لم اشهد في حياتي التي أوشكت تجاوز الثمانية عقود في العالم العربي ثورة جبارة كثورة شباب مصر الشقيقة الشجعان الذين ضربوا مثالا في العزم والتصميم، والتنظيم والدخول في معركة حاسمة مع نظام فاسد تزاوج فيه أصحاب رؤوس الأموال مع السلطة القمعية، هذه الزمرة التي أوصلت شعب مصر العظيم إلى ما تحت حافة الفقر والجوع، والعيش بين المقابر، والبطالة، في حين تستمر تلك الزمرة الجشعة التي لا تشبع بطونها من تكديس الثروة، تستمر في الوقت نفسه في قمع الشعب المصري بكل الوسائل والسبل.
لن أبخس أبداً ثورة الشعب التونسي الشقيق التي كانت فاتحة الأبواب على مصرعيها أمام شعوب العالم العربي للنهوض والانتفاض على مستعبديهم ومستغليهم، بل أقدسها وأقدس إبطالها كل التقديس، فقد كان لهذه الثورة شرف السبق في مقارعة الطاغية بن علي ، وحفزت شباب الشعب المصري الشجعان على السير بهذا الطريق والأخذ بيد الشعب المصري نحو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ولا شك انها ستحفز، وقد حركت بالفعل الشعوب العربية على مقارعة الطغاة.
لكن ثورة الشباب المصري قد زلزلت الأرض تحت عروش الطغاة ليس في مصر فحسب بل في العالم العربي كله.
إن مصر ذات وزن كبير جداً، وتأثير حاسم على مجمل الأوضاع في العالم العربي. إنها بلد الخمسة والثمانون مليوناً، وبما يمتلكه من إمكانيات مادية وبشرية، وموقع جغرافي أهلته لمركز القيادة في هذا الجزء الهام من العالم الغني بثرواته، وعلى وجه الخصوص النفط والغاز، عصب الحياة لتسيير العجلة الاقتصادية في العالم.
لقد تمثلت هذه الشجاعة النادرة لشباب مصر الأبطال في تصميمهم على دخول ساحة الصراع [ساحة الحرية] والاعتصام بها من أجل إسقاط هذا النظام الجائر، وهم لا يحملون سلاحاً بأياديهم، بل يحملون الإرادة والصمود، وسلاحهم الوحيد هو صرختهم الشجاعة التي يوجهونها لزمرة النظام بأن الشعب لم يعد يخاف سطوتكم، ولا يخاف أجهزتكم القمعية وأسلحتها، ولم يعد يصبر على الجوع والفقر والبطالة، ولسان حالهم يقول ليس لدينا ما نخسره سوى قيودنا .
إنها ثورة حضارية بكل معنى الكلمة شهد على عظمتها كل مراسلي القنوات الفضائية العربية والأجنبية، وكل وسائل الصحافة والإعلام والإذاعة والتلفزيون في العالم أجمع.
لقد حاول النظام المصري قمع ثورة الشباب بالحديد والنار، فوجه أجهزته القمعية المدججة بالأسلحة وقنابل الغاز المسيل للدموع، حيث تصدى لها جماهير الثوار الشباب العزل من أي سلاح سوى سواعدها القوية، وعزمها الذي لا يلين.
وحاول النظام أن يشوه عظمة هذه الثورة فأرسل بأزلامه من عناصر الأمن السياسي، وبلطجية الحزب الوطني، لتشعل النار في العديد من المؤسسات والمحلات التجارية، والمصارف، وكان رد الثوار تشكيل أحزمة بشرية لحماية المؤسسات الحكومية والأهلية من عبث المجرمين.
وحاول النظام زج الجيش في الصراع ضد الثوار، لكن الجيش وقف موقفاً مشرفاً وأعلن أن مطالب الثوار مشروعة، وانه لن يقف بوجه الثوار.
