| ثلاثة رابعهم قلبهم ... رواية .. ابراهيم وافى | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17864 ترشيحات : 33 الأوســــــــــمة :
| موضوع: ثلاثة رابعهم قلبهم ... رواية .. ابراهيم وافى 27/2/2010, 15:24 | |
| ثلاثة رابعهم قلبهم
رواية
ابراهيم الوافي
|
|
| |
عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17864 ترشيحات : 33 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: ثلاثة رابعهم قلبهم ... رواية .. ابراهيم وافى 27/2/2010, 15:25 | |
| الفصل الأول .. ذاكرة بقدم واحدة غابة من النخل المتشابك وجدٌ يلتحف البياض ويلم حوله الأحفاد بيتٌ أبيض بشرفة مثخنة بالمواويل وامرأة جاءها المخاض فآوت إلى شبه حلم لاشيء أشبه بالليل إلا فحيح ذكريات تأتي من جهة امرأة راحلة ، من نقطة النخل حتى سور المقبرة يمتدُّ ( مطراق الجنائز ) وحشة لاتعرف الشبيه ، وريحًا سكرى تدوخ برائحتها الرمال الناعمة ، أول الموت رجل رث الثياب يحمل مسحاه ولايرد السلام ...! وقف الجد يردد كسرته الينبعية الشهيرة : ( قفا الحبيِّبْ وصكَّ البابْ .......... واليوم بان الِيِتم فيَّه وأشكي على جملة الأصحاب .......... وأحوالي اللي جرت ليه ) الشعر فاكهة الحكايا وأغنية الضحى حين يتطاول النخل على الحنَّاء وتفرالعصافير خائفة من الخطوات الغريبة ... كان المعزُّون يتعاطون قهوةَ الموت ورائحة ( المرق ) تخترق أسراب النخيل . الموتُ هناكَ ذاكرة مفتوحة للحزن والفرح ، للجوع وانتظار الفقراء للقمة منزوعة من أفواه الموتى ، هناك حيث يمتدُّ الليل بحزن الجد وتغور النجوم في زرقة السماء يصرخ حفيدٌ أخير من تحت ركام الفقد ، فيؤتى به للجد كي يسكبَ في أذنيه آذان فجره الأول ، كان الصوت مترهِّلا من الفقد فقد كانت الراحلة وطنًا مترفًا بالأحداث الشهرزادية ... كانت بيضاء طويلة العنق ذات شعر يمتد حتى ظلالها ، بينما ( حسن ) ذلك الجد الذي تحاك حوله الأساطير فقد كان كثير الرؤيا ذا علم بالنجوم والأبراج وذا نبوءة شفيفة ، أنهى أذانه الحزين ثم قال : لعله ( إبراهيم ) ... الأسماء صوت الودع .. المتكوِّم في ظل جدار جارتنا التي ماتت قبل أن تكشف سره ...! بعد انتهاء الآذان كانت الصرخة الأولى كما يشتهي الشعر فهي ليست صرخة الحياة كما كان الجميع يعتقد ...إنها صرخة البحث عن ( أوكسجين ) بين دخان النبوءات ...! حين يتحدثون عن قصص الأسماء ، لن يتساءل إبراهيم عن سر تسميته ... فسيقال له في المرحلة الإعدادية إن اسم ( إبراهيم ) أعجمي زائد عن ثلاثة أحرف ...!! إلى أن يجئ شيخٌ أسود تلفَّع بالبياض ليقول له : إن أعجميته عبرية عربية ( أبٌ رحيم ) مع إبدال الحاء هاء في لكنتهم ...! لكنه حتما سيتذكر قول أمه له : إن اسمك ( توفيق ) لولا ودع الأوراق حين تنازع مع اسمك الآني فيصرخ : ( ليتني كنت توفيقًا يا أماه ... ! ) الأسماء إذن قُرْحَة النبوءات في رحم اللحظة ..!! نعم كانت الأم الموجعة بخبر فقد الجدة والصديقة والحفيدة تحلم أن يكون وليدها توفيقا ، لكن الجد الذي قرأ الديموقراطية في كتاب السنوات والتجارب الموجعة آثر رمي الأوراق وتحقق النبوءة فكتب ورقتين احداهما ( توفيق ) كما تشتهي الأم والأخرى ( إبراهيم ) كما تشاء النبوءات والرؤيا . ثم قامت نجوى بدور الوسيط بينهما فالتقطتْ إبراهيم ، فنظر الجد إلى الأعلى ، ورأى نجما يسقط من السماء جهة المقبرة ، فلمه إلى حضنه مجددا وأومأ لهم بمغادرة المكان بينما عاد يردد : ( قفا الحبيب وصك الباب ................................ واليوم بان اليتم فيه وأشكي على جملة الأصحاب ............................... وأحوالي اللي جرت ليه )
|
|
| |
عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17864 ترشيحات : 33 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: ثلاثة رابعهم قلبهم ... رواية .. ابراهيم وافى 27/2/2010, 15:26 | |
