القيد الاقتصادي لعدوانية الولايات المتحدة عادل سمارةتحليل: عادل سمارةجدل إدارة الأزمة:بعد يوم من مكالمة هاتفية بين أوباما وجون بوهيمر، الناطق باسم الجمهوريين في مجلس النواب في بداية ديسمير 2012، توفرت دفعة لبداية انطلاق حيث استخدم الطرفان لغة متشابهة لشرح وضعية المفاوضات ولكن أسدل ستار إعلامي على التطورات.
يرى أوباما والديمقراطيون ان منظومة التخفيض الضريبي يجب ان تنتهي مع نهاية السنة، على ان تُوسع لتشمل دافعي الضرائب ذوي الدخول الأقل من 250,000 دولار سنويا ولكن ليس الإثنين بالمئة الأكثر ثراء. وبالمقابل، قال الرئيس بأنه يرغب الأخذ بالاعتبار القيام بتخفيضات ملموسة في الإنفاق الذي يطالب الجمهوريون به بحيث تشمل برامج مثل الدواء وخطة التأمين الحكومي الصحي للكبار.
بدورهم يجادل الجمهوريون بأن حل مديونية قدرها 16 تريليون دولار، لا يأتي سوى عبر نمو اقتصادي وبرامج إصلاح حقيقي. أما أوباما فيرى أن الأفضل هو فرض ضرائب على الأفراد ذوي الدخل السنوي ما فوق 200 الف دولار والأسر ذات الدخل ما فوق 250 ألف دولار، والاحتفاظ بسلطة دائمة للدولة على طلب مزيد من الاعتمادات لدعم الإنفاق الحكومي. بينما يطالب الجمهوريون بتمديد العمل بمعدلات الضريبة الحالية لسنة أخرى على الأقل والاحتتفاظ بسلطة الحكومة في توسيع نطاق عملية التقشف.
وبالطبع، فإن الجمهوريين في دفاعهم عن الأ 1-2% الأكثر ثراء يبررون ذلك بأن توسيع المروحة الضريبية إلى الأعلى سوف يقلل أرباح الأغنياء مما يقلل توجههم الاستثماري وبالتالي يقلل خلق فرص التشغيل، وبالمقابل يرى الديمقراطيون أن تقليص الضرائب على الطبقات الشعبية والوسطى يزيد الإنفاق ويحرك عجلة الاقتصاد ويخلق فرص العمل وهذا يبرر زيادة الضرائب بعد ذلك. وكما نلاحظ، نحن أمام اجتهادين يهدفان خدمة راس المال لا أبعد ويتجنبان التعاطي مع الأسباب الحقيقية للأزمة لأنها من أداء وضغط مصالح راس المال.
إن زيادة الضرائب وتقليص النفقات لا يؤدي إلى حفز الاقتصاد حيث يقود إلى هبوط الاستهلاك ومن ثم هبوط أداء الاقتصاد والذي بدوره يقود إلى زيادة عجز الخزينة لا سيما في اقتصاد حافزه الاستهلاك .فكلما زادت الضرائب يقل الاستهلاك حيث يحاول الناس توفير ما يسددوا به مسستحقات الضرائب وهذا يقيد النمو، فهم لا فوائض لديهم ليدخروها كي يدفعوا ضرائب أكبر كما يجادل روبرتس.
وهذا ما يجادل لصالحه اقتصاديون امريكيون آخرين بأن معظم الناس متورطين في عجز عن دفع اقساط سياراتهم، ومنازلهم، وقروض تعليم أولادهم. ولذا:
" وحتى منذ جون مينارد كينز، فقد فهم الاقتصاديون بأن زيادة الضريبة وتقليص الإنفاق يقودان إلى تقويض، وليس خفز النشاط الاقتصادي. وهذه بشكل خاص الحالة في اقتصاد كالأمريكي حالياً، الذي يُقاد بإنفاق الاستهلاك....بعض الاقتصاديين مثل روبرت بارُّو من جامعة هارفارد يزعم بأن معايير الحفز الاقتصادي، اي عكس التقشف، لا تعمل ولا تجدي، لأن المستهلكين يتوقعون بأن الضرائب الأعلى التي يتم احتياجها لتغطية عجز الخزينة ، وبناء على ذلك، تخفيض نفقاتها وزيادة الادخار كي تتمكن من دفع الضرائب المتوقعة".
