عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17867 ترشيحات : 33 الأوســــــــــمة :
| موضوع: الإبداع الأدبي والموقف الفكري ... مجلة رؤى .. العدد الأول 1/3/2010, 04:04 | |
| كان الأدب عبر العصور المختلفة قناعاً يختفي وراءه أصحاب الدعوات الخيّرة والمشبوهة على حد سواء؛ يبثون من خلاله آراءهم، ويروجون لها دون أن يتمكن الرقيب من إدانتهم أو حتى اتهامهم، لأن من طبيعة الأدب المراوغة، فلا يكشف عن المضامين والأفكار إلا بعد جهد جهيد، وتأويل يحتمل الصحة والخطأ. هكذا كان الأمر بالنسبة للزنادقة والملاحدة والشعوبيين وأصحاب الأهواء والبدع. كان بشار بن برد شعوبياً زنديقاً فيما تروي كتب الأدب، ولكن شعوبيته لم تظهر سافرة إلا فيما بعد، حين خانه لسانه وباح عن مكنون صدره. والشعر بوّاح. وإن كان يحتمل التعدد في التأويل فلا بد أن تكون فيه كلمات مفاتيح تلج بك إلى رحاب الفكرة وتكشف لك عن مكنونات الرؤية، ولهذا نجد أصحاب الدعوات يروجون للغموض ويعتبرونه خاصية جمالية وفنية، وقد تطور الغموض لدى طائفة من شعراء العرب اليوم فأصبح إلهاماً واستغلاقاً. إن قصائدهم أقرب إلى الطلاسم التي يصعب فك ألغازها منها إلى الشعر. غير أنه من الملاحظ في الآونة الأخيرة ازدياد الإصدارات الروائية- والرواية هي الأخطر من بين الفنون الأدبية المختلفة- إذ استهوت الرواية مفكرين وكتاب مقالة، فراحوا يكتبونها. ولا يعني هذا أن هؤلاء جميعاً يريدون تحرير أفكارهم المشبوهة- ولكن ثمة إحساساً بأن الرواية أقدر على استيعاب هموم الكاتب أو الشاعر بما تتيحه من مجال لذكر التفاصيل، وتعدد الرؤى عبر الشخصيات المتخيلة، والنماذج البشرية التي تنهض بأدوار متباينة داخل العمل الروائي حيث أن مجال التأويل الواسع يساعد الكاتب على الاختفاء خلف شخصياته ولا يتحمل مسئولية حواراتهم وأفكارهم التي يطرحونها في الرواية، وعلى الرغم من ذلك فإنه من غير الممكن تجاهل ذكاء المتلقي وقدرته على استخلاص رؤية الكاتب من خلال عمله الروائي، وهناك الكثير من الأعمال الروائية تفضح أصحابها وتشير إلى توجهاتهم الفكرية. وقد عم العالم العربي موجة من الكتابات الروائية والنقدية في الآونة الأخيرة تركز على جماليات هذا الفن، وتميط اللثام عن أساليبه، وقد أشارت تلك الكتابات بكل وضوح إلى ارتباط الأيديولوجيا بالرواية، فمن عبد الكريم الخطيب إلى سعيد ياقطين إلى يمني العيد إلى محمود العالم وغيرهم، جميع هؤلاء يتحدثون بجلاء عن علاقة الفن الروائي بفكر الكاتب، كذلك ما يسمى بالدراسات السيميائية التي نشطت خارجة من رحم الدراسات البنائية. وليس من هدف هذه المقالة الدخول في التفاصيل أو تحديد الروايات ذات البعد الأيديولوجي، ولكن ما أردته هنا هو الإشارة إلى أثر الإبداع الأدبي في الدعوة إلى المذاهب والأفكار سواءً كانت إسلامية صرفه أو دخيلة ضالة، وليس من شك في أن ما قام به الروائي الإسلامي العَلم الدكتور نجيب الكيلاني- رحمه الله- يبدو مثالاً بارزاً على الدور المهم الذي يمكن أن يناط بالإبداع سواء كان رواية أو قصة أو قصيدة أو غير ذلك. والمجال لا يتسع لإيراد المزيد من النماذج ولكن حسبي أن أشير إلى خطورة العمل الإبداعي إذا تم استغلاله من أصحاب المواقف المشبوهة، والعقائد الفاسدة، خاصة الرواية والقصة القصيرة، وفاعليته الإيجابية إذا سخر لنشر الفكر الإسلامي الصحيح. |
|