| نعم فالمساء مسرف في استضافة الذكريات ...! وليس للقمر موعدٌ عند عازف الحزن الوحيد ... حين تكون الحياة سنة مقمرة لاسنة قمرية لن نحتاج إلى سجل الأيام ... فكل خطوة لعقرب الدقيقة فيها لثغة للقمر المبتسم هكذا كان الجد يهجس لنفسه بعيدا عن بكاء الصغير الذي صار على بعد شهرٍ ونصف من ولادته ، لم تجرؤ الأم على تقديم ثدييها الغارقين بحليب الأمنيات . كان المكان كله أشبه بسبورة طفل كفيف ، بكاء الصغير يتعالى لكنه لايستطيع مقاومة حفيف النخل وسجع اليمامات في عذوقه الذابلة بعد رحيل الصيف ، كلما حدَّق الجد في عيني صغيره المولعة بالبكاء تنسَّم الموت حياة ، ثم حمله إلى أعلى من جبينه حتى تكاد تنخلع كتفيه ليردد عليه : ( قفا الحبيب .................. كانت الأم حينها تردد على محمد ونجوى حكايا الأيتام في الأرض ثم تحدثهم عن سر ولع جدهم بأخيهم إبراهيم قالت بيننما تتضوَّر أمومة : لا أعرف كيف حدث هذا لكن جدكم أبلغني بنبأ إبراهيم قبل أن أحمل به بشهر قال إنه رأى في نومه أنه عاد طفلا يتسلَّق النخيل والسدر ، ليعيد توازن أعشاش العصافير حين تشاكسها رياح الجنوب التي تهب عاتية ...! آه ! كم أنا مشتاقة لإرضاعه إنه يبكي وبرغم سماحة جدكم إلا أنه حين يجلس على سجادته لن يتمكن أحد من مقاطعته ... هلا ذهبتِ يا نجوى لرؤيته ..؟! ذهبت نجوى إلى الجد فوجدت إبراهيم نائما على ذراعه بينما ينام الجد على سجادته . كانت خائفة جدا برغم حبه لها وتدليله إياها ، فقد كان صوت الريح مأهولا بالخوف والرعب حين تتخلل الجدار المنظوم من ( جريد النخل ) الذي آثر الجد أن يطوق به عزلته ووحدته ... لم تتمكن نجوى من الدخول عليهما فعادتْ إلى أمها وقد انتابتها نوبة أقزوحة تقطَّعت معها كلماتها الركيكة ..........! كان الجدُّ يتلقَّف نسائم القبور حينها فقد توارى القمر خلف غيمة ليترك للنجم فرصة التساقط في الليالي الموحشة ولرحم الرمل استقبال نطفة الموت الأولى في سيرة إبراهيم ، فقد نام الصغير ملء عينيه حين استقرَّت روحه بموت جده الأكبر بينما ظلت الأقزوحة ملازمة لنجوى حتى بعد إنجابها لطفلها الخامس . وفي الطرف الثاني من أطراف العهد الذي يلعق غيم السماوات والأرض كان أحمد والد إبراهيم قد أهدى ذراعه اليمنى للنخل واليسرى لشاحنة تجيء محملة بفاكهة القرية التي تستقبل رائحة البرتقال المغربي في مداخل الطفولة ... كان لايبيع الحلوى للصغار حين يأتونه يبكون شح العملات النقدية التي تنبت في الرمل إثر هبوب الرياح ، بل يضع يده على رؤس الأيتام ثم يغلق دكانه ذا الباب الأحمر وهو يتلو ( وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) ! بين هدأة النخيل ودوار الريح انطلق رجل الموت في القرية دون أن يرد السلام على سائليه سالكا مطراق الجنائز عبر رحلة الموت التي يداهنها كثيرا كي لاتقتطف شيخوخته ، واجتمع الخوف والحزن والسواد في القرية تلك الليلة فقد لحق الجد بصاحبته ودفن بجوارها ..حينها فقط تدفَّق الحليب على عنق إبراهيم حتى خشيت أمه اكتناز رائحته فيها فوضعت عقدا من الياسمين الذاتي الذي زرعه الجد في ظلال ليمونة تتفيأ جدار المنزل ساعة الضحى .. كان السقف زجاجة الغيم الباردة .. كثر أولئك الذين يعلقون أطواق الياسمين في عنق اللحظة .. بعد أن علقته الأم في عنق إبراهيم لكن المثول أمام لحظة كتلك خشوع في محراب البكاء ..! ظلت الأم ..كالأب تماما كلما جاءها طفل باكيا فتحتْ تلك العلبة الزرقاء التي رسم عليه طفلة الحلوى الشهية .. ومنحته منها ابتسامة الرضا الساكنة في شفتيها ..! ذلك الياسمين الذي تدثَّر به عنق إبراهيم هو سر الخاتمة التي ستتكشَّف بعد حين .!! |
|
| |
عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17864 ترشيحات : 33 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: ثلاثة رابعهم قلبهم ... رواية .. ابراهيم وافى 27/2/2010, 15:27 | |
| فقد مرَّت الأيام جائعة كصغار العصافير التي لاتفزعها ايماءات الصغير لها بالطيران ومحاولة تقليدها فمنذ أن بلغ خمس سنوات كان يسابق ظل أبيه في المنحدر إلى النخل حيث تتموَّج الظلال .. كانت عيناه متحفزتان لالتهام الطبيعة ، كلما نظر إلى الأعلى تدجج جبينه من أشعة الشمس .. وعاد للسؤال ..:
( كيفَ ينمو النخيلِ ارتفاعًا ويشرعُ للريحِ أبوابَهُ بينما الأرض من تحته معشبةْ كيفَ لم أنتبهْ …!؟ حينَ قاسَ المسافةَ بين النخيلِ وبيني وبين الظلالِ وبيني وأطبق بالصمتِ يضربُ مسْحاهُ في الأرض حتى تشظَّتْ ظلالُ النخيلِ وقرَّ بعينيهِ وهمُ الشَّبهْ …!)
