محققو الشاباك فوق القانون..!
دراسه قانونية موجزة 26 - 11 - 2010
نبيل دكور
نفتتح هذه المقالة بمقطع مُقتبس من مقابلة صحفية مع أرييه روتر، المستشار القانوني السابق للشاباك، كانت قد نُشِرت في صحيفة "مكور ريشون" "الأسرائيليه"، في تاريخ 18.2.2002، حول أساليب التحقيق القاسيه التي يستخدمها محققو الشاباك:
"قال لي شبتاي زيف، بعدما عرفت أني تًعّينت خلفا له: هل تذكر الألتماس الذي قُدِم للمحكمه العليا ضد اساليب التحقيق؟ عليك أن تسافر الى القدس لأن المحكمه العليا ستبت في ذلك غدا. لم أكن أعلم ما سوف يحدث في جلسة المحكمه حتى أخر لحظه قبل بدأها، وأذ بالقاضي المسمى ماتسا يقرأ قرار المحكمه. فهمتُ مباشرة أن المحكمه أبطلت كل ما كان قائم حتى ذلك الوقت. كان ذلك صدمه بالنسبه لي. خرجت من قاعة المحكمه واتصلت هاتفيا مع جهاز الامن العام، طلبت منهم جميعا أن يخرجوا من جلساتهم وقلت لهم يا اصحابي هناك قرار يلزمنا أن نتوقف حالا عن ممارسة كل ما قمنا به بمراكز التحقيق. وفعلا أوقفنا ذلك وعَطّل هذا الشيئ نشاطنا في البدايه. لكني أعتقد اليوم أن الامر لم يكن صعبا لأننا أبتكرنا أساليب وطرق أخرى بديله أكثر حنكه".
ليست هذه المقاله سوى محاولة للأجابة على سؤال: هل يمكن، حسب القانون "الأسرائيلي" ملاحقة محققي الشاباك قانونيا وبالتالي محاكمتهم لأستخدامهم التعذيب والتنكيل بحق معتقلين أثناء التحقيق؟؟
في البدايه وقبل الخوض في الرد على على ذلك لا بد من التطرق وبشكل مسبق للتعريف القاوني -الدولي و"الاسرائيلي"- لمصطلح "التعذيب".
في سنة 1991 صادقت (اسرائيل) على "اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة" وتُعرِّف هذه الاتفاقية الدوليه "التعذيب" في الماده رقم (1) كما يلي: "أي عمل يتم بموجبه أيقاع ألم شديد أو معاناه سواء كانت بدنيه أم نفسيه، يلحق عمدا بشخص ما، بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث معلومات أو أعتراف أو معاقبتة على عمل أرتكبه هو او شخص ثالث، او تخويفه أو ارغامه هو أو شخص ثالث". كما وتفرض هذه الاتفاقيه (الماده 2) حظرا تاما على أستخدام التعذيب أو التنكيل (معامله قاسيه و/او مهينه و/او لا انسانيه) ولا تسمح للدول بتجاوز هذا الحظر في أي ظرف كان حتى في ظروف وحالات قاهره وطارئه كالحرب او عدم استقرار سياسي. أن المسئولية في حالة انتهاك الحظر ليست فقط على الدوله بل ايضا على من يرتكب ذلك وهو معرض للمحاكمه في بلده أو خارجها ( الماده 4 و5).
أما على صعيد القانون المحلي، فمن الجدير ذكره أنه ليس هناك ماده قانونية "أسرائيلية" مستقلة تُعَرف "التعذيب" بشكل محدد ومباشر والسبب في ذلك هو أن المشرع "الاسرائيلي" أختار، حتى الان، عدم الألتزام بالأتفاقية الدولية وعدم سن قانون جنائي يحرم التعذيب كجرم محدد ومنفصل مطابق للتعريف الوارد بالاتفاقية أو متماشيا معه على الاقل. وعلى الصعيد القضائي فقد تجنب القضاء العالي "الاسرائيلي" الخوض مباشرة في صلب تعريف مصطلح "التعذيب" كما ورد في اتفاقية الأمم المتحده أعلاه ويظهر ذلك بشكل جليّ ومعمق في حكم هام ومفصلي أصدرته محكمة العدل العليا في أيلول 1999 بكامل هيئتها القضائيه (تسعة قضاه) في التماس قدمته (عام 1994 ) اللجنه العامه لمناهضة التعذيب في (اسرائيل) ضد رئيس حكومة (اسرلئيل) وجهاز الامن العام وفي التماسات اخرى لمنظمات حقوق أنسان وآخرين حيث طولبت المحكمه العليا باصدار أوامر تحظر على محققي الشاباك من إستخدام أساليب ووسائل تعذيب أثناء التحقيق. لكن ما يجدر ذكره هنا انه وِفقاً لهذا الحكم تقرر بالأجماع أن التحقيق الذي يتخلله تعذيب أو تنكيل أو اذلال وتحقير يُعتبر غير معقول وبالتالي فهو محظور وكذلك ايضا التحقيق الذي يتخلله استخدام طرق ووسائل قد تُسبّب ألماَ. هذا هو ذاته قرار المحكمه الذي تطرق أليه المستشار القانوني السابق للشاباك في المقابله الصحفيه كما ورد في الافتتاحية أعلاه.
بعدما وقفنا على المفهوم القانوني لِمصطلح "التعذيب"، يُطْرَح السؤال: هل يقوم فعلاَ محققو الشاباك بتعذيب المعتقلين؟ بكلمات أخرى، هل يقوم محققو الشاباك بأستعمال أساليب تحقيق عنيفه وقاسيه بدنيا ونفسيا ينطبق عليها تعريف "التعذيب" أعلاه؟؟ الجواب هو نعم يقوم جهاز الشاباك بأستخدام التعذيب وبممارسة أساليب تحقيق قاسيه ومؤلمه تمس بسلامة وبكرامة الذين يتم التحقيق معهم من أجل النيل من إرادتهم و أنتزاع أعتراف منهم، ويشهد على ذلك مئأت الشهادات والإفادات الحيه التي أدلى بها معتقلون أمنيون وسياسون في العقد الأخير أمام منظمات حقوق انسان التي قامت بدورها برفع شكاوى لفتح تحقيق جنائي ضد رجال المخابرات فضلا عن نشر تقارير لفضح ممارسات التعذيب في أروقة التحقيق.
( أنظروا تقرير أعدته اللجنه العامه لمناهضة التعذيب في (اسرائيل) وقامت بنشره في شهر ديسمبر 2009 يحمل عنوان "دون المستوى" حيث يبحث التقرير موضوع الحصانه التي يتمتع بها محققو الشاباك ويشير الى تقديم ما يقارب 600 شكوى منذ عام 2001 ولم يفتح بهن أي تحقيق جنائي ضد محققي الشاباك على استخدامهم التعذيب وتقرير آخر صدر سنة 2007 عن المنظمتين "الاسرائيليتين" "هموكيد" و"بتسيلم" واستند الى إفادات أدلى بها 73 معتقلا فلسطينيا سجنوا في الفترة الممتدة بين تموز من عام 2005 الى آذار من عام 2006. واتهم التقرير الجهاز القضائي "الإسرائيلي" بالتغطية على جرائم التعذيب، مشيرا الى أن المعتقلين الفلسطينيين قدموا 500 شكوى منذ عام 2001 ضد محققي جهاز الشاباك، لكن لم يتم فتح تحقيق في أي من هذه الشكاوى).
من حيث نوعية وخصوصية الوسائل والأساليب التي يقوم محققو الشاباك باستخدامها للتعذيب فكما تَبيّن من إفادات وشهادات مئات المعتقلين يمكن فرزها الى صنفين: الاعتياديه والخاصه.
من الأساليب الاعتياديه (الدارجه) التي يتعرض لها غالبية المعتقلين والتي تهدف غالبا تحطيم معنوياتهم وبالذات عندما يتعرض لها المعتقل متراكمه ومندمجه ببعضها، يُذكر:
الأنقطاع عن العالم الخارجي ومنع اللقاء مع محامي; العزل في زنزانة خانقة تفوح منها روائح كريهة; تكبيل الأيدي إلى الخلف من وراء مسند كرسي التحقيق بصوره مؤلمة على مدار كل ساعات النهار; التحقيق مع المعتقل وهو في هذه الوضعيه لمدة أسابيع; السماح للمعتقل أن يخلد للنوم في ساعات متأخره ليلاً لأوقات قصيرة على فرشة رقيقه وقذرة، داخل زنزانة ضيقة مُضاءة ليلا ونهارا بنور باهت مُتعب للنظر; اللّطم، الركل والضرب; البصق والشّتم والتهديد وإستعمال كلمات وألفاظ نابي צ; إعتقال الأقارب كوسيلة ضغط; التنكيل على يد أسرى ومعتقلين متعاونين "العصافير".
بالنسبه لأساليب التعذيب من الصنف الخاص، يُستدل من الإفادات الوارده أمام منظمات حقوق ألانسان التي تعنى بمناهضة التعذيب والتنكيل أن هناك أنماط خاص צ قاسيه يستخدمها المحققون بشكل متكرر، بالاضاف צ للأساليب الأعتيادي צ، وذلك في حالات خاص צ يَدّعي المحققون ضرورة إستخدامها لما يحمل المعتقل من معلومات خطيرة وعاجلة، أهمها:
حرمان المشتبه به من النوم لمده طويلة تزيد عن يوم; أستعمال القيود بصورة مؤلمة وشدها لدرجه تمنع سريان الدم; أسلوب الهز- يقوم المحقق بشد الجسم ألى الامام ثم دفعه الى الوراء مره تلو الاخرى من خلال الامساك بالصدر حيث الأيدي مكبلة بمسند الكرسي الى الخلف; طي الجسم بشكل قوس على مقعد بدون مسند وتسمى هذه الوضعيه "الموزه"; أجبار المعتقل على جلوس القرفصاء على اطراف اصابعه المصحوب بالدفع وتسمى هذه الطريقه "بالضفدع"; التعرض للبرد بشكل متواصل عن طريق عزل المشتبه به مكبل اليدين والرجلين في غرفة صغيرة يعمل فيها مكيف لتبريدها بشكل شديد طوال النهار; شد الذراعين الى الوراء ووضعهم عل طاولة حيث اليدين مكبلات الى الخلف; تسليط ضوء ساطع على العينين; التعرّض للموسيقى الصاخبة بشكل متواصل مما يؤثّر على الحواس.