هل صنعنا شيئًا مفيدًا للبشريَّة يبرِّر تباهينا المفرط بأنفسنا وتفاخرنا أمام العالم؟
عبدالهادي الجميل كاتب كويتي تم تحويله الى النيابة بعد ان كتب هذا المقال .هل صنعنا شيئًا مفيدًا للبشريَّة يبرِّر تباهينا المفرط بأنفسنا وتفاخرنا أمام العالم؟
ما الذي حقَّقته دول الخليج بعيدًا عن النفط الذي تفجَّر تحت أقدامنا بفضل الصدفة التاريخيَّة وبقايا قطعان الماموث والديناصورات؟
لماذا نفتخر ببرج خليفة و برج المملكة و برج الحمراء التي لم يشارك مواطن خليجي واحد في بنائها أو صُنع طابوقة واحدة منها أو حتَّى في وضع مخطَّطها الإنشائي؟
النفط بنى كلَّ شيء حولنا، وعندما ينضب في وقت لم يعد بعيدًا كما يبدو، سيستطيع الإنسان أن يصل إلى قمَّة هذه الأبراج مشيًا فوق الكثبان الرمليَّة الضخمة التي ستبتلع هذه الحضارة الإسمنتيَّة الفارغة! أيُّ حضارة ندَّعيها، وننسب أنفسنا قسرًا إليها!
الحضارة الحقيقية شيء آخر مختلف تمامًا عن الحضارة التي تروِّج لها و تدَّعيها حكومات الخليج و أبواقها من الصحافيِّين و المستشارين و ضاربي الدفوف وحاملي المباخر.
العالم كلُّه يتَّجه نحو المستقبل، ودويلاتنا الست تدور حول نفسها كالمغزل الصدء!
تاهت البوصلة وزاغت الأعين، واستعصت الدفَّة على الأيدي الأمينة.
متى يعي حكَّام الخليج بأنَّهم ليسوا آلهة، وإن حاول بعضٌ إيهامهم بذلك من خلال السجود لهم، وتقبيل كتوفهم وأنوفهم وأيديهم!
متى يعي حكَّام الخليج بأنَّ الشرعيَّة لا يحقِّقها تكديس الثروات ولا شراء الولاءات ولا الضرب بالهراوات ولا الحماية الأجنبيَّة!
الشرعيَّة الوحيدة التي ينبغي أن يحرصوا عليها، موجودة في قلوب شعوبهم الوفيَّة الصابرة التي لم تعد قادرة، مؤخَّرًا على الصبر أكثر.
متى تعي العائلات الحاكمة بأنَّ العالم الآن غير العالم السابق، وأنَّ شعوب اليوم ليست شعوب الماضي، و أنَّ المواطن الخليجي لن يكترث بمستقبل النظام الحاكم، متى ما شعر بأنَّ مستقبل أبنائه في خطر!
متى تعي العائلات الحاكمة بأنَّ مثيلاتها قد زالت من العالم، وأنَّ بقاءها في الخليج لن يطول أكثر دون العدالة والمساواة واحترام حقوق الشعوب وكبح جماح الفاسدين من أبناء الحكم والطبقة المحيطة بهم!
متى تعي العائلات الحاكمة بأنَّ المعتقلات المكتظَّة، لم تنقذ القذَّافي، وأنَّ حسني مبارك، سقط أوَّلا في ميدان التحرير، وأنَّ قاذفات “الميغ” دمَّرت حلب، لكنَّها لم تنجح في تدمير إرادة أطفالها، وأنَّ قبيلة علي عبد الله صالح ضحَّت به في اللحظة التاريخيَّة الحاسمة، فداءً لليمن!
متى تعي العائلات الحاكمة بأنَّهم لن ينالوا احترام الشعوب، وهم لا يجهدون أنفسهم من أجل نيل هذا الاحترام؟
لماذا يريدون منالشعوب أن تؤمن بالدساتير و القوانين التي لم يؤمنوا بها لحظة واحدة رغم أنَّهم مَن وضعوها وفصَّلوها على مقاييسهم؟
لماذا تتصرَّف العائلات الحاكمة بأموال الشعوب، كأنَّها إرث شرعيٌّ انتقل إليها من الآباء والأجداد، ثمَّ يحاولون إقناعنا بأنَّهم أكثر زهدًا من الخليفة عمر بن عبد العزيز!
لماذا يتحدَّث بألسنتكم بعض الفاسدين ويحيط بكم بعض المشبوهين ويستقوي بكم أرباب السوابق ويدافع عنكم الحقراء ويلتصق بكم المستشارون الذين أرضوكم فأغضبوا الله والشعب!
لماذا لا تقرأوا التاريخ كي تتعلَّموا بأنَّ الثورات لا تشتعل ذاتيًّا في العراء، بل تندلع شرارتها في الصدور و تضرم في الشوارع وتنفجر في القصور!
-----------
نقلا عن : عاجل بوست