كانت الظلال لثغة السؤال ... يشاكسها ويحنق من تقليدها له في تحركاته وإيماءاته .. في نخلة مائلة على الدرب الذي يعبره القادمون بسحنات تثير العاطفة حين تتقلد صبية في السابعة من عمرها نقابا أسودا رثًّا وبأقدام عارية ، تسكن يمامة تعانق ( وليفها ) بينما يبتسم الصغير ويعود لمحاورة ظله : الحب ميلاد البوح وخاتمة حداثية فاتنة .. !! كم أشفق عليك ياصغيري ( أو ياكبيري ) ، بينما تجرُّ أذيالي على الطريق أما حنقت مني يوما .. ؟! أعرف رجلا مسنًّا يبصق على ظله ولايعبأ به ، لكنني لم أتجول بك بين أشجار صحراوية شائكة ، لم أقف بك على بحيرة وأنا أعلم أنك تغرق بشبر حزن ... !! كنت شاهدا لي ومعي وعلي حين تخاطفتني كلاليب العشق ..! فاتنة تلك الصغيرة المسكينة ، فاتنة حد إنكارك في حضورها .. وذوبانك بخطواتها المحفوفة بالدهشة …! آه ياصغيري تتطاول . ثم تصغر حد التضاؤل ،ثم تعاود التطاول مجددا .. تستدير يمينا وشمالا وقودك الشمس التي تتغير بها سحنتي ..!! ما أشبهك بي حين أحب محادثتها بلهجة لاتفهمها .. حين أحدثها عن أشياء تجهلها وكأنني أكبرها بسنوات : أتطاول ... ثم أقصر ... ثم أتطاول …! وقودي ( الصبية ) الشمس ، هي غائبة الآن .. وأنت تشاكسني كثيرا بينما ينشغل ابي عني بملاطفة النخيل ...! لا أعرف لكن غيابها أودعني رعشة في البوح وخفقانا في الرؤية وتثاؤبا في وجه الانتظار ..!! الظلال أول التأويل يا إبراهيم وفطنة الرفيق الذي لا يتعثر ... كان جدار المدرسة طينيا بنافذة خشبية مشرعة .. لكنها تتطاول على طفل الخامسة ( إبراهيم ) الذي شغل بسيف أبيه ( العرج ) الملصوق كبرياء بصدر دكانه ... حين تأتي شاحنة البضائع من سفرٍ محموم يعشق دهشة الحلوى والألعاب حتى تمتلئ عيناه بهما فيحمل ( كرتونةً ) هشة ويضعها أسفل النافذة ليطلَّ على أخيه محمد الذي تعرق راحته في الفصل خوفا من عصا أستاذه الساحلي ... كان إبراهيم نحيلا بحيث يمهله الكرتون دقائق يستكشف فيها واحة الفصل المتشبِّع بحبيبات الطباشير الصفراء قبل أن يتكوَّم داخل ( الكرتون ) ويعود إلى دكان أبيه محمَّلا بفاكهة الأناشيد وبعض تمتمات من القرآن .. في إحدى مغامراته أحس به المعلِّم ونظر إليه بحدِّة لم تردعه حتى أعلن العم صالح بصافرته الذهبية الكبيرة بدء فسحة الشاي التي يهرع فيها الأطفال للدكان يشترون ( الجبنة الزرقاء ) التي رسم عليها طفل لا يحسنون ملامحه ذهب المعلم لوالد إبراهيم وحدثه بحديث لم يفهمه غيرهما وانتهى بهما الأمر إلى أن أخذاه إلى مدير المدرسة المسن ذو الراحة الغليظة التي تشبه ( سلَّمة ) النخلة الهاوية من تطاولها عليها ، طلب المدير المسن من إبراهيم رفع يده اليمنى لملامسة إذنه الأيسردون أن يحني رقبته ، وحينما لم تصل ألصق يده اليسرى على أذنه وشابك أصابعه فوق رأسه فضحكوا جميعا إلا إبراهيم ! |
|
| |
عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17864 ترشيحات : 33 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: ثلاثة رابعهم قلبهم ... رواية .. ابراهيم وافى 27/2/2010, 15:28 | |
| قال مدير المدرسة لأحمد والد إبراهيم ليأتِ مع أخيه غدا ولعله يستفد ... كان كل شيء كذاكرة الريح وحمامات المدن المستفزَّة فقد أعد منذ بدء العام الدراسي حقيبته شأنه شأن أخيه ولهذا لم ينتظر للغد فما أن سمع هذا حتى ركض إلى الدكان وحيدا وعاد مسرعا بحقيبته يتأمل ظله حتى اصطدم بذلك المدير المسن ... فضحك وطلب من المعلم أخذه معه إلى الفصل ... في الطريق إلى الفصل سأله المعلم ... ماذا حفظت من استراقك السمع علينا ؟ قال كثيرا ... وأحفظ أيضا مالم تحفظه ، ابتسم المعلم وقال له ما هو ؟ فقال :
( قفا الحبيب وصِكّ الباب .............................. واليوم بان اليِتم فيَّه وأشكي على جملة الأصحاب ................................ وأحوالي اللي جرت ليَّه )