نستخلص من هذا ما يؤكد على المُشار إليه أعلاه، بأن القطاع المتحرر من الضغوط، إلى جانب نخبة المجمع الصناعي العسكري، وهو مكون قيادي في راس المال هو القطاع المصرفي. فإلى جانب هذا، فإن الحكومة ركزت على إنقاذ المصارف بالحقن المالية وهذه المصارف لجأت لتحصين نفسها من الإفلاس إلى الاندماج. كما أن عدم التضبيط أدى إلى فتح باب المضاربات . وبقيام الحكومة بدعم المصارف عجزت بدورها عن توفير نفقات للرفاه. اي علاج خارج المرض او مسببي المرض. لقد قام البنك المركزي بإنقاذ المصارف وليس الاقتصاد. فلم يبيع فقط سندات خزينة جديدة أُصدرت كي تمول عجزاً فدراليا يفوق تريليوون دولار سنويا، ولكن حتى الأدوات المصرفية الداخلية حيث اخذتها من دفاتر المصارف ووضعتها في دفاتر المصرف المركزي فكانت نتيجة هذا علاج في الاتجاه الآخر، وعليه، اخفقت المصارف جدا في الإقراض واخفق الجمهور الغارق في الدين عن الاقتراض.
أساس الأزمة توسع راس المال طويلاً قبيل السنوات الأربع الأخيرة:
لا يمكن للمرء تجاهل دور العامل الضريبي والإنفاق الحكومي لا من حيث ترابطهما ولا من حيث تاثيرهما في الاقتصاد وحتى في الأزمة تصعيداً أو إطفاءً، ولكن، بكلمات بسيطة ، فإن الأزمة الاقتصادية المالية في الولايات المتحدة ناجمة اساسا عن نفقات زائدة لدولة لم تعد إمبراطورية، إن كانت كذلك، وعائدات متناقصة لدولة تحاول الإنفاق على تمددها ذي الطموح الإمبراطوري! وهذا هو المعنى المبسط للعجز هناك. ولهذا العجز مسببات عدة وكل واحدة منها عائدة إلى فترة زمنية خاصة بها. ورغم أن نفقات العدوان على فيتنام كانت الحدث الخارجي المؤسس لهذا العجز، إلا أن تفسير هذا السبب وأسباب أخرى يرتد إلى المستوى الطبقي في الولايات المتحدة بما هو السبب المؤسس للحرب بل ولمختلف اسباب هذا العجز. أي أن هذه الحرب كانت بسبب المصالح الطبقية للرأسمالية الأميركية، أو بكلمة أخرى توسع راس المال الذي يقتضي ويبرر كافة أنواع العسف والبربرية ومنها مثلاً خلق تنظيم القاعدة وضرب بعض أجنحته لمقتضيات ما.
وضمن توسع رأس المال إشتقت الشركات الصناعية الكبرى في الولايات المتحدة طريقاً جديداً لها للحفاظ على اعلى معدل ممكن من الربح ولا سيما حينما تزايد عدد الدول التي تنافس بمعروضاتها في السوق الدولي، أي الأزمة في جانب العرض. وكان حينها أن قرر المجمع الصناعي المدني الأميركي نقل الكثير من الصناعات إلى بلدان المحيط، كما اشرنا، وهي الظاهرة التي أُسميت ب تصدير رأس المال العامل الإنتاجي. وللمفارقة دفعت هذه الظاهرة بعض الاقتصاديين وحتى الماركسيين منهم إلى التوهم ومن ثم الزعم بأن بلدان المحيط هذه قد غدت دولا صناعية عبر الطريق الرأسمالي!
