاد ثقته وهو يقول:
- وقد حذركما أبوكما ألا تفتحا الصندوق بغير مفتاحه.. وإلا سيتحول الكنز إلى أحجار لا قيمة لها!
سعيد قال:
- لذا يجب علينا أن نجد المفتاح
هز الرجل رأسه مؤيدا:
- بالطبع.. بالطبع
المفتاح ستجدونه مدفونا في الأرض، كما وجدتم الصندوق.
تساءل الصغيران:
- وكيف سنجد المفتاح بين تراب وطين أرضنا؟
- كما أننا حفرنا الأرض ولم نجد شيئا إلا الصندوق!
قال الدجال :
- ستجدانه.. لا محالة.. أنا أراه أمامي
لكنكما ستبذلان بعض الجهد حتى تجداه
ولا تنسيا أن الحصول على كنز حقيقي يستحق أن تبذلا من أجله الجهد والعرق.
***
مرت الأيام والليالي ولا عمل للصغيرين إلا حفر أرضهما والتنقيب بين ترابها وطينها عن المفتاح المزعوم، حتى نفد مخزون طعامهما ولم يعدا يملكان نقودا ليشتريا طعامهما.
ثم زارهما ساعي البريد وأعطى كلا منهما خطابا من المدرسة ينذراهما بالفصل لانقطاعهما عن الذهاب إلى المدرسة وعدم سدادهما مصاريف الدراسة.
عمران نفض ما عليه من تراب وغبار أعمى عينيه عن رؤية الحقيقة وقال:
- لا يوجد هنا أي كنز
الكنز الحقيقي كان بين أيدينا وفرطنا فيه من أجل وهم!
سعيد قال متعجبا:
- ماذا تقصد؟
قال عمران :
- أقصد أرضنا التي أهملنا زراعتها
ثم تركنا مدرستنا وأهملنا دروسنا!
سعيد ظل متشبثا بأحلام يغطيها التراب والصدأ، وقال:
- مازلنا نمتلك كنزا سيغير حياتنا بمجرد أن نجد مفتاح الصندوق!
- ومن أين سنأتي بالطعام بعد أن نفد..
وكيف سندبر مصاريف المدرسة؟
تساءل عمران مستنكرا، لكن سعيدا قال باستهانة:
- وماذا سنفعل بالمدرسة وسنصبح أغنى أثرياء القرية؟!
أما عن الطعام فسأقترض بعض المال من أصدقاء أبي
وأشتري ما يكفينا من طعام.
لكن كلمات سعيد لم تصل إلى أذني أخيه عمران فقد كانت تملأهما كلمات شيخ الجامع حين أشار إلى صدره وقال: (داخل هذا الصندوق قلب حين يمتلأ بالإيمان والحب والعطاء والعمل يستطيع أن يغير العالم من حوله).
نظر عمران إلى أخيه وقال:
- افعل ما تشاء يا أخي
أما أنا فسأذهب إلى البلدة وأبحث عن عمل وأعود إلى مدرستي
حتى أجد كنزي.
***
ترك عمران أخاه وذهب إلى البلدة بحثا عن عمل يساعده على سداد مصروفات دراسته، وحرص على تنظيم وقته ما بين العمل في مساعدة الوراق وبين استذكار دروسه بهمة ونشاط.
أما سعيد فدأب على الذهاب إلى أصدقاء ومعارف أبيه كل فترة لاقتراض بعض المال ليشتري به طعاما ويعدهم أن يسدد ما عليه بمجرد أن يحصل على كنزه ثم يعود إلى أرضه يحفر وينقب بحثا عن مفتاح الصندوق.
لكن بعد فترة أصبح الجميع يتهربون من سعيد ولا يقرضونه النقود بعد أن تراكمت عليه الديون وبات من العسير عليه سدادها.
حينها اضطر سعيد أن يزرع قطعة من أرضه تكفي لإطعامه، بينما يقوم بالحفر والتنقيب في القطعة الأخرى.. فإذا كبر المحصول حصده، وزرع القطعة التي انتهى من حفرها والبحث فيها عن مفتاح الصندوق، وبدأ في الحفر والبحث من جديد في قطعة الأرض الأخرى.
***
لم يدر سعيد كم من السنوات مرت عليه وهو في مكانه هنا.. يرفض كل محاولة من أخيه عمران الذي أصبح مهندسا كبيرا ذائع الصيت في العاصمة لإثنائه عما سيطر عليه من أوهام والكف عن مطاردة كنز لا وجود له إلا في خياله.
ورغم عدم استجابة سعيد لكلمات أخيه إلا أن عمران ظل حريصا على زيارة أخيه ومساعدته.
وفي أحد الأيام استيقظ سعيد مهموما..