فبهت الذي سأل وتوقف قليلا ، ثم طلب منه إعادة ماقال ، فقال له أين أجلس يا أستاذي ؟! جلس إبراهيم حيثما يحلو له العمر فالزمن لا يتوقف ، تماما كالظلال ، فقد كانت الرحلة مع حرف العين بعد أن اطمأنَّ المعلم على أصوات الصغار وهي تردد ( كَ تَ بَ ... كتب ) ( حَ صَ دَ ... حصد ) كان إبراهيم يردد معهم والمعلم يبتسم لحماسه . ورغبته ، حين عاد إلى المنزل بكى متشبِّثا بثياب أخته نجوى لتعلّمه الألف حين يمتدُّ في وسط السطر كظلال الصباح والباء حين ينبسط والتاء حين يتمرد عليه والثاء حين تتكاثر صغاره و ... و ... حتى العين ... في الغد كان إبراهيم قد قرن الحروف بأشكالها ، الألف نخلة البيت والباء طبق أبيه الذي يغرق الفطائر فيه باللبن والتاء ذات الطبق مع ملعقتين واحدة للأب والثانية لصغيره المدلل إبراهيم والثاء طبق الأم والملاعق المصاحبة له ( الأم / محمد / نجوى ) وهكذا ربط ما تيسَّر له من الحروف مستعينا بدهشته الأولى ( الظلال ) حتى منعطف الحرف عين :
أستاذنا السَّاحليُّ الملامحِ ظلَّ على بابهِ واقفًا سيقْرئنا اليومَ في درسه ( حرفَ عينْ ) !
***
نداء المؤذن لصلاة الفجر مقاومة السراج لرياح الشرق العاصفة .. هكذا ورث أحمد إمامة المسجد من أبيه حسن .. بينما يجلس عقب كل مغربٍ مع إبراهيم ليتأكد من أنه أتمَّ حفظ سورة البينة .. : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ) . سورة البينة أطول السور المقررة على الأطفال وأكثرها صعوبة عليهم .. لكنَّ إبراهيم أدرك سرها كعلامة للتفوق فأتقن حفظها ، إبراهيم وصل لآخر العام وأول الورطة للمدرسة فقد بدا متفوقا على أقرانه ومتفرِّدا في كتابته وقراءته .. أخذه أستاذه ( غانم ) لمدير المدرسة ، وحدثه بأمر تفوقه فطلب منه قراءة سورة البينة .. فقرأها ، وحين اتمها قال للمدير هل أقرأ كسرة جدي ..؟ ابتسم المدير ونظر إلى الأستاذ غانم فقال اقرأها : ( قفَّا الحبيب ... ! ) طلب المدير من الأستاذ إعداد السجلات الخاصة بإبراهيم جميعها واعتباره طالبا منتظما ثم قبَّل جبينه ودعا إليه بكلمات لم يفهمها لكنّ رأسه تطاول بها حين تحوَّلت سمرته إلى خمرةٍ من خجل .! |
|
| |
عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17864 ترشيحات : 33 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: ثلاثة رابعهم قلبهم ... رواية .. ابراهيم وافى 27/2/2010, 15:29 | |
| إبراهيم كان يمرُّ بجارتهم العجوز ( عايدة القصيِّرة ) كل صباح في طريق رحلته إلى المدرسة تلك ذات القصر المثير ليحمل إليها اللبن وفطائر الصباح وحبات التمر ، كان إبراهيم يراها وحيدة إلا منه ، غريبة إلا من نسب عطف أمه عليها ولهذا بدا أكثر فهمًا لطبيعة الوحدة واليتم من بوابة الحكايا حتى صباحات جارتهم العجوز ( عايدة ) ولهذا أيضا لم يفهم أن أمه كانت تقوم بأداء نبوءة الجد حسن مع إبراهيم حين اختارته دون إخوته ليقوم بهذه المهمة الدقيقة والمعقَّدة لاسيما والجارة العجوز حادة المزاج بلغت عامها الثمانين عانسا لم تعاشر الأطفال ولا تفهم هلاماتهم ، حين سألها عن سر اختياره هو دون إخوته قالت له قال جدك الشيخ حسن : ( علموا قلوبكم الحزن والموت وكتابة الجراح ، وأنت بمثابة قلبي ، ها أنت يا إبراهيم تمتد في جسد الزمن ، حينما يدور العمر دورته ، من هناك يابني ، من المدن التي لاتنام ولا يهنأ فيها الغرباء تتمدد اللغة التي تتمتم بها ( كسرة ينبعية دون غيرها ) بلا موعد ولا انتظار ، لتجعل منك وقفة جديدة مع ( أول المنتمين إلى الموت ) ، لاتجزع سننتقل قريبًا إلى مدينة البحر لنجاور خالك هناك وستظل تسأل حينها عن ( سمكة ) لايميتها الخروج من الماء ، لتحمل بعض استفساراتك لابنة خالك ( فاتن ) التي خرجت من البحر لتتناسب مع دهشتك واتساع أفقك ... ) ( قالتها ضاحكة ) وهي تطوق رأسه بــ ( طاقية ) مذهبة أنيقة ... !
