محمد عدوى يكتب: عصفور خارج القفصانتخابات الرئاسة مازالت ساريةغرفة مظلمة فى أحد جوانبها، يسكن عصفوران داخل قفصهما فى حال من الهدوء والأمان، ويأتيهما كل صباح صاحبهما ليقدم لهما الطعام. هكذا هى حياتهما اليومية الاعتيادية، لا جديد فيها.
وكان العصفور الأول ساخطًا من حالِه ومن وجوده داخل محبس لا يستطيع أن يغرد خارجه، بينما كان الثانى راضيًا بما فيه، لا يشغله سجنه مادام الغذاءُ متوفرًا يأتيه كل يوم.
وعندما أشرقت الشمس وأتى موعد تقديم الطعام كان الأول كحاله مستاءً، بينما كان الثانى منتظرًا قوت يومه، وعندما أتى الرجل وفتح باب القفص ليدخل الطعام إذا بالعصفور الأول ينتهز الفرصة ويهرب من القفص، ورغم أنه بداخل محبسه يعيش آمنًا مستقرًّا يأتيه الغذاء دون بحث منه أو عناء؛ فإن هذا الأمر لم يشغله، وفضل أن يعيش حرًّا دون قيد فى سجن، حتى وإن غاب عنه الغذاء أو عانى حتى يجده، لقد ضحى بعيشته الآمنة الهادئة وبغذائه الذى يأتيه كل يوم لأجل حريته، بينما ظل الآخر حبيسًا فى قفصه.
من وحى الخيال كتبت هذه الكلمات التى تعبر عن واقع نعيشه، فحالنا أصبحت كحال العصافير، سرب يبحث عن حريته ويجعلها الأولوية ذات المقام الأول ومقدمة على ما دونها، وسرب آخر لا تُهمه الحرية بقدر ما يشغله استقراره وعيشته الهادئة، قد يرضى بالعبودية مادام الطعام أمامه، ومادام الأمن موجودًا، حتى ولو كان نتاجًا للقمع.
وربما يكون بنجامين فرانكلين أكثر قدرة على تجسيد هذه الفكرة فى كلماته: "من ضحى بالحرية لأجل الأمن لا يستحق أيًّا منهما". وبالتالى فالحرية منال لم يتحقق كليًّا بعد الثورة؛ لأن ثمنها كبير، قد يكون أمنًا أو غذاءً أو يتعداهما إلى أن تصبح النفس هى الثمن فى سبيل الحرية.
أعلم أن كثيرًا ممن يقرأون هذه الكلمات هم بالأساس مؤمنون بفحواها، وما تضمنته من أطروحات، ولكن قد يكون التأكيد عليها سببًا فى السعى لنقل هذه الثقافة للشارع المصرى، الذى أزعم – وأتمنى أن يكون زعمى خطأً – أنه فى وادٍ بعيدٍ عنَّا.