لن نعيد هنا نقاش مختلف عوامل ومسببات الأزمة المالية الاقتصادية في الولايات المتحدة، بل تكثيفها في ما يلي:
- لا يعمل اي اقتصاد في العالم حتى لو كان غير راسمالي بمعزل عن مصالح الطبقات، وتحديداً وخاصة اقتصاد الولايات المتحدة الذي مختلف مكونات مأزقه ناتجة عن توسع راس المال في الخارح، واستدارته لمزيد من استغلال الطبقات الوسطى والشعبية في الداخل.
- هناك سياسات داخلية لعبت ولا تزال دوراً في الأزمة المالية الاقتصادية، وهذه موجودة دوماً في الأنظمة الراسمالية ولها دور في الأزمات لكنها ليست السبب الرئيس في التفاقم الحالي.
· إن الدور الأساس هو في سياسات توسع راس المال والتي تجلت في
· انزياح كثير من الصناعات كمواقع إنتاج وتشغيل ومن ثم دفع ضرائب إلى المحيط
· خلق بطالة في أوساط العمال العاملين أو المفترض أن يعملوا في هذه الشركات.
· وتوقف هذه الشركات عن دفع ضرائب طالما هي تعمل في الخارج
· تقلص دخل الحكومة الفدرالية.
وهذه تطلبت ولا تزال دخول الولايات المتحدة حروباً ساخنة في المحيط، بعد توقف الحرب الباردة. وهي الحروب التي أنهكت اقتصادها، وجيشها كذلك.
الحلول ضمن النظام:إذا ما اردنا فهما أعمق للأزمة في الولايات المتحدة، فإن قراءة الحلول المفترضة او المقترحة هي أكثر ما يساعدنا في فهم هذه الأزمة . فبما هي أزمة بنيوية، فإن الجدل الذي اشرنا إليه أعلاه هو إدارة يومية أو مؤقتة للأزمة أكثر مما هو حَّلاً لها وذلك لأن الأزمة بنيوية وقديمة مستحكمة وليست مجرد حدث عارض وطارىء يمكن معالجته حتى على مدار مدة رئاسية كاملة هناك.
من بين المقترحات لوضع اقتصاد الولايات المتحدة على طريق الحل يقترح اقتصاديون أمريكيون حلاً من شقين:
الشق الأول: ويبدأ، بأمرين:·إما استعادة الشركات التي نقلت أعمالها إلى الخارج مما يستوعب عددا من قوة العمل المحلية فيساهم في تخفيض معدل البطالة ويزيد القوة الشرائية في البلد ويسمح للسلطة بجني ضرائب أكثر ويمكنها بالتالي من تقديم خدمات أفضل. لكن هذا الاقتراح وهو آت من اقتصاديين جمهوريين مثل روبرتس، إلا أنه يحوي ما يقود إلى أزمة طبقية حادة ملخصها الضغط على مداخيل الراسماليين الكبار لصالح الاقتصاد الوطني عامة، وهذا ما ليست النخبة بل النخب الحاكمة مؤهلة له. بل إن هذه النخبة هي التي غادرت شركاتها الاقتصاد إلى الخارج. لذا، فإن هذه النخبة/ب سوف تستمر في إعاقة هذه التوجهات بحكم مصلحتها الطبقية. هذا إلى جانب وجوب أخذ القوى الدولية الفاعلة، والمشار إليها اعلاه، بالحسبان. فهي لن تتوقف عن قضم قوة وسيطرة الولايات المتحدة، كما أنها لن تتوقف عن بلورة تكتلاتها وقطبياتها على المستويات الاقتصادية والسياسية وربما العسكرية. فلن يقف العالم عند نقطة وضعه الحالي إلى أن تتمكن الولايات المتحدة من إعادة بناء هيكلها الاقتصادي طبقاً لمصلحتها الذاتية الخاصة. مثل هذه السياسة إن حصلت، فهي لا شك تضرب تقاسم العمل بين المجمع الصناعي المدني الذي اختار الكثير منه نقل صناعاته خارج البلاد، مقابل المجمع الصناعي العسكري الذي وسع نشاطه داخل البلاد، مما يعني ضرورة تقديم ما يُغرب المدني بالعودة، ويظل السؤال على حساب اية طبقة؟
· أو فرض ضريبة قيمة مضافة أعلى على هذه الشركات الراحلة إلى الخارج مما يزيد دخل الحكومة الفدرالية وذلك ليس فقط لجني مداخيل حكومية منها بل كذلك لوضعها في حالة تجد معها أن العودة إلى الولايات المتحدة نفسها أجدى مالياً حيث يتم تخفيض هذه الضريبة عليها في حالة عودتها وحينها يتم حساب فارق معدل الضريبة لإطفاء الفوائد المتأتية من الكلفة الأقل من كلفة العمل الأجنبي.