لا عليك يا إبراهيم فالصيف فاكهة القرى وأريكة المدينة ، حين تحنق الشمس على الرمل يستقبله الليل المعدم من الضوضاء ، رائحة البنِّ ووشوشات الصبايا يقطفن ورد القمر .. وهكذا يحضر الخال ( عيد ) بسيارته الحمراء الضخمة إلى القرية ليكشف سرَّه للنخل ويشرب من ينبوع العصافير الذي يعبر النخيل بلانهاية ، كانت فاتن البنت المدللة التي تلتصق به و تشاغله بلباقتها ولثغتها الرائية المدهشة بينما يقود سيارته ، ليكون وجهها بشائر السمر لإبراهيم وفاتحة الحكايا هذا النحيل إبراهيم يختط مكانه في كوم الرمل المتكوِّم أمام الدار انتظارًا لمجيئ عائلة خاله المحتمل دون موعد محتوم ، لدرجة أن انتظاره قد يمتدُّ لأيام ، وطوال هذه المدة يبقى ممسكا بوثيقة نجاحه وتفوقه قبل أوان ذلك ... جاءت العائلة عشاء حينما أصرَّت الأم على إبراهيم بمغادرة مكانه الرملي ، خوفا عليه من سرب عقاربٍ تتناقل خبرها القرية ويقع ضحيتها واحد أو اكثر كل ليلة . كعادته حين يستقبل الضوء تكاد تتعانق رموشه فينفذ إلى عينيه بصعوبة بالغة ، استقبل غرة سيارة خاله الحمراء واقفا ومستسلما لإلحاح أمه عليه بمغادرة المكان ، حين تيقَّن أن القادم هو ذاته المنتظر صرخ بطفولية وعفوية ( فااااتن ) فابتسمت أمَّه قائلة : ( نعم فاتن يا أخوية ! افرح ) ...! أطرق إبراهيم بخجل خبيث ثم هجس في نفسه : (ليتك تعلمين أنني أتلمس وجوه التفاصيل لأتعرف على ملامحها بعد أن استشرفتُ صوت الذكرى ومواء الدقائق ...! أماه كنتِ قد أخبرتيني عن وجه أبي حينما التقيتِ به أول مرة وأنت ابنة الثالثة عشرة ، ولم يكن النخل حينها عرضة للرياح ... قلتِ لي إنك تشبهه كثيرا ، ستعرفين إذن يا أماه كل النحْل وكل هذه الرعشة ...! ظلال النخيل المتموج على سواقي العطش هي ذاتها بواكير الحب التي لم يشخصها أحد بعد ...! والخجل الذي يتخفَّى في ثيابي لا يشبه رهبة البداية .! من قال إن الأطفال لايعشقون عليه أن يعلم أنه وحده بذاكرة مثقوبة فبراءة الأطفال لم تتعارض يوما مع فطرية الحياة التي تدفع الذكر للانثى والأنثى للذكر ... ! ليتك تعلمين يا أماه مالذي تفعله فينا حكاياتك الليلية في الليالي المقمرة ... صبييان وفتاة ، أنا الأصغر الذي لايستمع إلا ويدك في فروة شعره تحدثيننا عن قصص الأطفال اليتامى ، بينما تتسلل إلى جسدي رعشة الحب ، فأسألك بخبث في كل مرة : هل تزوجوا ؟ أنجبوا ؟! وحدك من يدرك أي طفلٍ حذرٍ هو أنا .. فلم أكن لأكشف عن نزعتي الأبدية إلى لقاء الأرواح الظامئة فأتجمل بشرعية الزواج وبراءة الطفولة .!! )
|
|
| |
عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17864 ترشيحات : 33 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: ثلاثة رابعهم قلبهم ... رواية .. ابراهيم وافى 27/2/2010, 15:31 | |
| كان سادرا في هاجسه حتى أقبلت عليه فاتن مبتسمة تحمل في يدها( عصير سنتوب ) وقطعة من الشكولاته وما أفاق إبراهيم إلا وشعرها الناعم الطويل يكاد يلامس وجهه حين هبَّت نسمة باردة من ورائها وهي تقول : خذ هذا ( اشتغيته) لك ...! يا الله ! يا إبراهيم !! ساعة الليل معلقةٌ في جدارالحلم ...! بين الصبح وخلود الحزن في كسرة جده ( قفا الحبيب ... ) التي يحفظها عن ظهر حب ، مفترق طريق ، ظلت ذاكرته تترنَّحُ فيه بين ماجاء وما ينتظر ...! كان يعلم أن الصباح أشبه بذنبٍ مغفورٍ حين يجيئه بفاتن .! إذن ليس للنوم متسع بين جفون الأرق ...! إبراهيم الذي يلتحف السماء حين يصطفي شرشف صلاة أمه غطاءً حيث تفوح منه رائحة الحنان والدعوات المستجابة .. ترك فاتن في حجر أبيها في ملحق البيت بعد أن ضرب لنفسه المواعيد مع النبع والعصافير وشجرة الياسمين الصغيرة التي تبنَّتها ليمونة الضحى الوارفة ، كان قبل ركونه لذاته أشد حرصا على حكايا الصباح حين أخذ يحدث فاتن عن وصية أستاذه له بضرورة النوم المبكِّر، ظلَّ غائرا كنجمة بعيدة في الركن الأدهى من الرؤى ، ومع هذا داهمه النوم على حين يقظة حتى فتَّق الصباح أكمامه بعينيه التي ظلَّت تبحث عن فاتن في ممرات الانتظار ... !
