عدد الرسائل : 3955بلد الإقامة : أرض الإسلاماحترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 9809ترشيحات : 102الأوســــــــــمة :
موضوع: ســارة ... ذكريات طفولة 24/3/2010, 17:19
كانت سارة ـ الطفلة ذات الاثنى عشر ربيعا ـ في البداية تظن أن الألم الذي تشعر به مجرد حلم أو كابوس و ستستيقظ منه لكن الألم اشتد إلى درجة لا تحتمل ... فتحت عينيها و أدركت انه ليس حلما بل حقيقة .. كان الألم في كامل بطنها و خاصة أسفل الجانب الأيمن منه ، و الحرارة التي كانت تظن أنها راجعة لكونهم في فصل الصيف و تحديدا في الأسبوع الأخير من شهر يوليو كانت في الواقع .. حمى شديدة ، رغما عنها صدرت منها تأوهات و أنات ... أقبلت والدتها التي سمعت أناتها مسرعة ، تحسست جبينها المحموم و مكان ألمها في بطنها ، كانت سارة ترى القلق في عيني والدتها ، التي لم تكن تدري ماذا ستفعل للتخفيف من ألم طفلتها قبل أن يطلع النهار لتأخذها للمستشفى ، جلبت القليل من الثلج و وضعته على مكان الألم الذي خف قليلا و وضعت القليل منه أيضا في قطن على رأسها للتخفيف من الحمى . في الساعة الثامنة صباحا أخذت الأم سارة للمستشفى حيث أخبرها الطبيب بإصابة ابنتها بالتهاب الزائدة الدودية و انه لا بد من الاستئصال و هذا يعني مكوث طفلتها أياما بالمستشفى . اصطحبت إحدى الممرضات سارة ـ التي كانت في حالة رعب ـ لإجراء بعض الأشعة ، ثم و بكل لطف طمأنتها و طمأنت والدتها أنها ستكون بخير ،و أخذتها إلى الغرفة التي ستمكث بها إلى حين موعد إجراء العملية ... كانت الغرفة تضم ستة أسرة أي ست مريضات غيرها ... هناك في تلك الغرفة ، تلقت سارة أول درس لها من دروس الحياة . ... مرت أربعة أيام منذ دخولها المستشفى ، عمليتها ستتأخر بعض الوقت ، علمت سارة خلال هذه الفترة أن اللطف الذي كان يبدو على الممرضة التي استقبلتها في البداية لم يكن سوى لطفا زائفا ، فقد اختفى منذ اليوم الثاني ، و علمت أن الممرضة كانت تنتظر من والدتها ( الحلاوة أو الرشوة بمعنى أدق ) كي تعتني بابنتها جيدا و لما لم تتلق شيئا زال قناع اللطف ... كانت في البداية تتساءل باستغراب لم أغلب الممرضات و الممرضين تبدو عليهم حالة بدانة ، الآن فقط عرفت الجواب : فبالإضافة إلى أكل المرضى الذي يقدم لهم من المستشفى و الذي لم تتذوقه سارة قط فقد كانت تشعر بالغثيان لمجرد رؤيته ، كانت الممرضات تسرقن تقريبا الأكل الذي يأتي به الأهل لمرضاهم ، و كان المرضى يقومون بتنظيف غرفهم بأنفسهم رغم كونهم مرضى يحتاجون للراحة و إلا تعرضوا لنقمة الممرضين و الممرضات و السب و الشتم ، أمورا غيرت نظرتها لملائكة الرحمة ، فكانت سارة تحرص على أن يكون كل ما يخصها نظيفا مرتبا كما كانت تساعد الجميع و لهذا و لمرحها و ابتسامتها الدائمة كانت محبوبة من جميع من بالغرفة ... أصبحت لديها صديقة شابة تكبرها بحوالي خمس أو ست سنوات ، كانتا لا تفترقان ، و برفقتها استكشفت سارة المستشفى بأكمله ، حتى عنابر المرضى العقليين و المساجين المرضى ، مكان واحد لم تستطيعا الاقتراب منه مع انه الوحيد الذي كان بابه مفتوحا دوما ، و هذا لكثرة النشاط فيه ، كان معلقا فوق الباب لوحة مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله ... كانتا كل يوم