هل أنت محبط .. حزين .. مكتئب .. ؟؟؟
أساتذتي الأفاضل .. تعيش مصرنا الحبيبة منذ بداية الثورة وحتى يومنا هذا حالة من الإنفلات الأخلاقي والأمني .. وهذا كان له بالغ الأثر على الشعب المصري .. فقد حزن الكثيرون .. وأحبط الكثيرون .. بل ولقد وصل الحال بالبعض إلى إصابتهم بحالات من الإكتئاب ..
فالشعور بالحزن امر طبيعي بين الحين والاخر، لكن إن اصبح شعورآ مستمرآ يصبح اكتئابآ .
وهنا كان من واجبي وواجب كل إنسان عاقل أن يذكر أخوانه وأخواته بما سوف أتناوله في هذا الموضوع والذي جمعته لكم حتى نستفيد منه جميعا ..
يعلم معظمنا أن الإسلام لم يترك الانسان عرضة للامراض من اكتئاب وغيرها بل وضع بين يديه حلولا لذلك حرصا منه على بعث السرور في قلبه .
إن الذي يتأمل تعاليم القرآن وما جاء في أحاديث النبي الكريم ويدرس شخصية هذا النبي عليه الصلاة والسلام، يرى بأنه لا مكان للاكتئاب في حياة خير البشر. فوقته كله مليء بالطاعة والذكر والأمل برحمة الله تعالى ولقائه.
لذلك ليس هناك فراغ أو ضغوط عمل أو حزن أو خوف... بل الحياة مليئة بالسعادة والعمل الإيجابي والعبادة، ولذلك فإن مسببات الاكتئاب قد عالجها الإسلام في تعاليمه الرائعة. فالعلماء يؤكدون أن أهم أسباب الاكتئاب هو اليأس وعدم إيجاد حلول لمشاكل يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية.
وعندما تتراكم هذه الهموم وتزدحم المشاكل ولا يجد لها حلاً فإنها تسبب ضغوطاً نفسية تزداد يوماً بعد يوم حتى تؤدي إلى مرض مزمن هو الاكتئاب. ولكن المؤمن لديه لكل مشكلة حل، من خلال التوكل على الله تعالى، لأنه دائم الاطمئنان بذكر الله ورحمته.
كل حال المؤمن خير، إذا أصابه خير شكر الله تعالى فكان خيراً له، وإذا أصابه ضرّ صبر فكان خيراً له. وهذه القاعدة النبوية مهمة جداً في علاج الاكتئاب حيث نجد المؤمن لا يعاني من ضغوط نفسية لأن لديه سلاحين: الصبر والشكر.
لقد أوصى القرآن بعدم الحزن في مواضع متعددة من سوره، فالله تعالى يخاطب المؤمنين بقوله: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139]. فهذه الآية تأمر المؤمنين بألا يحزنوا أو يضعفوا أمام الضغوط التي يتعرضون لها من أعدائهم، ويؤكد الله لهم أنهم هم الأعلون، ولكن بشرط أن يكونوا مؤمنين.
إن إحساس المؤمن بالقرب من الله تعالى هو أقوى سلاح في مقاومة الاكتئاب، وهذه هي سيدتنا مريم أثناء حملها يناديها الله تعالى ويأمرها بأن تقر عينها ولا تحزن: (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) [مريم: 24]. فهذه الآية تحوي إشارة إعجازية مهمة.
فالخالق عز وجل حذر من خلال الآية السابقة من خطورة الحزن أثناء الحمل، وأمر مريم عليها السلام بألا تحزن ثم قال لها: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا) [مريم: 26]. وهذا الأمر الإلهي ينبغي على كل أم حامل أن تلتزم به فلا تحزن ولا تحاول أن تشعر بالقرب من الله تعالى، وأنها ستكون أمّاً لهذا المولود وأن النبي أوصى بالأمهات في أكثر من حديث...