تنبَّهت الأم لالتفاتاته فقالت له : ( تعال لتشرب الحليب مع خالك ..! ) الحليب ..؟! ألا تعرفين يا أماه أنني لا أشرب الحليب مطلقا منذ أن حسدتني إياه جارتنا العجوز ( جميلة ) ؟! اوووه .. لاعليك المهم تعال عند خالك فإخوتك نائمون و أبوك غادر مبكرا ولم يشأ إيقاظك لمرافقته للنخل ، بعد أن قلتُ له لن يرافقك ففاتن هنا .! ) ( يااااه ! يا أماه : ألم تعلمي ان المثول أمام الخال مثول في عيني فاتن ، المطر لايتساقط إلا نادرا يا أماه لكنه كفيل بسقاية الأعشاب النابتة في سقيفة المظلة التي نتفيَّأها .! ) الخال الذي يكره ملوحة البحر تشهَّى شرب الشاي مع ورق الليمون الغض ، وعليه طلبت الأم من إبراهيم اقتطافه من ليمونة الضحى المجاورة . تحفَّز إبراهيم بنشاط وحيوية كبيرتين ، حين نظر إلى فاتن التي تتوسَّد بدلال فخذ أبيها كسلا ، وكأنما أومأ لروحها بمرافقته فاستجابت ..! قالت لأبيها : سأذهب مع إبراهيم ! فتضاحكا الأم والخال حتى كاد الأطفال يتنصلون عن أحلامهم خجلا ...! كان قدرًا مثيرا أن تلتصق فاتن بأبيها لهذه الدرجة وتغفل أمها وأخوتها ليناموا الضحى ، وتمنح إبراهيم القصيدة التي تنبَّأ بها جده له بينما كان في يومه الأول .! ( ألا تولد القصيدة إلا من رحم إمرأة ...؟! ) ذهب إبراهيم وفاتن لشجرة الليمون وقطفا الورق الأخضر الصغير حتى أدمت شوكة إبهامه ، وتقطرت قطرات صغيرة من الدم آثرت فاتن مسحها بردائها الأبيض دون أن تعبأ بتأنيب امها المحتمل .. فاتن تعشق اللون الأبيض منذ نعومة حضورها ولهذا وبينما كانت تمسك بإصبع إبراهيم ، قال لها : انظري لشجرة الياسمينة ذات الزهور البيضاء كيف تغفو بحضن هذه الليمونة ، ثم انظري للأرض التي نقف عليها ، ليست طينية كما قال أستاذ العلوم الذي لا أحبه لأنه لايحب النخلة ، إنها رملية ناعمة ، ولهذا تتخللها جذور الياسمينة لتعانق جذور الليمونة هذه .
|
|
| |
عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17864 ترشيحات : 33 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: ثلاثة رابعهم قلبهم ... رواية .. ابراهيم وافى 27/2/2010, 15:32 | |
| كانت فاتن تتأمل قدرته العجيبة على إدارة الحوار رغم تدافع الأخبار في شفتيه ، فحاولت كشف جانبٍ مدني في تركيبتها حين قطفت زهرة ياسمين ثم نظرت إليه بينما أسهمت عيناه متأمِّلا ( أول الشعر كسرة أيها المغسول بماء الشعر ...! ) ارتعشت يد إبراهيم وهو يتناول زهرة الياسمين من يد فاتن بينما تختلس عيناها النظر إليه باحورارٍ مذهل ونظرات عاشقة ، أمعنت فيها حين قالت له : شَعرك جميل جدا يا إبراهيم ! كانت تعني ذاتها رغم أن إبراهيم كان بالفعل بشعرٍ ناعم مقصوص حتى رموشه وبلون كستنائي ساحر ، يعجب المدرسة كثيرا مما يجعل طلب قصه مقرونا بابتسامة منهم دائما ليتجاهل هو بذاته الأمر مطلقا ... ! وهم عائدون بورق الليمون قال لها أنا أحفظ كسرة جدي وأسمعها إياها ، فسارعت فور وصولها بإخبار أبيها بكسرة جد إبراهيم فابتسم وقال : اسمعني كسرة جدك يرحمه الله التي أسمعتها لفاتن ! فقال : ( قفا الحبيب ....) قال الخال ( الله .. هل تحفظ غيرها ) ؟ قال له لا ! لكنني سأكون مثل جدي ، هكذا يقول أبي! ابتسم الخال وقال بارك الله فيك إذا حفظت غيرها تعال وأسمعني كان يتورَّم نشوة وفروسية مع ابتسامات فاتن التي تتظاهر بمحاكاتها لابتسامات أبيها ، حتى دخل إبراهيم في أول نوبة شعرية له : ( ياقاطف الياسمين أكتبك من دمِّي اللي بفستانك لاشفت بوح الهوى يغلبك أبغى أنجرح بس من شانك ) وما أن خرج منها وهمَّ بقولها لخاله حتى ارتبك وتفصَّد جبينه عرقا واتخذ مكانا قصيَّا وبينما كان الخال منشغلا بأخبارأخته التي يحبها كثيرا أومأ إبراهيم لفاتن لكي تخرج معه يلعبان في الظلال الضحوية فاستأذنت من أبيها وقال لهما انتبها للشوكِ ولا تخرجا حافيا القدمين ، حين خرج إبراهيم وفاتن أسمعها أول كسرة لها ففتحت فمها دهشة وقالت : متى حفظت هذه ؟! قال لها : قلتها الآن ( من عقلي ) فعادت لتسأل ولكن بصوت منخفض خائف ومرتبك ... ألن تسمعها أبي ؟! قال لها : ( أستحي ... ) !! إذن اقتراف الشعر تاريخ اللحظة وتنَّور الحب الطازج ... الياسمين أول دقائق العشق ، وقطرات الدم ( ذاكرة الجسد ) ! نظر إبراهيم أول مرة إليها من وراء عيون وبدأ أكثر جرأة في تأمل عينيها فقد كانت عيناها حقيبة سفرٍ تتهيأ لرحلة بحرية نحو جزيرة لم تمسسها قدم بحار قط ...! فقال لها بأكثر جرأة ... ياالله ! فاتن إنَّ عينيك أثر عاطفي عريق ...! هكذا حينما نحب دون أن نعلم تصبح رعشة الظل طيف زائر ليلي ، واللقاء قنديل شيخ كفيف ..! كانت عيناها بالنسبة لإبراهيم زمن قد يجيء إذا ينتظر ..
