محمد السيد عبد الرحيم يكتب: حلم الغد الذي خرج من رحم كارثة الأمسمحمد السيد عبد الرحيم
بوابة الشروق :
تستعد اليابان لإحياء الذكرى الثانية لكارثة الزلزال القوي الذي ضرب شرق اليابان، والذي أعقبته أمواج التسونامي العاتية التي دمرت مساحات شاسعة على ساحل المحيط الهادي من منطقة توهوكو في الشمال وحتى منطقة كانتو بالقرب من طوكيو في الحادي عشر من مارس قبل عامين.
وفي قراءة عابرة لتلك المساحة الزمنية التي تقع ما بين وقوع الكارثة وإحياء ذكراها الثانية بعد أيام تتجلى تجارب عميقة سطرها اليابانيون، وأضافوا من خلالها لرصيدهم الإنساني الثري الذي يأبى أن تفلت منه مآثر الشخصية اليابانية، التي لطالما قدمت أمثلة إنسانية حملت في مضمونها التضحية ونكران الذات.
ففي المناطق المنكوبة التي تلقت الصدمة الأولى وضربات البداية الموجعة من تلك الكارثة وقع آلاف القتلى وفُقد الآلاف من المواطنين، فمن خرج مسرعاً للنجاة خشية انهيار وتصدع المباني والعمارات السكنية وجد نفسه وجهاً لوجه أمام موجات التسونامي العالية والقوية التي كانت تجرف كل ما يقف بطريقها من مباني وسيارات وأيضاً الطائرات، والتي لم تسلم من قوة المياه واندفاعها فجرفتها تلك الأمواج العاتية وأدخلتها في أماكن لم تكن لتتواجد فيها لو لم تقع تلك الكارثة.
ولعل الكثيرين حول العالم شاهدوا السفن والقوارب التي جاءت ممتطية أمواج التسونامي العاتية القوية لتكون ضمن الأشياء التي حملتها وجرفتها المياه داخل اليابسة في مشاهد فزع لها العالم ووقف مشدوهاً أمام غضب الطبيعة القوي في ذلك اليوم.
وبعيداً عن المشاهد الأولى للكارثة.. حاول اليابانيون قدر المستطاع مواجهة هذه الكارثة بثبات وجلد بعد أوقات عصيبة شعورا فيها باليأس التام.. وما كان منهم إلا أنهم استحضروا روح الشخصية اليابانية القوية الصامدة واستلهموا منها الشجاعة والإقدام.
وهناك وعلى مقربة من خط المواجهة بين موجات التسونامي واليابسة كانت اللُحمة وكانت المساندة، فمن غلبه اليأس في العثور على ذويه وأقاربه بين الأنقاض وتحت الأوحال تغلب على مصيبته ودموعه وسارع بتقديم نفسه للمساعدة في أعمال الإنقاذ والبحث، وهنا ظهرت تجارب مؤثرة تكشف عن العمق الإنساني لدى الشخصية اليابانية، فهي وكما لم تستسلم للأوجاع وللآلام والركام والحطام إبان القصف الذري "لهيروشيما وناجازاكي" قبل سبعة وستين عاماً، فإنها أيضاً انتفضت وأزاحت عنها الغبار والركام واليأس، وبدأت بالتكاتف والمساندة والدعم فيما بينها لتبدأ عقب وقوع الكارثة وقبل أن يفيق العالم من هول وحجم الكارثة في البناء وإعادة الأعمار.
حتى الأماكن التي تحتوي على منشآت نووية كفوكوشيما، والتي تضررت بفعل الكارثة ظهر فيها الكثير من التجارب التي تُظهر شجاعة وإقدام اليابانيين ووقوفهم على قلب واحد أثناء هذه المحنة، ولعل الاستبسال والصمود الذي أظهره القائمين على إدارة تلك المنشآت والذين آبوا ألا يتركوها خوفاً من حدوث كارثة محققة يؤكد أن الشخصية اليابانية ما بين الماضي والحاضر مازالت متمسكة بالكثير من سماتها وخصائصها.
ورغم الكوارث الطبيعية التي تزور اليابان بين الحين والأخر، والتي تذهب مخلفة ورائها الخراب والدمار، إلا أن الحياة تسير وتستمر بفضل تلك الأشياء المتأصلة داخل الإنسان الياباني، تلك الأشياء التي لم تُمس ولم تختل أو تتغير بمتغيرات الواقع الذي عاشته وتعيشه الأمة اليابانية.
واليوم يستعد أبناء اليابان لاستحضار الذكرى الثانية وهم يذرفون القليل من الدموع ويتوجعون بأنات خافتة على ضحاياهم وذويهم، وفي نفس الوقت يقدمون مساعيهم وتكاتفهم ومساندتهم لبعضهم البعض ولأرواح هؤلاء الضحايا، عاقدين العزم على مواصلة المسيرة واستكمال المشوار حتى يتحقق حلم الغد الذي خرج من رحم كارثة الحادي عشر من مارس.. حلم البناء وإعادة الأعمار وعودة الابتسامة على الوجوه مرة أخرى.