ويعتبر الكاتب أنَّ ظهور تلك الجماعات النشطة سياسيًّا نابعٌ من "فشل الأنظمة العربية في حماية مصالحها، وتضافُر ذلك مع واقع هَيمنة القُوَى الغربية على هذه الدول؛ مما أدَّى إلى ظهور فاعلين من خارج المؤسَّسات الرسميَّة على المسرح - مثل القاعدة - أخذوا على عاتقهم سدَّ الفراغ في السلطة الملاحَظ لدى الأنظمة العربيَّة والإسلامية"؛ (ص: 144)، وأنَّ هؤلاء الشباب المتحمِّس للاستشهاد في سبيل تلك القضية "نمط جديد من المعارضة تجاه الغرب يمثِّل ديمقراطيَّة النِّضَال ضدَّ الغرب المتسلِّط"؛ (ص: 144).
ويرى الكاتب أنَّ تلك الجماعات الأصوليَّة هي إفراز طبيعي "ناجم بالأساس عن السياسات الغربيَّة الاستعماريَّة الجديدة والإمبرياليَّة، فالظاهرة الجديدة للحادي عشر من سبتمبر هي أن مجموعة مُعَيَّنة من النخب العربيَّة ذات التوجُّه الإسلامي قرَّرتْ - وهي متسلِّحة بعزيمة نادرة - أن تترجِمَ في أفعال متجسِّدة ما كان يَجيش في صَدْرها من امتعاض لتلك السياسات"؛ (ص: 149).
ومنه يظهر بشكلٍ واضحٍ أنَّ سياسة "النفاق تمثِّل إحدى القِيَم البنَّاءة ضمن الجوهر اللازم لنَمَط النهج السياسي الغربي"، وأنَّ "التوسع الاستثنائي والتفوق الذي أحْرَزَه الغرب يعود جزئيًّا إلى ممارساته الشَّرِسَة، والطابع المنظَّم لهذه الممارسات، كما يعود إلى أنَّ الغربيين يقتلون بطريقة أكثر فاعلية من الثقافات الأخرى"؛ (ص: 154).
وإنه تبعًا لهذه الغَطرسة الغربية، والأسلوب الاستعلائي المتسلِّط "يبلغ نفاق الغرب ذِروته حينما يرفض الإقرار بمهاجمته للإسلام، فالحرب التي تُخَاض فِعليًّا في أفغانستان والعراق ما هي إلا حرب ضدَّ الإسلام"، وإنَّ تلك الحروب والمواقف العدائيَّة "تَكْشف ببساطة، وبِما لا يدع مجالاً للشكِّ، عن الطبيعة الحقيقيَّة للغرب المشحونة في الصميم بالْحِقْد على الإسلام والخوف منه"؛ (ص: 160).
"في الوقت الذي تَصدر فيه الأوامر إلى بقيَّة العالَم بالاصطفاف خلف (فاعلة الخير) في العاصمة الإمبرياليَّة الجديدة "واشنطن"، هناك مقاومة عربيَّة إسلاميَّة تُذَكِّرها على الدوام بمحدوديَّة قُوَّتها الأيديولوجيَّة، ثم - خلافًا لكل التوقُّعات - تُبَاغِتها بضَرْبة مُوجِعة"؛ (ص: 167).
ويرى الكاتب كمحصلة للأمر مع أستاذه هنتجتون "أن انحطاط الغرب بحسب اعترافات بعض الغربيين أنفسهم قد بدأ بالفعل؟"؛ (ص: 156).
محصلة كل المخاوف: بماذا غيَّر الحادي عشر من سبتمبر الولايات المتحدة الأمريكية والعالَم؟
• بروز نَمَط من الفاشيَّة في الولايات المتحدة الأمريكية، أو دولة الجيش التي تعيش حالة استنفار حَربي دائمة.
• ظهور محاولة لفَرْض "الإمبراطورية الأمريكيَّة" على العالَم، وما ترتَّب عليه من غزو أفغانستان والعراق، والتهديد باحتلال سوريا وإيران، ووضْع بعض الدول مصدر التهديد تحت مُسَمَّى "محور الشر" (إيران وكوريا الشمالية وكوبا).
• تصدير النموذج الأمريكي إلى الخارج للدول المتحالفة قَسرًا، عن طريق تطويع القانون الدولي لِخِدمة مصالحها، وتجريد المنظَّمات الدولية من الصبغة الشرعية التي تتمتَّع بها، مثل: تعزيز الأنظمة السلطوية التي تضمن هَيمنة الإمبريالية الأمريكية في باكستان والعراق وإسرائيل، التهديد بقَطْع المساعدات الاقتصادية عن الدول التي لا تتعاون في ملاحقة "الإرهابيين"، إضفاء الشرعيةَّ على جرائم الحرب التي ارتكبتْها في حروبها بعد الحادي عشر من سبتمبر بحجة ملاحقة الإرهابيين.