|
|
| |
عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17864 ترشيحات : 33 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: ثلاثة رابعهم قلبهم ... رواية .. ابراهيم وافى 27/2/2010, 15:33 | |
| الظلُ رأفة الشجرة بجذرها ، والعصافير صوت عناق الغصون ... هكذا ظلَّ إبراهيم ذاهلا بعد عودة عائلة خاله إلى البحر ، كوم الرمل الذي أمام الدار محطة الانتظار بات ذابلا ، والظلال خاملة كسولة ، قدر أن ينتمي إبراهيم للرمل حين تنتمي فاتن للبحر .. فالرمل انتظار الغيم المتصاعد من البحر ..ولهذا لم يكن بوسع إبراهيم أن يفعل شيئا غير انتظار عام جديد تزحف فيه عائلته كلها إلى مجاورة البحر ، حين يكون البحر كله فاتن ..! وتكون الغيوم كلها أقرب مسافة إلى الرمل ...! إبراهيم الذي بلغ عامه التاسع أخذ يستحضر ذكرياته مع فاتن ثم يحاورها بصوت مسموع : ( سننتظرك هناك لنعيش معا ، الله يا إبراهيم يكون المو ج عاصفا في ليالي الشتاء التي لا تتساقط نجومها ! ) وسأكون لكِ دافئا كعمق البحر ! ( سأرتِّب لك غرفتك ، فأنا كما تقول أمي ، ( بنت شاطرة ) وسأرتب لك ألف بيت في كتاب خالد .! ( سأطلب من أبي شراء أرجوحة سنلعب بها معا ) ستعلقينني إذا غيمة تقبل الريح بأجنحة العصافير !! فجأة سمع صوت أمه تناديه : إبراهيم هل تحدث نفسك ..! التفت إليها ذابلا وقال لا أدري ! ثم أطرق لداخله صامتا : ( الصمت الحاضر هوذاته عرائش الكلام الذابلة في بوابة الغياب..! والليل الذي ينثر سحره من حكاياتنا، يستمد ضوءه من شمعة أرواحنا التي تحترق .! ليس للسفر إلا زاد المسافر يا أماه .! ذاكرتي ثقيلة جدا في سفر العودة . ونغمة الحضور هي ذاتها طرقات الغياب المفزعة ...! ) يا الله ! أي حالة حب كبيرة على عمر ذلك الصبي إبراهيم .؟! ثم التفت إليها وقال : أماه ! هل كان جدي حسن يحب جدتي فاطمة ؟ قالت ماذا ؟! يحب ؟!! لاااااا ( لستَ طبيعيا ) كانت جدتك من أنقى الناس وأنبلهم ، كانت صادقة الوعد جميلة جدا شعرها ناعم طويل .! قال على حين غلطة ... هل تشبه فاتن ؟!! فضحكت أمه طويلا وقالت له : إبراهيم هل ترغب حين تكبر أن تتزوج بنت خالك فاتن ؟ (خلااااااااص لاتهتم سأخطبها لك ... وتعالت ضحكاتها .......!! ) ( ياااااااااه في كتب العشاق الخالدين لن نجد إلا اولئك المحرومين من اللقاء بسبب حليب العشق الذي رضعوه من ثدي الاحتواء .! ) هكذا نكَّس راسه إبراهيم متضمِّخا بالنشوة والقلق والترقب معا .!! المدن العارية لايؤمها المصلون ! ولهذا ظل أحمد كارها الانتقال إلى مدينة البحر التي يسكنها خال أولاده ( عيد) بالرغم من إعداده للمنزل المجاور له والذي كان قد اقتناه منذ زمن بعيد ، لكن فاطمة أم إبراهيم كانت حريصة جدا على ذلك فلم يتبقَّ من الأهل غير ( عيد ) فقد ظل أبا وأخا وأما حين انقرضت العائلة كاملة ، وفي المقابل كانت فاطمة بالنسبة لــ ( عيد ) في الجانب الآخر كل تلك القبيلة التي انقرضت في الحرب ساعة انسلاخها من هويتها القبلية والدخول في نظام الدولة الواحدة ...! |
|
| |
عبير عبد القوى الأعلامى نائب المدير الفني
عدد الرسائل : 9451 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 17864 ترشيحات : 33 الأوســــــــــمة :
| موضوع: رد: ثلاثة رابعهم قلبهم ... رواية .. ابراهيم وافى 27/2/2010, 15:34 | |