تنتظران الجولة اليومية للأطباء و بعدها تختفيان إلى أن يقترب موعد زيارات الأهل وقت الغذاء ... و في أحد الأيام قادهما فضولهما إلى زقاق يقع بين المبنى الذي به غرفتهما و مبنى آخر ، أخبرتها صديقتها أن مطبخ المستشفى يوجد هناك، كان بالزقاق عدد من القطط السمينة المخيفة ، قالت سارة ضاحكة مخاطبة صديقتها : ـ على الأقل هناك من يقومون بإطعامه بشكل جيد هنا و فوجئت لردة فعل صديقتها التي ضحكت منها كثيرا قبل أن تستطيع الكلام أخيرا : ـ تظنين يا صغيرة أنهم يقومون بإطعام القطط ؟ ـ نعم ، أجابت سارة و إلا لما كانت سمينة هكذا !!! ـ لا يا أختي إنما تطعم نفسها بالجرذان الكثيرة الموجودة بالمطبخ و عاودت الضحك من جديد بينما نظرت سارة باتجاه المطبخ و للقطط بامتعاض .. و بينما هما كذلك سمعتا صوت باب حديدي يفتح و رافقه صوت مخيف للقطط و هي تتعارك فيما بينها ، فهربت الفتاتان بكل ما أتيتا من طاقة من المكان المرعب ... و لم تكررا الزيارة لهذا الزقاق ثانية. بعد ثلاثة أيام من ذلك الحادث .. حضرت الممرضة الى الغرفة و أخبرت سارة أن تجمع أغراضها لأنهم سيأخذونها إلى غرفة بالطابق السفلي ... شعرت سارة بالحزن و بالخوف كذلك .. لأن انتقالها يعني أن عمليتها ربما حان وقتها و كذلك لفراق كل من أحبتهم و خصوصا صديقتها ... حين وصلت بصحبة الممرضة لتلك الغرفة ـ التي كانت أكبر بكثير من السابقة و تضم اثني عشر سريرا ـ زاد حزنها و خوفها ... فهناك رأت ما أرعبها ... امرأة عجوز أجريت لها عملية في البطن لا يزال بطنها مفتوحا ، وضعوا عليه فقط بعض الشاش ... علمت سارة فيما بعد أن السيدة مصابة بالسرطان و يبدو انه كان منتشرا في كافة بطنها ... و حالات أخرى مشابهة ... جلست على سريرها دون حراك ، تنظر إلى من حولها بخوف و تنتظر حضور والدتها ، التي أصيبت في البداية بصدمة حين لم تجد ابنتها في غرفتها ، ثم حين عرفت مكانها شعرت بحزن شديد على طفلتها التي وضعت في تلك الغرفة و تعرضت لرؤية ما لم يكن يجدر بها رؤيته في سنها ، لكنها كانت تطمئن ابنتها قدر استطاعتها و تشجعها ، انتهى وقت الزيارات ، و خرجت والدتها التي أطلقت لدموعها العنان فور ابتعادها عن أنظار ابنتها ... عند العصر جاءت ممرضة لتعطيها حقنة و تعلق في يدها محلول الكلوكوز ، ثم انصرفت . بعدها بربع ساعة تقريبا فوجئت سارة بابن عمتها و صديق له يدخلان غرفتها ... لم تصدق عينيها لرؤيتهما لأنه ليس وقت الزيارات .. أخبرها ابن عمتها الذي كان تقريبا في سنها أنه و صديقه قفزا عن السور ، و بحثا في غرفتها القديمة فأخبروهما بمكانها .. مكثا معها قرابة الساعة و نصف لم يكفا عن المزاح و قول النكت للتخفيف عن سارة ، فكانت تضحك من كل قلبها لطرافاتهما الطفولية البريئة ، إلى درجة أن كل النساء قربها كن يبتسمن لضحكتها رغم ألمهن . وجاء الليل ... و كانت هذه أول ليلة تقضيها بهذه الغرفة ، كان محلول الكلوكوز لا يزال معلقا بيدها الصغيرة ، لم يتبق منه إلا القليل ، لكن الممرضة لم تعد لإزالته ، فلم تستطع سارة النوم خوفا من أن تتقلب في فراشها فتكسر الإبرة بيدها ، و كذلك لسماعها أنين المريضات بالغرفة ، فجلست طوال الليل تنتظر الصباح ، و في الساعة السابعة صباحا حضرت والدتها ، كانت مبكرة أكثر من العادة ، و