"إن جميع المنتجات التي تنتج في ال أوف شور وتُجلب على الولايات المتحدة تُحسب كواردات، وإن ترحيلها أو نقلها أي هذه المنتجات إلى الولايات المتحدة قد يقلل العجز التجاري، ويزيد الثقة بالدولار. كما ان زيادة مداخيل المستهلك الأميركي سوف يويد الدخل الضريبي، وحينها يقلل عجز الميزاية. انه حل رابح".
والشق الثاني هو وقف الحروب التي لا تقف كلفتها عند الحرب نفسها بل كذلك في النفقات على علاج والمستشفيات والمكافآت للجنود الذين تناوبوا الحرب ل 11 سنة. طبقاً ل إيه, بي. سي نيوز: " فإنه خلال العقد منذ 11 ايلول 2001 أي العدوان الإرهابي على مركز التجارة العالمي، فإن 2,333,972 شخص من العسكرية الأميركية قد تم إرسالهم إلى العراق ، أفغانستان أو كلتيهما وحتى 30 أب 2011، أي إلى ما قبل سنة من الآن" . وجميع هؤلاء لهم حقوق في مكافآت غير مستردة، بما في ذلك عناية صحية طويلة الأمد. وطبقا ل إيه. بي.سي، فإن 711,986 مجندا قد حصلوا فعلا على خدمات إدارة الصحة بين السنة 2002 وحتى الربع الثالث من عام 2011 . ولكن، طالما أن الحرب هي صناعة اساسية في راس المال، وطالما أن النخبة المالكة للصناعات العسكرية تعتمد وجودياً على الحرب، وطالما أن بنية الاقتصاد موجهة دوماً بهذا الاتجاه وتعمقت منذ الحرب العالمية الثانية وتكاد تنحصر فيه منذ بداية الأزمة في جانب العرضSupply-Side Crisis في سبعينات القرن العشرين،، فإن تغيير هذه البنية سريعاً ليس بالأمر السهل.
لذا، يصر الجمهوريون الجدد على الاستمرار في حروب لا مبرر لها، برأي روبرتس، لإرغام ال 99% ان يدفعوا لحروب الهيمنة التي يشنها المحافظون الجدد في حين يحمون ال 1% من دفع الضرائب. وأما الديمقراطيين فمختلفين بشكل ضئيل. وقد تتضح صحة هذا القول بما يُردده روبرتس: "... أنه من بين 535 اعضاء الكونجرس ما من احد وليس اكثر من عشرة يمثلون الشعب الأميركي. وهذا سبب انه رغم مختلف العلاجات الواضحة لا يمكن فعل شيء. امريكا ذاهبة إلى الارتطام الكبير. وسيكون بقية العالم شاكرا. امريكا وإسرائيل اكثر البلدان مكروهة. لا تتوقعوا اي إسعاف اجنبي لقوة عظمى".