• التحلُّل من حقوق الإنسان، ودولة القانون التي كانتْ تتشدَّق بها أمريكا دومًا، فعلى إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر ضاعفتِ السلطات الأمريكية انتهاكاتها للحُريَّات العامَّة، مثل: القيام بعمليات التجسُّس على المنازل، الرقابة على المواطنين، اعتقال الرعايا الأجانب لآجال زمنيَّة غير مُحددة دون محاكمتهم طبقًا لقانون الاشتباه، عسكرة القَضاء الجنائي، خَرْق نصوص معاهدة "جنيف" بشأن معاملة المحتجزين أمنيًّا وأسْرَى الحروب، وتحييد المدنيين أثناء الحروب.
• حسب إحصائيَّات السلطات الأمريكية نفسها، تَمَّ في الفترة ما بين ربيع عام 2001 وصيف 2003، توقيف ما يناهز ثلاثة آلاف شخص بحجة أنهم أعضاء في تنظيم القاعدة، وبحسب إحصائيَّات مستقلة، فإنَّ عددَ المعتقلين قد وصَل إلى خمسة آلاف شخص، وسُلِّم مائة شخصٍ من المعتقلين إلى سلطات البلدان الصديقة - وبالأخص الأردن وسوريا ومصر - وألزمتِ الأجهزة الأمنيَّة السريَّة باستنطاقهم.
• التعامُل مع العدو الوهْمي الجديد كما لو كان حقيقة، بحيث أضحت "القاعدة" أداة وهميَّة، يُراد لها أن تكون مصدر الشرور في كلِّ مكان حسب التصور الأمريكي، ومنه ترسيخ فكرة "الإسلام الراديكالي" - عالَميًّا - كعنوان رئيس للإرهاب.
• منذ الحادي عشر من سبتمبر قامت الولايات المتحدة بإنشاء ثلاث عشرة قاعدة عسكريَّة في ثماني دول - المجر، رومانيا، بلغاريا، العراق، أوزبكستان، قيرغيزستان، أفغانستان، باكستان - من أجْل تدعيم سياسة "الدفاع عن النفس" التي وضعتْها كسبيل لتدعيم مفهوم التدابير الاستباقيَّة ضد البلدان المعادية والتنظيمات الإرهابيَّة، وذلك من جانب أحادي من ناحيتها.
• المسعى العنيف والأعمى من جانب الولايات المتحدة؛ لكَبْح حريَّات الآخرين بما فيهم مواطنوها أنفسهم، كذلك جَعل أمريكا - حسب تعبير الروائي "نورمان ميلر" - بصَدد التحوُّل إلى "دولة ضخمة ذات مقومات هَشَّة" تحمل مقومات فنائها.
نهاية الأوهام - الحصاد الْمُرّ: يرى الكاتب أنَّ أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد فرضتْ حالة من "الْهَلع الشديد" بالولايات المتحدة الأمريكية؛ (ص: 207) أدَّتْ بها إلى "حالة استنفار دائم"؛ (ص: 208)، وبدلاً من تصحيح الأوضاع بالاعتراف بالخطأ ورَفْع الظلم، حيث مَثَّلَتْ هجمات الحادي عشر من سبتمبر "فرصة فريدة بالنسبة للولايات المتحدة؛ لاستخلاص العِبَر والسَّعْي لتعديل توجُّهات سياستها الخارجية"، (ص: 227)، على النقيض تمامًا، توسَّعتْ دائرة الصراع وتكثَّفتْ حينما "أعلنت الولايات المتحدة حربًا ضد الإسلام دون أن تسمِّيها - إلى الآن - باسمها الحقيقي"؛ (ص: 230).
وعلى المدى البعيد ستكون مُحَصلة كل تلك الغَطرسة والجبروت الأمريكي "دَفع الولايات المتحدة ثمنًا باهظًا جرَّاء سلوكها الإمبريالي، الداعم بلا هَوَادة للسياسة الإسرائيليَّة الهدَّامَة، وللحروب التي أشعلتْها في أفغانستان والعراق، فهناك أجيال جديدة من العرب والمسلمين يتربَّون اليوم على كَرَاهية أمريكا، وهذه الكراهية آخذة في الاتِّساع؛ لتشمل كلَّ حليف للولايات المتحدة"؛ (ص: 207 - 208)
. وينادي الكاتب الأصوات المتعقلِّة في الغرب بتحييد الصراع، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فمن الواضح تمامًا "أن الإسلام هو المستهدَف الوحيد بِجام الغضب الصادر عن هؤلاء الذين يقدِّمون دروسًا للغير، ويُنَصِّبون أنفسَهم حُماة للقِيَم"؛ (ص: 217)، وهم في أشدِّ الحاجة لها.