وعندما لم تُجِدِ كل تلك الأفعال التي قامت بها الحكومة لقهر الثورة، بدأت بتسخير شرطتها السرية، وبلطجية الحزب الحاكم الذين استخدموا الجمال والخيول حاملين الأسلحة النارية، والعيدان، والأسلحة البيضاء، وكميات كبيرة من الحجارة، والقنابل الحارقة وحامض الكبريتيك، وأسلحة الليزر.
وحاولت هذه الزمر الجبانة دخول ساحة التحرير لإخراج الثوار الشباب، حيث دارت معارك قاسية لم اشهد لها مثيلاً من قبل، وكان الثوار يتلقون الحجارة، ويردون بها على تلك العصابات المجرمة.
لقد كانت معركة قاسية بكل معنى الكلمة صمد فيها الثوار دون أن يمتلكوا أي سلاح سوى العزيمة والشجاعة، واندحرت قوى الشر، وبات الشعب سيد الساحة، وكانت حصيلة المعركة غير المتكافئة أكثر من 2000 جريح و15 شهيداً.
أدرك النظام المصري أنه غير قادر على إجهاض الثورة، فبدأ بتقديم التنازلات، في محاولة للإبقاء على ما يمكن إبقاؤه، فقد تم إقالة الوزارة، وتشكيل وزارة جديدة ، وجرى تعيين عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العسكرية نائباً لرئيس الجمهورية، لأول مرة منذ 30 عاماً، واعلن رئيس الجمهورية مبار ك أنه لن يرشح من جديد للرئاسة ولا ابنه جمال، وانه على استعداد لتسليم السلطة في سبتمبر/ أيلول القادم،حيث تنتهي مدته الرئاسية.
لكن الثوار الشباب رفضوا وما يزالون يرفضون هذه التنازلات مطالبين باستقالة مبارك ورحيل النظام، وأنهم لا يمكن أن تخدعهم الوعود!
وفي يوم الجمعة 4/2/2011 أعلن الثوار أن هذه الجمعة ستكون جمعة الرحيل، وأنهم لن يوقفوا انتفاضتهم حتى النصر، وما زالت التجمعات تتسع وتتوسع لتظم أكثر من مليون من الشباب في ساحة الحرية، وأكثر من مليون في الإسكندرية، ومئات الألوف في سائر المدن المصرية، وكل الحناجر تهتف بأعلى صوت برحيل النظام ورأسه، والانتقال السلمي للسلطة، وتشكيل حكومة تنكوقراط تحل البرلمان، ومجلس الشورى، وانتخاب مجلس تأسيسي، وسن دستور ديمقراطي جديد للبلاد.
لقد زعزعت ثورة الشباب المصري وقبله الشباب التونسي، عروش الطغاة في العالم العربي، وهي سائرة لا محالة للسقوط ، فقد وعت الشعوب العربية، وبدأت نهوضها من جديد لتكنس سائر الأنظمة الدكتاتورية والأوليكارية المتخلفة، وتشيد أنظمة ديمقراطية جديدة تحترم الحرية وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والاستقلال والسيادة الحقيقية بعيداً عن هيمنة الإمبرياليين.
لقد نالت ثورة الشباب المصري إعجاب العالم اجمع بتنظيمها وسلميتها، وشجاعة أبنائها، وتصميمهم الذي لا رجعة فيه لتحقيق ما يصبوا إليه الشعب المصري في الحرية والعيش الكريم، وفي الوقت نفسه استنكر العالم لجوء النظام لقمعها بالقوة الغاشمة، واستخدام البلطجية والمجرمين الذين أخرجوهم من السجون في محاولة لإجهاض الثورة.
النصر والظفر لشعب مصر وطليعته المناضلة من الشباب،
والنهاية الأكيدة لكل أنظمة الطغاة.
المجد والخلود لشهداء الثورة الذين سطروا بدمائهم أناشيد الحرية، والشفاء العاجل للجرحى الشجعان.
والخزي والعار لبلطجية النظام ومن دفعهم، ودفع لهم النقود