لا تتنفّس .. أنت سوري
لا تتنفّس .. أنت سوري
من لا يشهد أن لا إله إلا الله فهو كافر ، كذلك من يحيد عن مسار حزب البعث فهو خائن ، بهذا المنطق يحكم حزب البعث - الممثل بحافظ وبشار من بعده - سوريا . خطوطٌ حمراء
رسمها الأب القائد للشعب وأعاد دهنها بطريقة حضارية ابنه القائد بشار ، شعارات لخدمة النظام وأتباعه ، فنحن في سوريا ندعم المقاومة ضد المحتل أينما كان ولا نحرّك ساكناً لتحرير
أرضنا ، نحن قلعة الصمود بوجه الإمبريالية والرأسمالية والدكتاتورية خارج الوطن وتمارسها حكومتنا الرشيدة كل يوم على المواطن على أرض الوطن ، نظام يريد الإصلاح السياسي
لكن لا مانع إنساني لديه من زج آلاف المواطنين بالسجون بأحكام خرافية تصل مددها لسبع سنوات بتهمة إضعاف الشعور الوطني والقومي ، الشعار الثلاثي الذي تربينا عليه وحدة حرية
اشتراكية ، ونحن نمارس الوحدة حول الرئيس فقط ، ونمارس الحرية داخل غرف نومنا فقط ، ونمارس حرية الرأي أمام الملأ ضد أي رئيس وحكومة إلا رئيسنا وحكومتنا ، ونحن
اشتراكيين فعلاً باشتراكنا جميعاً بتكوين ثروات لآل الأسد وأقربائهم وأصدقائهم ، والحفاظ عليها من الإيمان بقدرات ابن الإله . النظام يريد الديمقراطية وينادي بها كل يوم لكل الشعوب إلا
لشعبه ؛ لأنه غير مؤهل للتعامل مع هذه الآلة المعقدة !
عشرون مليون إنسان أيدوا تنصيب بشار بعد أبيه وهو بعمر الخامسة والثلاثين سنة ، هكذا قرر مجلس الشعب بالإجماع إلا واحد عبّرعن رأيه بكل وضوح فغاب عن الوجود ، هذا المجلس
الذي انتخبناه بملء إرادتنا عندما أصدر حزب البعث لائحة مرشحين الجبهة الديمقراطية التي تضم عدة أحزاب صورية موالية للرئيس شكلاً ومضموناً وقال لنا انتخبوها ، وقد عدنا الكرّة
مرة أخرى عندما جددنا البيعة له بالاستفتاء النزيه الذي أتاح لنا و بكل حرية وضع إشارة نعم ونحن محاطين بعشرات العيون التي تبحلق بقلمنا ثم تبتسم لنا عندما تتأكد أننا وضعنا الإشارة
بالمكان المناسب ، مع أن ستارة بزاوية الغرفة قد تحمينا من عيونهم إن أردنا أن نضع إشارة عند الخيار الذي يودي بنا إلى جهنم الدنيا ، هكذا نحن : شعب يكاد يعبد رئيسه لأن مثقفين الوطن قالوا
عشرة آلاف مرة بأنه أهلاً لذلك ولا يوجد في الوطن من يمتلك كفاءاته ، ولأننا شعب يؤمن بالقضايا العربية والدولية العادلة ، نلتف حول رئيسنا المناضل الذي عودنا دائماً وأبداً على اتخاذ مواقف
خارجية مشرّفة نرفع بها رؤوسنا عالياً حتى لا نكاد نرى شيئاً على أرض الواقع .
نحن شعب قُدّر له أن يُهجّر شبابه للعيش بكرامة ، لأن الكرامة في الوطن لا تكون إلا تحت مظلة الشعور الوطني والقومي العالي الذي يحدد مستوى علّوه رؤساء فروع المخابرات وأمناء فروع
حزب البعث ، قُدّر لهذا الشعب منذ أربعين عاماً أن يقف شبابه على أبواب السفارات الأجنبية لتسوّل تأشيرة هروب من الذل والظلم والفقر ، قُدّر لهذا الشعب أن يبيع أرضه ليدفع ثمن تأشيرة
هروب إلى دولة خليجية ، قُدّر لهذا الشعب أن تحكمه أقلّية لا تعرف الله إلا بالمناسبات الدينية ولا تؤمن بمحمد إلا بالمؤتمرات الإسلامية ، قُدّر لأربعة أجيال من هذا الشعب الأبي أن تُغسل عقولهم
بكذبة التلاحم الوطني لصد الصهيونية العالمية ، وزُرعت بقلوبهم أناشيد الشبيبة والطلائع وحماة الديار ، هؤلاء الحماة الذين ارتكبوا مجزرة حماة التي وقف العالم صامتاً حيالها ، هؤلاء
الحماة الذين ارتكبوا مجزرة سجن تدمر ويتّموا الأطفال ورمّلوا النساء وثكلوا الأمهات بفلذات أكبادهم ، هؤلاء من زج بالبطلة طل الملوحي ذات العشرين ربيعاً لأنها عبّرت عن رأيها ودوّنت
ما في قلبها على صفحات النت ، هؤلاء حماة النظام الذي يريد الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد لكن المعوقات أكثر من أن يتم خلال أربعين عاماً ، هؤلاء أبطالاً بواسل بوجه أعداء
الوطن الداخليين الذين يطلبون حرية الرأي والعدل والمساواة ورفع الظلم وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين و أرانب تجتر الرز والبرغل في الثكنات عندما قصفت طائرات العدو الإسرائيلي
مصنعاً لحليب الأطفال أو مفاعل نووي على أراضينا ، هؤلاء أنفسهم الذين شاهدوا الصهاينة وهم يقتلون آلاف الأبرياء في غزة ولبنان على شاشات المحطات الفضائية فغلت الدماء في عروقهم
فبرّدها القائد الهمام بخطاب تاريخي قال فيه بأنه سيردّ على الأعداء بالمكان والزمان المناسبين ، أما المواطن الذي عبّر عن رأيه وطالب بحقوقه فالرد عليه يكون بذات اللحظة وبأشد وأبشع الأساليب .
إني وطني ، ولا يستطيع أحد اتهامي بالعمالة والعمل وفق أجندات أجنبية تريد إضعاف الوطن والنيل من تلاحم شعبه والسيطرة على مقدراته ،هذه التهمة المعلّبة التي يطلقونها على
كل من قال كلمة حق في وجه سلطانه الجائر ، إنهم يستخفّون بعقول البشر في الداخل والخارج ، وما زالوا يتبنون اعتقاد النعامة التي تدفن رأسها في التراب ، فأخبار العالم أصبحت بمتناول الجميع
بدقائق معدودة ، وفضائح بعض الأنظمة العربية تنشرها المحطات الفضائية والصحف العالمية وبعض الصحف العربية (التي تنفذ أجندات خارجية ) عندما لا تتفق وأهواء هذه
الأنظمة الفاسدة من أساسها لرأسها ، والآن أريد أن أسأل الذين يدافعون وينافحون عن النظام : ماهي انجازات هذا النظام خلال واحد وأربعين عاماً ؟
مواطن سوري يتنفس بصعوبة .
ليس بقلمي ولكنه منقول