ويبرْهِن الكاتب على أنَّ الانشغال بالتفسيرات الغربيَّة والأمريكية لهجمات 11 سبتمبر وما تلاها - مَضْيعة للوقت وتبديد للجُهد، وأنَّ الانسياق وراء"نفاق وسائل الإعلام الغربيَّة"، وأصوات الشر من الكُتَّاب الغربيين المتطرِّفين سوف يُسْهم في "إبعاد أعداد من الغربيين - ممن ليسوا أغبياء ولا شركاء - عن استيعاب حقائق الصراع"؛ (ص: 224)، وأنَّ "سياسة الثأْر" و"كَبْش الفِداء"؛ (ص: 237) - التي يتعامل بها الغرب والولايات المتحدة ضدَّ كل ما هو إسلامي - هي بمثابة "انحطاط حضاري"؛ (ص226) يَصْعُب معه "إنقاذ ما كان من المتاح إنقاذه"؛ (ص: 226).
ويتساءل الكاتب متعجِّبًا: هل يجب علينا تذكير هؤلاء - الذين ينادون بالنزال - أنَّ أسلافهم قد خَسِروا المعركة إبَّان الحروب الصليبية؟"؛ (ص: 237).
ذاقت الولايات المتحدة في نهاية الأمر طعمَ العقاب، وفي نهاية المطاف أنجبتْ أُم المعارك عمليَّات الحادي عشر من سبتمبر، وعليه يختتم الكاتب كتابه بتساؤله المحتوي في باطنه على رجاء بأن يتعقَّل الغرب من أنَّ هجمات الحادي عشر من سبتمبر هي عاقبة الفكر الغربي القائم على استلاب الحريَّات وقَتْلها، وأنَّ إعادة الكَرَّة ثانية سوف يؤدِّي بنا لِهُوَّة مُظلمة في مستقبل مجهول:
"ماذا سيكون المستقبل؟ هل سيكون حالة من التصارُع ما بين حملة دوليَّة من الإرهاب الدائم، وإمبراطورية عالميَّة تمارِس أساليب العقاب؟
طالَما أنَّ الولايات المتحدة لَم تتقبَّل - على مستوى سياسي أكثر منه ثقافي - وجود حضارة لها قِيَم بديلة، حضارة تَمَّ إضعافُها اليوم، لكنَّها قابلة لأن يكون لها من القوة ما للغرب كما دلَّل التاريخ على ذلك - فإن الحوار حول ماهيَّة الحادي عشر من سبتمبر لن يوضَعَ في نصابه"؛ (ص: 239).
تقييم الكتاب: • الكتاب يُعَد وثيقة هامَّة للغاية، مُقدَّمَة للعالَم الغربي؛ لفَهم طبيعة هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وماهيَّة أسباب حدوثها، ودعوة للعقلانيَّة من نُزهاء وشُرفاء الغرب؛ لكَفِّ المظالِم ضدَّ الإسلام وآله، باعتباره العدوَّ القديم للحضارة الغريبة الاستعمارية، فالظلم لا يولِّد إلا الظلم؛ كما برْهَن الكاتب خلال فصول كتابه.
• الكاتب استبعد تمامًا نظرية المؤامرة، التي هي بضاعة كثير من الكتابات العربيَّة حول هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وذلك بأسلوب تحليلي عميق، مركِّزًا في الوقت ذاته على ضرورة وجود وجهة نظر مغايرة من جانب الغرب نفسه؛ لفَهم دوافع تلك الهجمات وغيرها، وهو ما يهمُّ القارئ، ويحقق ثمرة الكتاب المرجوَّة، فالكتاب موجَّه بالأخصِّ للقارئ الغربي، الذي يستبعد تمامًا فكرة المؤامرة من حساباته، ويحاول إيجاد جواب عن السؤال الذي يتردَّد ليل نهار في وسائل الإعلام الغربيَّة: لماذا يكرهوننا؟! لماذا يهاجموننا؟!
• جانَبَ الكاتب الصواب في اعتماد وجهة نظر المفكِّر "صمويل هنتجتون"في ربط هجمات الحادي عشر من سبتمبر بصدام الحضارات ثقافيًّا، مع إغفال الجانب العَقَدي لطبيعة الصراع الدائر حتى يوم القيامة بين جانبي قُوَى الغرب الملحِد والعالَم الإسلامي، فلا يمكن فصل الثقافة الإسلاميَّة والعربيَّة عن العقيدة بأيِّ حال من الأحوال.
