السؤال: هل يجوز إلقاء السلام على المصلين في المسجد وهم يصلّون صلاة الجماعة وهل هذا جائز في صلاة النفل والفرض؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإذا حملت رواية أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي داود على نصب لفظة "تسليم" في قوله صلى الله عليه وسلم :"لا غِرارَ في صلاة ولا تسليمَ"(١) يكون ذلك اللفظ معطوفا على لفظ "غرار" ومعناه، لا نقص ولا تسليم في الصلاة لورود النهي عن الكلام في الصلاة بغير كلامها، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم :"إنّ الله عزّ وجلّ يُحدث من أمره ما يشاء، وإنّ الله تعالى قد أحدث من أمره أن لا تكلَّموا في الصلاة، فردَّ عليّ السلام"(٢).
غير أنّ المعهود أصوليا أنّ النكرة في سياق النهي تفيد العموم، ويقتضي ذلك تناول تسليم المصلّي على المصلّي، وردّ المصلّي على من سلّم عليه، كما يشمل غير المصلّي على المصلّي كما هو ظاهر من تفسير الإمام أحمد لهذا الحديث بقوله:"أن لا تسلِّم ولا يُسلًَّم عليك.."(٣) لكن هذا العموم غير مراد لقيام دليل تخصيص صورة تسليم غير المصلّي على المصلّي بالإقرار، وردّ المصلّي عليه بالإشارة من فعله صلى الله عليه وسلم، وذلك في عدّة أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله عنه قال:"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُباء يصلي فيه، قال: فجاءته الأنصار فسلَّموا عليه وهو يصلي، قال: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يردُّ عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول، هكذا، وبسط كفه، وبسط جعفر بن عون كفه وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق"(٤) وفي حديث آخر عن صهيب أنّه قال:"مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم –وهو يصلي- فسلّمت عليه فردّ إشارة، قال: ولا أعلمه إلا قال: إشارة بإصبعه"(٥).
ففي هذه الأحاديث دليل على جواز تسليم غير المصلّي على المصلّي حيث أنّ الصحابة رضي الله عنهم سلّموا عليه من غير نكير منه، بل وافقهم عليه بأن ردَّ السلام بالإشارة، ولا يُقال عن هذه الأحاديث أنّها خاصة بالنفل دون الفرض لورود العموم في لفظ "الصلاة" عند قوله صلى الله عليه وسلم :"إنّ في الصلاة لشغلا"(٦) وقوله صلى الله عليه وسلم :"لا تكلموا في الصلاة"(٧)، وهو شامل للنفل والفرض، وإلاّ فإنّه يلزم نسخ الكلام في صلاة النفل دون الفرض، ولا شك أنّ اللازم باطل والملزوم مثله.
هذا، وإن كان السلام على المشتغل بالصلاة جائزا ويكفيه الردّ بالإشارة كما يجوز له أن يردّ بعد فراغه من صلاته، على نحو ما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، إلاّ أنّه يُكره الإكثار من السلام على المصلّي وترداده عليه مع كلّ داخل إلى المسجد أو تكرار عليه مع كلّ مار عليه، لأنّ المصلّي يناجي ربّه بالقرآن والذكر والدعاء، الأمر الذي يستدعي الاستغراق بخدمته فلا يصح الاشتغال بغيره لقوله صلى الله عليه وسلم:"إن في الصلاة لشغلا"(٩) لذلك لا تقاس حالة غير الصلاة على الصلاة للفارق بينهما. قال النووي
إنّ وظيفة المصلي الاشتغال بصلاته وتدبر ما يقوله فلا ينبغي له أن يعرج على غيرها).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
________________________________________
١- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة: باب ردّ السلام في الصلاة، والحاكم (1/246) وأحمد (2/461)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/229) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (318).
٢- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة: باب ردّ السلام في الصلاة، والنسائي كتاب السهو: باب الكلام في الصلاة، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (1888).
٣- ذكر هذا القول أبو داود في سننه بعد حديث (لا غِرار في صلاة ولا تسليم) رقم (928).
٤- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة: باب ردّ السلام في الصلاة، عن ابن عمر رضي الله عنهما وانظر الصحيحة (1/2/633).
٥- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب رد السلام في الصلاة، والنسائي كتاب السهو باب: رد السلام بالإشارة في الصلاة. والترمذي كتاب مواقيت الصلاة: باب ما جاء في الإشارة في الصلاة، من حديث صهيب رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (858).
٦- متفق عليه، البخاري كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة الحبشة، ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
٧- جزء من الحديث السابق (إن الله عزّ وجل يحدث من أمره ما يشاء)
٨- سبق تخريجه.