| الحكايا كثيرة حول فاطمة وعيد وأولادهما فهما بمثابة قبيلة متفرِّدة ولهذا كانا يحرصان على التكاثر الذاتي ومن هنا بدأت الإشارات والإيماءات بالتزاوج بينهما لاسيما ومحمد أخو إبراهيم بدأ هو الآخر يخفق قلبه بحب نادية أخت فاتن .. لكن الحكايةالأكثر شغلا لهم جميعا هي حكاية إبراهيم الذي يضرب بيده الرمل فيعشب دهشة ولباقة وفطنة وفاتن التي تحمل الماء في كفيها فتشرب منه العصافير تلك الفتاة المتمرِّدة على نظام القبيلة حتى في اسمها ! من هنا أيضا كان إبراهيم المدلل عند أبيه دافعا كبيرًا للانتقال إلى مدينة النوارس ، بعد أن تخلى عن رعاية ليمونة الضحى وياسمينة الدار وحتى تعلُّق بصره ( بعمته ) النخلة ! لم يعد يعني لإبراهيم كل ذلك شيئا إزاء مجاورة فاتن التي انتقلت من أجلها المدرسة والأصدقاء وثقافة المسجد ومواويل المجرور في رؤس النخيل وتبدَّل كل ذلك بالأصداف والمحارات والأغاني البحرية المهجَّنة ...! إذن انتقلت العائلة إلى مدينة فاتن وأصبح البحر مشرعا للغناء والبكاء معا ، وتبدَّلت الفراشات نوارسَ بألوان مختلفة يجمع بينها بياض الحلم والتحليق في مدارات جديدة وتبَّدلت ديدان الحشائش الخضراء بعوضا جائعا والنسائم المشبَّعة برائحة زهر الحنَّاء رطوبةً واختناقا ، ومع ذلك ظل إبراهيم لايرى في أقواس المدينة وضوضائها وسحنة الوافدين على أرصفتها غير عيني فاتن الساحرتين .! أنهى إبراهيم في القرية مرحلته الابتدائية وانتقل إلى المرحلة الإعدادية في المدينة وبدت عليه قدرة فائقة في قراءة الصوت الشعري وإدراك مخارجه وهذا ما يفسر حرص خاله على اصطحابه لمكتبة أدبية ليشتري ما يشاء من كتب تشبع نهمه الشعري ، فقد جاء إلى خاله بورقة مبللة من مستنقع الشارع وهمّ خاله بتأنيبه عليها فقال له إن فيها أبياتا شعرية جميلة دقائق وأحفظها ثم أُلقي بها في النفاية ...! قال له : القِ بها ...! فصمت قليلا ثم ذهب وألقى بها في النفاية ولكنه كان قد حفظها ... قال له خاله : اذهب واستبدل ملابسك وتعالَ لآخذك إلى المكتبة ، طار إبراهيم فرحا وعاد مسرعا إليه بعدَ أن أن أبدلَ مواقع ( الأزارير ) في ثوبه عجلةً ! حتى ضحك منه خاله ... في المكتبة كانت الكتب عرضة للعيون ، لكن إبراهيم اختار كتابا واحدًا فقط : ( أحلى عشرين قصيدة حب ... لفاروق شوشة ) قال له خاله : فقط هذا ؟ قال : نعم ! ( هل سيجمع إبراهيم عشق عشرين شاعرًا حين يحفظ الكتاب برمته في ثلاثة أيام ؟! بل هل سيكون إبراهيم واحدًا منهم يوما ؟! إبراهيم يكتب الكسرة ببراعة ، لكنه لايؤمن بفاعليتها في مجتمع مدني ، فهي صوت الفلاح المتعب من عرق الضحى حين يأوي لرأس نخلة وهي لثغة الموت الذي اختطف فاطمة جدته من بين سطور جده القوي .! ولعله أراد أن يصبح هذا الكتاب أحلى ( واحد وعشرين قصيدة حب.. لإبراهيم القروي ) ! ولهذا أتم استحضار قصيدة جميل بثينة في ذاكرته :
ألا ليت ريعان الشباب جديد ودهرًا تولى يا بثين يعود
ثم هجس لنفسه :
رأيتُ الفتى يبكي على بعد خله يناجيه بالأحلام وهو بعيد
وكان أول صوتٍ شعري لإبراهيم ...!
كان هذا إعلان مهم جدا عن ولادة شاعر طفل يسكن إبراهيم حين يكون بذاكرة شابة وقوية جدا ... لا سيما وفاتن ارتدت الحجاب ولم يعد لإبراهيم غير مثل هذه الهوامش الوامضة يسجلها على صفحات ( أحلى عشرين قصيدة حب ) ويتبادله معها ليلة بليلة ...!
|
|
| |
|