سياسات تهويد القدس الشريف.. إرهاب دولة منظم
22 - 09 - 2010
أوس داوود يعقوب
مخططات صهيونية لتغيير ملامح المدينة الديمغرافية والطبوغرافية وتزييف التاريخ لخلق واقع فكري وتراثي يهودي!
(ليست القدس مدينة في وطن هو فلسطين، ولكن فلسطين وطن في مدينة هي القدس.. القدس لا يمكن أن تستحيل إلى أنها محض موقعٍ وعاصمة، فهي ليست برلين يمكن أن تحلّ محلها بون في الضمير الألماني، وهي ليست إستانبول يمكن أن تحلّ محلها أنقرة في الضمير التركي، ولكنها القدس بغير بديل) "المفكر الإسلامي المستشار طارق البشري".
يؤكد المؤرّخون العرب والغربيون أنّ تحديد زمن بناء مدينة القدس غير معروف ولا يستطيع مؤرّخ تحديده، فالمدينة قديمة قدم التاريخ... وتذكر المصادر التاريخية أنَّ القدس كانت منذ نشأتها صحراء خالية من أودية وجبال، وقد كانت أولى الهجرات العربية الكنعانية إلى شمال شبه الجزيرة العربية قبل الميلاد بنحو أكثر من ثلاثة آلاف عام، وقد استقرّت على الضفة الغربية لنهر الأردن، ووصل امتدادها إلى البحر المتوسط، وسميت الأرض من النهر إلى البحر، بـ (أرض كنعان) ، وقد أنشأ هؤلاء الكنعانيون مدينة (أورسالم) ، واتّخذت القبائل العربيّة الأولى من المدينة مركزاً لهم، " واستوطنوا فيها وارتبطوا بترابها، وهذا ما جعل اسم المدينة (يبوس)، وقد صدّوا عنها غارات الغزاة عنها أزماناً طوالاً.
وتدلل الكشوفات الأثرية والإثنولوجية على أن العنصر الأساس في التركيب الجنسي لفلسطين ، والقدس بالتالي هو العنصر العربي في ظل حركات الهجرات وعمليات التوطن والتوطين العربية التي شهدتها القدس منذ إنشائها على أيدي اليبوسيين العرب نحو سنة 4000 ق.م تقريباً.
ومنذ عهد اليبوسيين العرب ، شهدت المدينة تطوراً في اسمها منذ أن كان اسمها لدى تأسيسها «يبوس» أو «سالم» وصولاً إلى «القدس» مروراً [ ب] أورسالم أو أورساليم، ثم أورشاليم بعد ذلك.... وطوال عهد هذه المدينة كانت تتمتع بالقدسية سواء لدى المسيحيين أو المسلمين كما قدسها العرب قديماً.
ويمتلك العرب بوجه عام عمقاً تاريخياً ضخماً يمتد إلى ما يزيد على العشرة آلاف عام قبل الميلاد، ومن هؤلاء العرب كان اليبوسيون والكنعانيون الذين توطنوا في فلسطين وأنشأوا مدينة القدس في موجات متعاقبة من الهجرات.
وتمتلك المدينة المقدسة مجموعة متعددة ومتنوعة من الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية، ويأتي المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وحائط البراق، إضافة إلى كنيسة القيامة على رأس قائمة المعالم ، ولا يملك اليهود في المدينة أية آثار أو أماكن دينية.
وفي مقالنا هذا نسعى الى رصد وتسجيل مجمل التحولات التي طرأت على مدينة القدس الشريف منذ احتلالها وإلى يومنا هذا ، وذلك بكافة جوانبها التاريخية والجغرافية والسياسية .
وسنحاول كذلك رصد مدى تأثير مخططات التهويد والمشاريع "الاستيطانية" الصهيونية على مدينة القدس وعلى السكان الفلسطينيين في حياتهم وشوؤنهم الاجتماعية و الثقافية والفكرية والدراسية من خلال التدخل في كافة هذه النواحي، فضلاً عن سعي سلطات الاحتلال لطمس مجموعة من المعالم والرموز التاريخية في المدينة وتغيير اسماء الطرق بهدف خلق واقع فكري وتراثي جديد هناك .
مخططات معمارية و"استيطانية" حول القدس لتغيير ملامح المدينة العربية:
بداية لا بد من الإشارة إلى أن معظم الكتب والدراسات التي تناولت مسألة القدس تم التركيز فيها على الجانب التاريخي للدفاع عن حق العرب والمسلمين في هذه المدينة المقدسة ، وقد كان ذلك انزلاقاً دون وعي وراء المهاترات التي أوجدتها الحركة الصهيونية عندما جندت بعض المؤرخين من (يهود وغربيين) لتزوير تاريخ القدس فدفعت بذلك العديد من المؤرخين إلى محاولات تفنيد الأكاذيب اليهودية، الصهيونية والغربية متناسين بأن الواقع داخل المدينة كان الدليل الأكبر على أحقية العرب والمسلمين فيها عبر امتداد آلاف السنين.
كما أن معظم هذه الكتب والدراسات التي تناولت الوضع القائم في القدس بعد احتلال القسم الشرقي منها عام 1967م اعتمدت في أرقامها على مصادر صهيونية خاصة منها مكتب الإحصاء الصهيوني ، وهو ما يعني بأن صعوبات جمة تواجه الباحثين ليتسنى لهم تحديد درجة مصداقية هذه الأرقام ومعلومات العدو ، ولعل المشكلة الكبرى في مثل هذا السياق هو خوف الباحث من أن يساهم في عملية التهويد من خلال ترويجه لأرقام ومعطيات مأخوذة من مصادر العدو ، وهنا تأتي أهمية مؤسسة (بيت الشرق) المقدسية وجمعية الدراسات العربية التي كانت تشكل مصدراً هاماً للمعلومات والأرقام الفلسطينية .
