مصر: دعاوى لاسترداد شركات عامة من القطاع الخاصمحاولات لعكس اتجاه قطار الخصخصةتنظر المحاكم المصرية حاليا في دعاوى قضائية لاسترداد شركات كانت مملوكة للدولة تم بيعها أثناء برنامج خصخصة القطاع العام أيام النظام السابق.
ويقول مسؤولون في الحكومة المصرية الحالية إن هذه الشركات التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، قد بيعت مقابل جزء ضئيل من قيمتها الحقيقية، مما نتج عنه خروج ما يقدر بحوالي نصف مليون عامل للمعاش المبكر. برنامج ببيع الشركات المملوكة للحكومة - كليا أوجزئيا - كان يشمل قرابة 400 شركة قدرت قيمتها في مطلع التسعينيات بخمسمئة مليار جنيه مصري، أي ما يعادل تسعين مليار دولار امريكي تقريبا.
وتم بيع حوالي نصفها بمبلغ خمسين مليار دولار فقط، في صفقات خاسرة تحيط بها الكثير من الشبهات.
هذا ما يؤكده الدكتور عبد الخالق فاروق الخبير الاقتصادي استنادا على عدة دراسات حول برنامج الخصخصة المصري. وهو يقدر أن صفقات البيع تسببت في إهدار ما بين 150 و 200 مليار جنيه مصري من القيمة الأولية لهذه الشركات، مؤكدا أنها كانت الشركات الأكثر ربحية.
ويعزو ذلك إلى هو وجود جماعات مصالح كانت تقود الدولة في العهد السابق وارتبطت ببعض المستثمرين العرب والأجانب وقامت بينهم علاقات شراكة "غير مشروعة" أدت إلى "التخلي عن جزء من قيمة هذه الأصول مقابل الحصول على عمولات".
لكن هذه الاتهامات التي كانت ترفضها الحكومات المتعاقبة في ظل الرئيس السابق حسني مبارك أصبحت اليوم في حكم الواقع الذي لا يقبل المناقشة بعد أن أقرتها الحكومة الجديدة وبدأت التحقيق فيها.
صفقات أخرى
وتتضمن الدعاوى صفقات أخرى يتم مراجعتها حاليا مثل صفقة إمداد إسرائيل بالغاز الطبيعي وتخصيص مساحات شاسعة من الأراضي لمستثمرين أجانب. ولكن تظل قضايا المصانع هي الأكثر إلحاحا بالنسبة لنحو نصف مليون عامل خرجوا إلى التقاعد المبكر بعد بيع المؤسسات التي كانوا يعملون فيها.
ويقول كمال عباس، رئيس الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، إن إجراءات الخصخصة اقترنت دوما بتقليص العمالة من منطلق أن ذلك يسهل بيعها.
ويضيف: "لقد تم تحفيز العمال على الاستقالة من خلال مكافئات التقاعد المبكر. ولكن في نفس الوقت كان يتم الضغط على العمال لإجبارهم على المغادرة عن طريق فرض الجزاءات ومن خلال حملات التخويف التي تفيد أن من لن يخرج اليوم بمقابل سوف يغادر بعد ذلك بدون مقابل".
ويشير إلى أن ذلك تسبب في مآس كثيرة بين أوساط العمال حيث أصيب كثيرون بحالات من الاكتئاب، ومنهم أقدم على الانتحار.
عدد من هؤلاء العمال يطالب اليوم بالعودة إلى وظائفهم من جديد ورد التعويضات التي حصلوا عليها. وكثير منهم لجأوا إلى ناشطين حقوقيين لمساعدتهم على رفع دعاوى قضائية بتلك المطالب.
ويقول خالد علي مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في القاهرة إنه يتلقى طلبات من عمال من كل أرجاء البلاد باستعادة المؤسسات التي تم بيعها، وهو يعكف على دراسة كل ملف على حدى للنظر في إمكانية رفع دعاوى قضائية عندما يتضح له أن عمليات البيع "تمت دون شفافية ودون اتباع قواعد المزايدة والمناقصة في إجحاف واضح لأصحاب المال العام."
عند انطلاق هذه الإجراءات ثارت تساؤلات عما إذا كانت ستؤدي إلى تدخل متزايد للدولة والابتعاد عن سياسات الاقتصاد الحر التي انتهجتها في السابق، مما يعيد التذكير بـ "الإجراءات الاشتراكية" التي عرفتها مصر في أواسط القرن الماضي.
لكن الدكتور عبد الخالق فاروق يستبعد توجهات من هذا النوع، مؤكدا أن إجراء "استرداد الشركات" هو في يد القضاء وحده "وفقا للشروط المتعاقد عليها بين الاطراف المعنية."
وهذا هو نفس رأي خالد علي مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يرى ان هيئة القضاء لم تتأثر بالتوجهات السياسية السائدة في البلاد، بدليل أنها أصدرت من قبل أحكاما لا تتفق معها.