فداء ووفاء
سماح أبوبكر عزت
كلما اقتربت أيام العيد، أحن إليك يا صديقى من جديد، أتذكر رحلتنا معاً وقصتنا التى بدأت بنهاية.. نهاية الراعى الذى خدع أهل قريته الطيبة عندما استنجد بهم لإنقاذه من الذئب ليكتشفوا أنه يمزح ومرة بعد مرة لم يصدقه أحد وعندما أتى الذئب بالفعل وصرخ.. النجدة.. النجدة، لم ينجده أحد من أنياب الذئب، وراء شجرة كبيرة رأيتك فى الظلام كنت أبحث عنك فلم يرنا الذئب والفضل يرجع للون الأسود الذى يجمعنا معاً، برغم الظلام الحالك شعرنا بالأمان وتمسك كل منا بالآخر.. فى الصحراء الواسعة كنت أقطع الصمت بالنباح وترد أنت بكلمة.. ماء.. ماء.. من يومها صرنا أصدقاء.. . ولم لا؟
ألم يعط كل منا أول درس للبشر.. أنا فى الوفاء، وأنت فى التضحية والفداء.. من بعيد حملت إلينا الريح أنغام الناى، اقتربنا من الصوت الشجى الذى اخترق صمت ووحشة الصحراء.. ووجدنا راعيا عجوزا يجلس وحوله قطيعه، رآنا فقدم لنا الماء وأكلنا من الحشائش واسترحنا، أشفق علينا الراعى وضمنا لقطيعه وتعاهدنا أمامه ألا نفترق مهما تحمل كل منا فى سبيل الآخر وعاهدنا الراعى الطيب ألا يفرقنا.. اقتربت أيام عيد الأضحى، وذهب الراعى بالقطيع لسوق الماشية، وباع عدداً كبيرا من الخراف والماعز وكما وعدنا الراعى الأمين، أصر أن يبيعنا معاً حتى لا نفترق، وكنا من نصيب رجل طيب القلب، وافق أن يشترى خروف العيد ومعه كلب يحرسه ويحرس المنزل معه.. وانتقلنا لبيت كبير وحديقة جميلة تسكنها أنواع كثيرة من الزهور والطيور كانت تتسابق لتقف فوق قرنيك وكأنه تاج وتقطف الزهور وتزينه.. وبرغم أنك كنت مقيداً بحبل فى شجرة كبيرة، كنت أشعر أنك تحلق كطائر حر عرشه السماء وأتألم لحالك، لكنك تبتسم قائلاً: هنا يا صديقى نعيش فى أمان بعيداً عن خطر الذئاب، يأتى لنا الطعام والماء من دون تعب أو شقاء.. برغم ذلك لم أستطع أن أخبرك بما ينتظرك من مصير بعد أيام فى أول أيام العيد..
امتلأ البيت بالأحفاد الصغار من الأطفال جاءوا ليشاهدوا خروف العيد كانوا حولك يشاغبونك، يجذبونك من قرنيك، حاول أحدهم أن يمتطيك وسخر آخر من لونك الأسود، كل هذا وأنت هادئ مبتسم تداعبهم فى مرح، اقتربت منهم ونبحت ففروا خوفاً.. كنت أريد أن أبعدهم عنك فاقترب منك أحدهم قائلاً: لست خائفاً منك يا خروف وسأكون أول من يشاهد الجزار وهو يخلع عنك هذا الصوف الأسود.. وقبل أن يكمل كلامه نبحت بصوت عال، فجرى الولد بعيداً تاركاً عشرات الأسئلة التى رأيتها فى عينيك يا صديقى، وفى رعشة سرت فى جسدك، وسمعنا معاً صوت مواء القطة التى اقتربت منك قائلة فى فزع: اهرب يا خروف لن ينفعك الكلب صديقك ستكون أنت الضحية وهو يعيش فى أمان، يومها قلت: مهما كان مصيرى، لن أهرب وأترك صديقى، حزنت العصافير من أجلك وجلس الهدهد فوق رأسك يواسيك واقتربت مجموعة من الفئران وقرضت الحبل الذى يقيدك فى الشجرة وقالت: سننقذك كما أنقذنا الأسد من شبكة الصياد، وانقطع الحبل وصرت حراً لكنك لم تهرب! تعجب الجميع حتى صاحب المنزل لم يصدق، وواجهت أنت الجميع بشجاعة قائلاً: لو هربت طمعاً فى الأمان والحياة، لتركت لصديقى الكلب العذاب والشقاء، نجاحى فى الهروب يعنى فشله فى أداء واجبه فى الحراسة، وإذا كان الله أنقذنى من أنياب الذئب من قبل، فذلك ليمنحنى شرف أن أكون أضحية العيد، يفرح بى الصغار ويتعلمون قيمة التضحية والطاعة، ويتقبل الله الثواب من الكبار، وأدخل السعادة فى قلوب من أوصانا بهم الله من المحتاجين والفقراء.
ارتفعت تكبيرات الصلاة فى أول أيام عيد الأضحى وبعد انتهاء صلاة العيد، حانت لحظة الفراق، نظرت إليك يا صديقى وتذكرت رحلتنا معاً فى الصحراء، نجرى تحت المطر، نهرب من العواصف، نحلم بظل شجرة يحمينا من قسوة شمس الصيف الحار..
واليوم أحتمى بما تبقى لى منك يا صديقى، فراء أسود يمنحنى الدفء والأمان فى ليالى الشتاء، ما زلت أشعر بأنفاسك ودقات قلبك، تداعبنى ابتسامتك وضحكتك الطيبة ويتردد صدى صوتك من حولى فى كل مكان بنداء.. ماء.. ماء..