حالما ألقت نظرة على يد ابنتها التي أصبحت زرقاء متورمة لكون المحلول قد نفد و كان الهواء فقط يدخل يدها أجهشت بالبكاء ، ثم انطلقت مسرعة للبحث عن الممرضة ... هذه الأخيرة التي كانت تغط في نوم عميق ... حالما استيقظت من شدة الطرق على باب غرفتها و عرفت السبب جاءت مسرعة و نزعت الإبرة من يد سارة ، و كانت شاحبة الوجه و أخذت تتوسل والدة سارة كي لا تخبر أحدا و إلا طردت من عملها ، و أخذت تطمئن سارة و والدتها أن التورم و الزرقة سيزولان بسرعة ، بعد ذلك بحوالي ساعتين و نصف و بعد الجولة اليومية للأطباء ، أعيدت سارة لغرفتها القديمة ثانية، و هي لا تعلم سبب نزولها و لا عودتها لغرفتها لكنها كانت " فرحة " لهذه العودة ، و أصبحت " خبيرة " في إزالة إبر المحلول سواء تلك التي تخصها او لمن بغرفتها ، فكانت تشرف على كل مريضة علقوا لها المحلول إلى أن ينتهي و تراقب باستمرارانتظام تدفقه ، فكانت تشغل نفسها خصوصا بعد خروج صديقتها الشابة . بعد أيام ... جاء الطبيب الجراح الذي من المفروض انه يتابع حالتها في إطار جولته اليومية لمعاينة مرضاه ، استجمعت سارة كل شجاعتها حين كان يعاينها و سألته : ـ دكتور هل سأخرج ؟؟؟ ابتسم الطبيب لنظرتها المتأملة و أجابها : ـ لا لن تخرجي ، و أضاف حين رأى نظرتها الحزينة : ـ ليس بعد ... و خرج بعد إنهاء جولته ... بعد ذلك بحوالي نصف ساعة كان دور طبيب آخر ليتفقد مرضاه ، فتشجعت سارة مرة أخرى و سألته نفس السؤال رغم كونها ليست تحت إشرافه ، نظر الطبيب نحوها ثم أخذ الملف المعلق على سريرها و قرأه و طرح بضعة أسئلة على الممرضة باللغة الفرنسية ، ثم رفع رأسه و قال لها : ـ أجل سوف تخرجين ، سأصف لك أدوية تستعملينها لمدة شهر كي يتفتت الحصى الذي يوجد بالزائدة الدودية ثم تعودين لنجري لك العملية ، لم تستطع سارة منع نفسها من إظهار فرحتها ، التي جعلت الطبيب يبتسم و يقول : ـ إفراج أيتها المسجونة .. و خاطب رئيسة الممرضات قائلا : ـ أعدي لها أوراقها و أحضريها إلى مكتبي لأوقعها ، ثم أكمل جولته وخرج ... على الفور نهضت سارة و أخذت تجمع أغراضها ... حالما أنهت ذلك ودعت من بالغرفة سريعا ، و نزلت للطابق السفلي ، توجهت إلى باب الممرضة الرئيسية و طرقت الباب طرقتين خفيفتين ، ثم دخلت، سألتها الممرضة عن حاجتها فأخبرتها أنها تريد أوراقها لتستطيع الخروج ، فأجابتها الممرضة : ـ أنت مستعجلة جدااا يا سارة ، انتظري قليلا بالخارج و حالما ننهي أوراقك سأناديك ... بعد ثلث ساعة تقريبا ، خرجت الممرضة و أعطت سارة أوراقها فشكرتها ثم انطلقت . كان يوما من أيام شهر أغسطس ، حارا ، خرجت الطفلة سارة من بوابة المستشفى دون أن يسألها احد إلى أين ، و أخذت طريقها إلى حيث يوجد بيتها الذي كان يبعد عن المستشفى بحوالي 3 كيلومترات ، لم تفكر في استئجار سيارة أجرة ، و لا في انتظار أهلها ، كان كل همها ينحصر في الهروب بأقصى سرعة ممكنة من هذا المكان ، كانت تشعر بالعرق يتصبب من جبينها و التعب الشديد ، لكن فرحة أن تكون أخيرا ببيتها غطت على كل شيء ، فكانت تحث خطاها أكثر و أكثر . بعد عشرين دقيقة تقريبا ، تراءى لها بيتها أخيرا ، طرقت الباب مرة، مرتين ، كانت تسمع صوت أمها بالداخل ، صوت إخوتها ، و أخيرا فتح الباب و سمعت أختها تنادي في دهشة : ـ أمي إنها سارة !!!... احتضنتها أختها ، ثم جاءت والدتها مسرعة و غير مصدقة ، ارتمت سارة في حضنها ، لم تعد قدماها تقويان على حملها ، وانسكبت دموعها الحبيسة طوال فترة الإحدى عشر يوما بالمستشفى . حالما استعادت سارة وعيها ، انهالت عليها الأسئلة : هل هربت من المستشفى؟ و كيف خرجت ؟ ، و لم لم تنتظرينا ؟ فأجابت و هي منهكة عن كل الأسئلة مضيفة في الأخير : ـ لن أعود لذلك المستشفى و لو مت هنا فلا تحاولوا معي لا بعد شهر و لا بعد سنة . إلى هذا الحد من الذكريات ، استيقظت سارة على صوت الممرضة بالمستشفى تسلمها صور الأشعة التي أجرتها لرجلها المكسورة و التي تطلبت منها نصف يوم من الإنتظار و المعاملات ... نظرت سارة و هي خارجة من المستشفى مبتسمة ابتسامة جانبية ، مضت أربعة عشر سنة منذ كانت سارة هنا لإجراء عمليتها التي لم تتم قط .. تغيرت بعض الأمور .. فالمستشفى أصبح حجمه ثلاثة أضعاف ما كان عليه أو أكثر .. و أصبحت شركة أمن خاصة تهتم بالأمن داخله ، و شركة نظافة خاصة .. و شركة تهتم بالطبخ ... أصبح المستشفى في حد ذاته شبه خاص لكن ...
أمـورا كثيــرة جدا لا زالت بحاجة ماسة للتغييــر .
***
يسرى محمد جاد مراقب عام
العمر : 63عدد الرسائل : 5625بلد الإقامة : جمهورية مصر العربيةاحترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 10706ترشيحات : 62الأوســــــــــمة :
الراقيه بكل معاني الرقي أنت ترسمي الحروف فتصبح درر وألماس.. لقد توقفت كثيرآ أمام كلماتك وحروفك ونزف قلمك فأيقنت أن الإبداع مرتسم في أحاسيسك المرهفة .. وأنني أمام كيان عظيم يحوي سمو أعظم فماذا عسى أن أقول
فإحساسك فوق المعقول حس يسري بكل العقول ويبقي الصدق في سطور عذب الكلام..
كلماتي قليلة بحق هاماتك وأود ان اسجل اعجابي الكبير بتألقك وقلمك وحرفك المعطر بالشاعرية والاحساس المرهف
تقبلي مني ارق واعذب التحيه بكل الود
دمت لنا مبدعه كما انت وحفظك الله من كل سوء
الام الحنون مشرفة
العمر : 61عدد الرسائل : 484بلد الإقامة : مصراحترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 6767ترشيحات : 21الأوســــــــــمة :
نعم تتغير البروتوكولات ويتغير نظام الأمن والنظافة وتتغير المبانى والأمكانيات ولكن يبقى البشر هم البشر الذين يعملون بالمستشفيات وهم الذين كانوا أولى بالتغيير قصة رائعة تنم على موهبة قصصية ناضجة سلمت يداك
حسن أحمد عضو مشارك
العمر : 55عدد الرسائل : 69بلد الإقامة : الشرقية احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 5636ترشيحات : 0
الراقيه بكل معاني الرقي أنت ترسمين الحروف فتصبح دررا وألماس.. لقد توقفت كثيرآ أمام كلماتك وحروفك ونزف قلمك فأيقنت أن الإبداع مرتسم في أحاسيسك المرهفة .. وأنني أمام كيان عظيم يحوي سمو أعظم فماذا عسى أن أقول
فإحساسك فوق المعقول حس يسري بكل العقول ويبقي الصدق في سطور عذب الكلام..
كلماتي قليلة بحق هاماتك وأود ان اسجل اعجابي الكبير بتألقك وقلمك وحرفك المعطر بالشاعرية والاحساس المرهف
تقبلي مني ارق واعذب التحيه بكل الود
دمت لنا مبدعه كما انت وحفظك الله من كل سوء
أخي و استاذي القدير /أ. الوتر السعيد
كلماتك الطيبة و مجاملتك الراقية هما اكبر من أن استطيع الرد بما يليق