وتندرج الاعتداءات الصهيونية المتكررة على مدينة القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك - والتي نحاول رصدها وتسجليها هنا - في سياق إرهاب الدولة المنظم الذي اعتمدته سلطات العدو الصهيوني منهجاً وممارسةً يومية لتحقيق مآربها العدائية.
فمنذ احتلالها لمدينة القدس قامت سلطات الاحتلال الصهيوني بمجموعة من الإجراءات التعسفية السياسية والإدارية والقانونية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية والطبوغرافية أدت إلى فرض واقع جديد على المدينة وذلك بتغيير عدد سكانها وقلب الموازين فيها بشكل تزايد فيه عدد السكان اليهود في القدس الشرقية ليصل إلى 450 ألف يهودي منتصف عام 2000م بعد أن كان عام1967م 5% . في حين أن عدد الفلسطينيين وصل 496 ألفاً، هذا إضافة لتغيير خرائط المدينة بفرض مخططات معمارية و"استيطانية" حول القدس وداخلها إضافة إلى توسيع حدود البلدية لتشمل عديد الضواحي والمدن المجاورة .
وهنا لا بد من توضيح أن مسألة التهويد لا تقوم على التغييرات الديمغرافية والطبوغرافية في خرائط المدينة، بل هي تعتمد أساساً على الاختراق الثقافي والعمل على طمس هوية الآخر واستبدالها بهوية المحتل العامل على فرض واقع آخر للمدنية.
وتزداد يوماً بعد يوم المخططات الصهيونية فيما يختص بمسألة القدس شراسة حيث تجمع كافة الأحزاب الصهيونية على أنها أي "القدس الموحدة" لا بد أن تبقى (عاصمة "إسرائيل" الأبدية) فتم ويتم بناء جدار حولها وحول "المستوطنات" التي تحيط بها .
الحفريات الأثرية الأجنبية شواهد تثبت الحق الفلسطيني:
يبين البحاثة المتخصص في تاريخ القدس، الدكتور عبد القادر نمر محمد ( مدرس تاريخ وحضارات مصر والشرق الأدنى القديم) ، في بحث له بعنوان (مدينة القدس تاريخ وحضارة)، أنه بالرغم من مرور قرن و نصف تقريباً على أعمال الحفائر الأثرية في مدينة القدس، استهدفت العثور على أدلة تؤكد ما ورد في النصوص التوراتية إلا أنهم لم يعثروا على أي دليل أثري يؤيدها. أن عمليات الكشف الأثري جعلت أحداث التاريخ لمدينة القدس معروفة لنا في كل مراحلها.
مضيفاً أن مفكري المنظمات اليهودية السياسية في العصر الحديث، وعلى رأسهم المنظمة الصهيونية من اليهود الأشكناز الذين لا ينتمون سلالياً لـ (بني إسرائيل) هم الذين عملوا على نشر الفكرة القائلة أن (اليهود وبني إسرائيل) هم الشيء نفسه. وأن القدس عاصمة أبدية لـ (إسرائيل)، دون دليل علمي أو أثري يؤيده. رغم أن أعداد غير محدودة من البعثات قامت بالتحقيق في مشاكل الآثار في القدس، و لكن معظم النتائج ليست حاسمة.
وفي هذا السياق يشير الدكتور عبد القادر نمر محمد أن [صندوق استكشاف فلسطين] (Palestine Exploration Fund ) أنشئ عام 1865م. وقد أرسل ضابطين لأجراء المسح الأول و هما الكابتن تشارلز ولسون ((Captain Charles Wilson و الملازم أندرسون (Anderson) و قامت هذه البعثة برسم الخرائط الدقيقة لفلسطين ثم القدس و الخليل. و إجراء مسح رائع – حسب ما ورد في تقرير"التقدم" (The Statement of Progress) في اجتماع الصندوق يوم 23 تموز/يوليو 1866م. واحتلت القدس موقعاً مميزاً للأهداف الموضوعية لأبحاث الصندوق. و يضع المنهج العلمي قائمة أبحاث تبدأ بالحفائر الأثرية، و ستوفر القدس و حدها مجالا كافيا، بحيث يتم تحديد ما هو فوق سطح الأرض بدقة خلال المسح، و عند الانتهاء منه، يتم اكتشاف ما هو تحت السطح.
وفي عام 1867م وصل الملازم وارين للبدء في التنقيب في المدينة، و هو ما وصفه بدقة في نشرته بعنوان "القدس التي تحت الأرض" تضمنت المشاكل التي أنيط بالملازم وارين حلها بحسب "تقرير التقدم" الصادر عن الصندوق البحث في الأقبية التي تحت منطقة الحرم الشريف، و تحديد صفات الحائط الغربي من الحرم الشريف، و التأكد من الملامح الطبيعية للأرض بين قوس "ايكى هومو Ecce Homo " و بوابة القديس ستيفان (الأسباط)، و بين بوابة يافا الخليل و باب السلسلة للحرم الشريف، و في المارستان و مستشفى القديس يوحنا جنوب كنيسة القيامة بحثا عن آثار الحائط الثاني الذي ذكره يوسيفوس. و أمام بوابة دمشق (باب العمود) حيث توجد بوابة قديمة، و أقبية الحرم الشريف والشارع الغربي للبوابة الثلاثية. فقد كانت جميعا داخل نطاق القدس القديمة، حيث تركزت حفائر وارين.