في موقف من مواقف النبي الكريم عندما كان أحد الصحابة الكرام جالساً في مسجد في غير وقت الصلاة فسأله النبي عن سبب ذلك فأخبره بأنه يعاني من الهم والدين... طبعاً النبي لم يترك أصحابه هكذا دون إرشاد أو علاج، فعلمه دعاء عظيماً فقال: "اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحَزَن، ومن العجز والكسل ومن الجُبن والبُخل، ومن غَلَبة الدَّين وقهر الرجال" يقول الصحابي: لم تمض إلا بضعة أيام حتى أذهب الله عني همّي وقضى عني دَيني... سبحان الله!
يؤكد العلماء أهمية السعادة والسرور بالنسبة للأم الحامل قبل وبعد فترة الحمل، ويقولون إن الاكتئاب يؤذي الجنين ويؤثر على سلوكه في المستقبل. والقرآن لم يغفل عن هاتين الفترتين. فقد أمر سيدتنا مريم ألا تحزن أثناء حملها بسيدنا المسيح عليه السلام، وكذلك أمر أم موسى ألا تحزن وذلك بعد ولادة سيدنا موسى عليه السلام، فقال لها: (وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 7]، وهذه معجزة قرآنية تشهد بصدق هذا الكتاب الكريم.
حتى في أشد حالات الضيق والهمّ، فإن الله يأمرنا بعدم الحزن أو الخوف. فهذا هو سيدنا لوط عليه السلام عندما ضاق بقومه ذرعاً أرسل الله له ملائكة، يقول تعالى: (وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) [العنكبوت: 33].
وتأملوا معي هذا الأمر الإلهي: (لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ)، وكيف بشر الله نبيّه بالنجاة وأمره بألا يخاف أو يحزن وبالتالي هذا أمر لنا لكي لا نخاف ولا نحزن وبخاصة أثناء المواقف الصعبة لأن الله سوف ينجينا كما أنجى هؤلاء الأنبياء الكرام.
حتى لحظة الموت لم يتركنا الله تعالى لنواجه هذه اللحظة الحاسمة منفردين أو نواجه المجهول، بل أخبرنا بأن الملائكة سوف تتنزل على المؤمن وتأمره بعدم الخوف أو الحزن، يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت: 30].
وعقيدتنا نحن المسلمين في القضاء والقدر تمنعنا من الحزن الشديد ؛ ففي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن ابن عباس – ما – جاء فيه قول النبي :
( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ).
فعندما يعلم الإنسان أن الأمور مفروغ منها ومكتوبة ، فإنه لا يحزن ، وكيف يحزن وهو يعلم بأن هؤلاء البشر الذين حوله لا يستطيعون أن يضروه ولا أن ينفعوه إلا بقدر الله ؟ فلم القلق إذن ، ولم الحزن الشديد .
وما من شك أن تقوى الله – عز وجل – والعمل الصالح هما بذاتهما يشكلان وقاية للإنسان من الحزن والاكتئاب والضيق . يقول الله عز وجل :
( من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) .
[ سورة النحل : 97 ]
إذن ما هي الحياة الطيبة ؟
أو ليست هي السعادة والطمأنينة .... ؟
فكل الباحثين عن السعادة ، وكل من تكلم عن الحياة الطيبة ، لن يصلوا إليها إلا بالعمل الصالح ، يقول إبراهيم بن ادهم – رحمه الله : ( والله إننا لفي نعمة لو يعلم بها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف ).
إذن : هي نعمة الإيمان والطمأنينة ، إنها السعادة الحقيقة التي لم يجدها الكثيرون من الناس.
وأخيرا وليس آخرا فإن باب الأمل مفتوح وهذا يبعد الضيق والحزن عن الإنسان ؛ وليتذكر الإنسان قوله سبحانه وتعالى :
( فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا ) . [ الشرح : 5،6 ]
وهذا يعني أنه ما من عسر يأتي إلا ويأتي بعده اليسر .. ويقول سبحانه : ( سيجعل الله بعد عسرٍ يسرا ). [ الطلاق : 7 ]
فكلما اشتدت عليك الأمور فاعلم أن الفرج قد اقترب ..
اللهم إنفعنا بما علمتنا , وعلمنا ماينفعنا ياعليم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وجزاكم الله خيرا