• الكتاب يُعَد من أثرى المؤلفات التي كتبتْ في تفسير أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومليء بالتفاصيل، ويدلِّل على ذلك اعتماد الكاتب في كتابة مؤلَّفه أكثر من 117 كتاب كمرجع، أكثر من 500 مقال صحفي، و 12 فيلمًا وثائقيًّا، وكانتْ هذه المراجع بخمس لغات: العربية، الفرنسية، الإنجليزية، الإسبانية، الألمانية، وكان من أكثر الكتب مبيعًا بفرنسا، وتَمَّتْ إعادة طباعته عِدَّة مرات، إلى أن الكاتب نفسه ألْحَق بخاتمة كتابه ثبت بالتسلسل الزمني لأحداث الحادي عشر من سبتمبر حسب روايته بالكتاب، وأهم الأعلام الوارد ذِكرُها بالمؤلَّف.
• جدير بالإشارة أن الكتاب أُلِّف باللغة الفرنسية، وأسهمت الترجمة الرصينة المتْقَنة من جانب الباحث الموريتاني - المقيم في نيويورك - الأستاذ أحمد صالح احميِّد، في تعزيز قيمة الكتاب، وإتاحته لجمهور القارئين في الوطن العربي، المفتقد لِمثْل هذه الدراسات الجادة في سوق دور النشر العربية.
رابط الموضوع
http://www.alukah.net/Culture/0/27786/
فهرس الكتاب [th]الموضوع[/th][th]الصفحة[/th]
مدخل تمهيدي الحدث الجلل | 3 |
الفصل الأول الكوماندوز | 11 |
الالتحام | 14 |
محمد عطا | 22 |
مروان الشحي | 24 |
زياد سامر الجرّاح | 25 |
الاندماج | 26 |
التنفيذ | 29 |
وصول الفرق | 34 |
هاني حنجور | 35 |
نواف الحازمي | 35 |
خالد المحظار | 36 |
العنصر العشرون | 38 |
مفاتيح النجاح | 46 |
الفصل الثاني التحضيرات | 51 |
القرارات الأخيرة بأسبانيا | 54 |
التصويبة الأخيرة بـ"لاس فيغاس" | 56 |
الفصل الثالث العملية | 63 |
طائرة شركة طيران امريكان آيرلاينز، الرحلة 11 | 69 |
طائرة شركة طيران آيرلاينز، الرحلة 175 | 72 |
طائرة أمريكان أيرلاينز الرحلة 77 | 76 |
طائرة شركة يونايتد أيرلاينز، الرحلة رقم 93 | 81 |
المناطق الضبابية | 91 |
فرَضِيَّةُ الضلوع الإسرائيلي المزعوم في العملية | 93 |
الفصل الرابع التأهب لخوض الحرب Bellum seipse alet | 99 |
الامبراطورية تتحرك | 106 |
الفشل الاستخباري الذريع | 112 |
المسألة العراقية | 117 |
الفصل الخامس صدام الحضارات | 125 |
نبوءة البرفسور | 128 |
الحادي عشر من سبتمبر وتأكيد الصِّدَام | 135 |
إضفاء صبغة أكثر راديكالية على التساؤل | 144 |
كشف النقاب عن الغرب | 152 |
الفصل السادس مُحصِّلة كل المخاوف | 169 |
التحلُّل من حقوق الإنسان ودولة القانون | 172 |
قانون "بيتريات" Patriot والإجراءات الاستثنائية | 179 |
الأمريكيون: الضَّحايا الرَّاضَونَ بذلك | 182 |
التعامل مع العدوِّ الوهمي "الجديد" كما لو كان حقيقة | 188 |
الأسلوب الأمريكي والإغراءات الإمبريالية | 196 |
الفصل السابع نهاية الأوهام | 205 |
ردّة الفعل | 208 |
خِيّانة رجال الدين | 215 |
على من يأتي الدور الآن؟ | 218 |
عصر الامبراطورية الأمريكية | 225 |
إصابة الذهن الأمريكي بالجمود، وفقدانه للإحساس | 228 |
التسلسل الزمني للأحداث | 241 |
المصادر ولوائح الكتب التي تم اعتمادها كمراجع | 259 |
أولا : المُؤلفات والمقالات (وِفْقَ الترتيب الأبجدي اللاتيني للأسماء العائلية للمؤلفين) | 259 |
ثانيا : الأفلام الوثائقية | 282 |
لائحة بأسماء الشخصيَّات الواردِ ذكرها في المؤلف | 285 |
بمكن اقتناء نسخة من الكتاب عن طريق موزعي إصدارات "عالم الكتب الحديث " في الوطن العربي، الواردة أسماؤهم أدناه: