حاجة في نفس يعقوب جعلته يسترجع بذاكرته أشياء كان يخال نفسه قد نسيها ومحاها طول الأمد من
ذاكرته تتراصص الأن وتطفو الي السطح فلا يقدر بكل ماأوتي من قوة أن يكبحها فيطلق لها العنان
وهو يعلم علم اليقين كم هي جارحة لنفسه وإحساسه فخديعة الحب الأول تكون فاجعة للنفس وكيف لا
وهي إحساس يفاجئ المرء لأول مرة فيضع فيه كل إحساسه وقمة مشاعره خالصة نقية لايشوبها شائبة
يتذكر كيف ألتقاها وهو يزور بيت جده مع أخواته وكيف شدت النفس لها بمعسول كلامها وجميل محياها
وكيف قفز قلبه من محله لها وهي تجلس بين أخواته,لم يكن قد رأي حسنا كما يري الأن أمامه وتتهادي في النفس أمنيات سراعي تحمل طوفان من الوهم بأنها الفتاة التي مافتئ يبحث عنها من دون كَل ولا ملل وتأسره فلا يجد سبيلا بعد رجوعه من بيت جده سوي التفكير فيها ليلا ونهارا وكأن الدنيا لم تخلق غيرها وأن ليس بالكون سواها فعندما تعشق النفس تري المعشوق أمامها في أبهي وأحلي حلة
ولاتشوبه أي شائبة ولا أي نقيصة فتتواري عيوبه خلف قناع الحب الذي قد يخفي الكثير وراءه فيغن قلبه أنا فؤادي متيم من قبل كل الدنيا بها وليس في الوجود غيرها.
كيف سيتمكن من الوصول الي قلبها ومحادثتها صار الشغل الشاغل لحياته وكم من الأوهام تسيطر علي حياتنا فإما أن نصحي منها وإما أن تدمرنافلا تترك لنا خط رجعة وخصوصا لصاحبنا الشاب الذي كان قد بدأ لتوه في دخول الجامعة ودخول معترك حياة جديدة قد تكون قد أوحت له بأنه قد كبر قليلا فصار يبحث عن العشق والحب ومشاركة شخص أخر يريد أن ينتقيه ليشاركه حتي خلاجات أنفاسه
وهو لا يدري بأنه مازال ينعم بثوب الحرية وهو الذي يريد ان ينزعه عن نفسه ويدخلها في متاهات الغيرة
والسهر وكثرة الحيرة والتفكير في وقت هو في أشد الحاجة فيه الي التركيز علي بناء مستقبله والحصول علي شهادته الجامعية ولكن هيهات فما كان يحذر منه قد حصل ولابد للمشوار أن يستمر الي أخرته المكتوبة له.
ولكن ماعساه أن يفعل غر مثله وقد أقحم نفسه في بحر تتلاطمه الأمواج فلا أحسبه إلا ويغرق من أول قطرة ماء تسكب عليه وليته يتراجع ولكن كيف له أن يعرف وقد صار الموضوع في علم الغيب ولن تجدي فيه الا التجربة التي إما أن تنتهي بخير أو أن تنتهي بفاجعة وعلي كل أنسان أن ينهي فروضه في مدرسة الحياة.
يزداد الوهم بصاحبنا وتحسن له الصدف الظن كما يظن العاشق الذي يريد فقط أن يري المعشوقة ولا يفكر بالعواقب
إلا لاحقا متي ماصحا من سباته وكم من هؤلاء العشاق الذين لايفيقون إلا بعد أن تقع الفأس بالراس فيري صاحبتنا
في مناسبات عائلية كثيرة مع أخوته ليخطف منها لحظات يكلمها فيها ويبثها هواه ومدي تعلقه بها ويري أنها بكلامها
تقول له أنها تحمل نفس الشعور له ولكن إحساسه الذي لم يكذب عليه من قبل ينكر عليه ذلك ويحدثه بأن في الأمر شئ
هو لايعلمه وهي تخفيه ولكن ماهو فيهيهات أن يعرف وقد غلفته صاحبتنا بدلالها عليه والذي يذيبه ذوبان السكر في شاي الصباح فتكون رؤيتها وشاي الصباح عملتان بوجه واحد هو سناء حبيبته التي يظن أنها حبيبته .
من كثرة أنشغاله بصاحبتنا يقرر وبشدة مخاطبة والده في الموضوع لكي يتحرك ويخطبها له من اهلها وهو مازال يدرس وفي أول سنوات الدراسة وهو يعرف رد والده الرافض لزواجه وكيف سيقوم بالصرف علي العائلة التي يريد ان ينشئها ولايستطيع الصرف عليها ولكن صاحب الحاجة أرعن .
وأمام إلحاح الولد يوافق الوالد علي مجارات الوضع بعد أن عرف أن لافائدة ترجي من النصح مع ولده وأن العناد سيأتي بأثار عكسية علي ولده فيطمئن ولده بأنه سيخطبها له ولكن علي شرط أن ينتبه الي دراسته ويعود اليهابكل قوة وتركيز,فيلبس الأثنان دبل الخطوبة علي عجلة من الأمر ,وقد ترك الوالد للظروف وطول مدة دراسة ولده أن تحل المشكلة فإما أن يتشبث بها وتقنعه كخطيبة وزوجة وإما أن تكون عاطفة غير أكيدة وسرعان ماتنتهي ويخرج منها الأثنان أكثر نضوجا ومعرفة بالحياة وهو جل مايرجوه.
ينشغل صاحبنا أبراهيم بدراسته بعد أن عاد إليها بسرعة بعد الخطوبة بأيام وقد أحس مدي الزعل الذي أرتسم علي وجه خطيبته سناء عندما أبلغها بذلك بعد الخطوبة وبما أن البعيد عن القلب بعيد عن العين يبقي لعدة أيام من غير أن يتصل بها وعندما يتذكر يهرع الي أقرب تلفون ليتصل بها ويسمع موشحا طويلا من العتاب ويحاول من خلاله أن يفهمها مدي إنشغاله في إعداد جدول دراسته منذ ان وصل ولكن دون جدوي فتنتهي المكالمة علي خصام تجعله يتمني لو أنه لم يجريها ويحس بأنه قد تسرع في خطبة الفتاة ولم يمتحن مشاعره كما كان يعتقد ويترك الأمر عند هذا الحد ويقول لنفسه لاتحكم علي الأشياء وانت متضايق وأتركها لوقتها فالدرب طويل والمشوار بالكاد قد أبتدي.
وتمر الأيام في الدراسة علي صاحبنا أبراهيم ويراجع نفسه مرارا فلايجد فيها ذلك الحماس الذي يكنه لتلك الفتاة وكأنها لم تشغل تفكيره ووجدانه طوال تلك الفترة مع أنه لم يحدث تغيير يذكر في حياته ولم تدخله أمرأة أخري حتي تمسح من أمامه صورة حبيبته سناء,تري مالأمر ومالذي يحدث له ولما أنحني المر به الي هذا المنحني فهو ليس بالفتي اللعوب الذي يغرر ببنات الناس ويطرق أبوابهم حتي إذا مافتحوها له قابل وتكلم وضحك ثم أنسحب من عندهم مخلفا بعده الحزان للفتاة وأسرتها,لعل تعجل ولكن ماذا عليه أن يفعل؟
وتتكرر زيارات أبراهيم للوطن في عطلاته ويزور خطيبته بوجود أهلها فيلقي منهم كل الترحيب ولكنه لايطيل الجلوس
حتي لايثقل عليهم ويحس بأن جلوسه معها كان عاديا خاليا من المشاعر مملوءا بالمجاملات وأن الأمر اصبح بالمثل لديها ,يقولون لها جاء خطيبك ليراك ياسناء فتجلس معه لعدة دقائق ثم تستأذن لأي سبب وتغيب عنه حتي يستاذن من نفسه وكأنه أحس بانها هي الأخري قد راجعت نفسها ووجدت أن مدة الأنتظار لشخص علي أول عتبات الدراسة هي ضرب من الجنون قد أقحمت نفسها فيه وهي غير ملزمة له ,فما يدريها أنه في نهاية المطاف سيثبت علي رايه
ولذلك كلما جلس معها فاتحته بأن الخطبة قد طالت ولابد لهم من أن يعقدوا القران وتظل هي عند اهلها ويسافر هو الي دراسته فلا يوافقها الرأي لأنه أبلغها من البداية بأن الموضوع لن يزيد عن الخطوبة حتي يكمل دراسته وإلا فإن والده لن يوافق علي الحضور لخطبتها.
هي تفكر تفكير الفتيات فالزمن محسوب من عمرها ولكل فتاة سن معين يجعلها مرغوبة للزواج أما هو فلا سن محدد له ويمكنه الأنتظار الي ماشاء الله,تفكير,وهو يعيش غريبا في بلد غريب وقد تؤثر عليه أي فتاة فتمحوها من فكره وتظل الأمور معلقة,تفكير قد يكون فيه ظلم وأنتقاص لعقل المرأة ولكنها تعرف جيدا بأنها أفكار مجتمعها الذي تعيش فيه وربما هذا القلق الذي تعيشه هو مايجعلها لاتحسن أستقبال خطيبها وتحسبه مجهود ضائع ووهم كبير أدخلت هي
وهو نفسيهما فيه علي عجالة من الأمر.
تري كيف السبيل الي توثيق هذا الأرتباط أو فكه هي لاتعرف حلا لتوثيق هذا الأرتباط إلا الزواج الذي يرفضه ابراهيم كلما فاتحته فيه,وتترك الموضوع للوقت فلا طارق جديد علي الباب علي اي حال يجعلها تتحسر علي ضياع فرصة لها,تفكير غريب لاترضي عنه ولكنها تستسلم له.
بعد سنتان من الخطوبة التي مرت بأرتياب شديد بين سناء وابراهيم وعند حضور صاحبنا من الخارج في إجازة عند أهله تطلب خطيبته منه أن يقابلها لأمر هام وتعطي رسالة الي أخته وتطلب منها أن تبلغه بضرورة قرأتها قبل الحضور إليهم,كان صاحبنا قد سبقها في التفكير في حل هذه الخطوبة من لحظة دخوله الطائرة وكان يكثر من الدعاء بأن ينتهي هذا الموضوع بخير فهو متردد جدا في المضي قدما فيه وهذا التردد وهو علي البر يعطيه فرصة للأعتذار ونسيان الموضوع وكأن لم يكن قبل أن تقع الفأس بالرأس ويرتبط بأرتباط الزواج الكبير الذي لاإنفكاك منه ويعتب علي نفسه التي لم تسمع بنصيحة والده ويغبطه علي حكمته في معالجة الأمر باللين وقد كان بمقدوره أن يسافر حرا بدلا من أن يربط نفسه ويربط معه فتاة قد تفوتها فرصا كثيرة للزواج ويكون العائق الوحيد فيها صاحبنا نفسه فيرجع لها بعد ذلك
حاملا لها تردده وصبانيته وإعتذاره,تري ماذاكتبت سناء لصاحبنا في رسالتها التي بعثت بها الي أخته؟
كتبت صاحبتنا سناء لخطيبها أبراهيم في خطابها ماأحست به من صدق مشاعرها وراحت تصف له إحساسها بأن
ماكان بينهم إنما كان أستلطافا كبيرا لم يرقي الي الحب وأن الأستعجال الذي حصل في الموضوع والخطوبة أمر قد جانبه الصواب ولذلك فقد لاحظت برود العاطفة الذي دخل علي علاقتهم وبأنها لم تعد تشعر بالحنين له متي ماسافر ولا بالشوق له متي ماعاد وصار الأمر سيان عندها وتنصحه بأن يقرأ الرسالة بكل تمعن فإن وجد أن الأمر سيان عنده هو الأخر ولم تسبب له أي إزعاج فهي من الأن تحله من إرتباطه معها وتتمني له كل التوفيق في حياته.
لم يعرف أبراهيم لما لم تزعجه تلك الرسالة خصوصا وأنها من أنثي كانت في يوم من الأيام خطيبته ومراده ولم تعز عليه نفسه وقد بدأت هي الخطوة الأولي في المكاشفة بالرغم من أنها هي المرأة وهو الرجل ,وأحس بأنه لم ينضج بما فيه الكفاية حتي يكون مسؤلاً عن أمرأة وعائلة وإنما علي العكس حمل كل الصبيانية والمراهقة وراح يدق بيوت الناس ويطلب أبنتهم وأن الرجولة تلزمه بأن يجعل الموضوع وكأنه هو الذي لايريد الأستمرار فيه ويخبر أخته بأن تبلغ سناء بأنه سوف ينهي الموضوع مع والده بدون أن يتسبب لها بأي حرج وبأنه يدعو لها بأن تحصل علي زوج أفضل منه بكثير.
يفاتح أبراهيم أباه بالموضوع ولايدري لماذا يحس بأن والده كان متوقعا لما يحدث ويخبره بعدها بأنه صاحب القرار
في أخر الأمر وتنتهي الخطوبة عند هذا الحد.
في زاوية البلدة التي يدرس فيها وبعدما أسرع بالعودة الي دراسته وتحت شجرة صنوبر كبيرة يلقي ابراهيم ماتبقي لديه من ذكريات مع سناء في سلة مهملات كبيرة فهو لا يعتقد بأن له الحق في الأحتفاظ بمتعلقات فتاة سوف تصبح من حق رجل مسلم غيره وقد بدا له من بعيد زميله في الدراسة فأسرع بالأبتعاد عن المكان حتي لاتساوره الشكوك.
في اليوم التالي أخذت الدراسة جل وقت أبراهيم وقد بدا وكأنه أحس بأنه ألقي من علي كاهله وزر أنتظار سناء له طول مدة دراسته فأخذ يدفن نفسه فيهاوتسارعت السنين تطوي نفسها كما تفعل دائما ووجد أبراهيم نفسه وقد تخرج
وحصل علي شهادته التي جاء من أجلها وبدأيخطط لنفسه كيف وأين سيبدأ مشواره بعد أن أجتاز وبنجاح كل الضغوط التي مرت عليه ولكنه مازال قلقا من مصيره وماتخبئه له الأيام.
بعد التخرج يجد ابراهيم نفسه في وظيفته فيضع فيها كل طاقته وأهتمامه ويمضي في معترك الحياة الوظيفيية الي ماشاء الله ويحس بأن أهله قلقون عليه من تجربته مع سناء التي قد تجعله يزهد بالزواج فيبدأون بترغيبه بالزواج مرة من والده ومرات عديدة من والدته وبما أنه لايفكر بأي فتاة في الوقت الحاضر فإنه يرضخ لضغوطهم ويقبل أن يتزوج بالطريقة التقليدية وعبر خطوبة الأهل لفتاة يعرفونها من العائلة يمتدحونها دوما أمامه لجمالها وأدبها وحسن خلقها ودينها فيوافق علي شرط أن يزورهم مع أهله ويتعرف عليها في جلسة عائلية وبدون التزام منه حتي يري رأيه في الموضوع ويوافق الجميع ,فقد كان لديهم إقتناع بان الفتاة ستحوز علي قبوله.
في ذاك اللقاء لايرفع صاحبنا أبراهيم عيناه عن الفتاة التي جاء ليراها ويرقب كل شاردة وواردة منها فهو يريد لنفسه تكوين صورة كاملة لها تساعده علي أتخاذ قراره,هي فتاة في العشرين من عمرها بيضاء وعلي قدر كبير من الجمال تتحرك بين الضيوف برشاقة وخفة وتتكلم برقة كبيرة وأدب جم وترتدي ملابس يعلوها الوقار والحشمة ,متحجبة,جمال خلق ودين فيحس بأنها تدخل الي نفسه وتحظي بقبولها ولكنه يرجئ الأمر حتي يمعن التفكير فيه حتي يتجنب الوهم فيه ثانية ,فهو لايريد للوهم أن يسيطر عليه مرة أخري وقد عرف طريق الحقيقة والنور الذي تقوم دعائمه علي البحث والتقصي وإعمال التفكير والتروي في أتخاذ القرارات المهمة.
لايطيل أبراهيم التفكير كثيرا فقد أرتأي أن الفتاة فاطمة هي صاحبة الصون والعفاف زوجة المستقبل ويمضي في الأمر ويتزوجها لتصبح فيما بعد الحبيبة المخلصة أم أولاده وشريكة دربه تاركا خلفه كل الأوهام ليشرب من ينبوع الحياة الصافي العذب ,ينبوع الحقيقة.
النهاية
ابن سينا.