بعد أن قرأها لم يملك نفسه حتى بدأ يصرخ بأعلى صوته
فلم يعد من حوله احد إلا واستعاذ بالله مما سيحدث
ثم هدئ , وهدئ الجميع من حوله .
نظر إلي كبار قريته وهم ينظرون له نظرة المستغيث فقد أرهقهم الحصار المفروض عليهم من قبل قبائل "بنو هند" , "وبنو سند" .
اغرورقت عينا الحاكم بالدمع , بعد أن نظر لـ "الصندوق" الذي بين يديه
ولكنه تمالك نفسه في الرمق الأخير
ورمى الرسالة من يديه إلى كبار قريته .
جاء الكبار مسرعين لها يقرئوها
وإذا هي تحمل ختم "قرية الهند" , وتحمل ختم "قرية السند" أيضاً
وقد كتب فيها " ربما في المرة القادمة !! "
عادت عيون الكبار للحاكم الذي نحت أطراف كرسيه بأظافره , وهو يقول ويردد "كيف السبيل" ..؟!
جاءه مهرج القرية
يحاول تلطيف الجو من حول الحاكم
ولكن الحاكم لم يكن في مزاج جيد , أمره بالتوقف
توقف مهرج القرية ثم سأل الحاكم عن ما يشغله ..
طرده الحاكم من مجلسه .!
سار لخارج مجلس الحاكم وأنتظر خروج من يعلمه ما يحدث
بعد وقت قليل خرج الجميع من عند الحاكم
تمسك المهرج بأطراف ثياب أحدهم يسأله ماذا حدث .!
لم يكن صاحبنا في مزاج جيد فرمى بالمهرج بعيداً بعد أن سدد له ضربه على انفه ..
كان المهرج لا يعرف ما يدور من حوله فهو ليس من هذه الأرض
فقد كان في رحلة بحرية
غرقت في البحر بعد أن قرر القبطان الانتحار فأحرق السفينة بمن عليها في وسط البحر
نجى صاحبنا من هذه الحادثة , بعد أن رمته الأمواج على أطراف هذه القرية المحاصرة
ولأنه يُجيد ألعاب الخفة فقد أصبح مهرج لكبير القرية وحاكمها .
ولم يمضي على تواجده في القرية سوى ثمانية أيام ولهذا هو لا يعرف أي شيء مما يدور في هذه المنطقة .
نزل إلى سوق القرية يبحث عن الخبر
حتى وجد رجل مسن , وهو ذات الرجل الذي وجده على ضفاف البحر وقدمه للحاكم ..
جلس بجواره وأستحلفه بكل ما هو عزيز عنده أن يخبره عن ما يدور في هذه المنطقة .
نظر الرجل المسن إليه وقال له : يا بني إن قصتنا طويلة , وهمومنا عظيمة , أبقي وعيك معي وأستمع بكل جوارحك فسأحدثك بما يدور هنا .
يا بني قبل عقد من الزمان كنا نسكن في مكان بعيد جداً من هنا
نحن يا بني من "الأندلس" ..
وأظنك تعرف "الأندلس" وتعرف قوة تلك الدولة ومدى شجاعة فرسانها , وقوة جيوشها وعتادها
نحن يا بني نملك جيش لو خرج على أهل الأرض لأفناهم عن بكرة أبيهم .
قبل عشرة أعوام يا بني قرر خليفتنا أن يرسل رجال من دولته
ليسيحوا في الأرض وينظروا في البلاد والعباد , ثم يأتونه بالأخبار
فأن كان على الأرض ظلم رفعناه
وأن كان فيها فسق قطعناه
وأن كان هناك علم أخذناه
وأن كان فيها حرب أخمدناها .
أرسل الخليفة لشعبه بحث عن من يذهب
ووعدنا أن يجزل لنا العطاء , فتجمعنا يا بني نحن وكنا أكثر من ألف وخمسمائة من الرجال والنساء .
لم نكن نريد الحرب, كانت مهمتنا أن نسير في الأرض لمدة عامين من دون أن نقاتل احد
ونرى مافيها ثم نعود بالأخبار لخليفتنا .
انطلقنا يا بني في الأرض نجول فيها .
حتى كادت تنتهي العامين وصلنا لهذه الأرض لم نكن نعرف أي شيء عن من يسكن هنا
سوى أنهما قبيلتان تسكنان هنا .
ما إن أبصرونا حتى ضربوا لنا خيام هنا في موقعنا هذا يا بني
وأكرمونا , ثم وعدونا أن يقدمونا لحكامهم بعد ثلاث أيام .
كان هناك ما يحاك في السر في هذه الأيام الثلاثة فقد لاحظنا يا بني أننا حوصرنا .
فكما ترى نحن في "رأس داخل البحر"
لا سبيل للخروج منها سوى بمصارعة الأمواج أو السير من بين القريتين .
وبعد ثلاثة أيام دخلوا علينا بالقوة وقتلوا خيولنا وبغالنا ثم صلبوا عشرة من اشد رجالنا قوة وقطعوا عروقهم وجعلوا الدماء تسيل منهم حتى ماتوا ..!
كل هذا ونحن ننظر إليهم ..!
نظر المهرج لهذا الرجل الكبير وكان متعجباً جداً مما يسمع ثم قال : يا الله , كل هذا حدث هنا , ولكن ماذا كانوا يريدون منكم , ولماذا فعلوا هذا ...؟!
عاد الشيخ للحديث وقال : يابني لم نفهم لماذا فعلوا هذا حتى أحذو أميرنا في رحلتنا وأوسعوه ضرباً وركلاً ثم عادوا به إلينا وجمعونا في صعيد واحد ....
ثم قالوا : من أراد منا العيش فسوف يعمل في هذه الأرض لخدمتهم !
وأن من لم يفعل فأنه سيجد ما وجده أميرنا هذا ان لم يجد "القتل والصلب" .
يابني لقد جعلونا نعمل في الصيد والزراعة والرعي , وهم يأخذون منا ما نجده ويعطوننا فتات منه لنعيش يا بني فقط ونخدمه .
سأل المهرج : وأين جيوش بلادكم ؟
قل الشيخ : يابني لو علمت بلادنا عنا لجاءوا من كل مكان وأخذوا لنا عزتنا وأفنوا هذه القريتين بمن فيها .
ولكن يا بني أنت ترى أن الأرض لا يوجد فيها مخرج سوى من طريق واحد وهذا الطريق يقع بين القريتين وهم يفرضون حصار علينا ...
والبحر عظيم الأمواج ونحتاج لسفن كبيرة للإبحار فيه وهو ما حاولنا فعله ولكنهم كانوا يأتون في كل مرة ويحرقونها مع احد رجالنا .
سكت المهرج قليلاً ثم قال : وما قصة الرسالة , والصندوق الذي كان مع كبيركم اليوم .؟
قال الشيخ : حاول احد رجالنا أمس التسلل من بين القريتين ولكنهم امسكوه وقطعوا رأسه ووضعوه في صندوق وأرسلوه لحاكمنا مع الرسالة التي رأيت .
أطرق المهرج قليلاً ثم قال :عندي الحل الذي سيخرجكم من هذه الأرض .
ضحك المسن حتى كاد يقتله السعال ثم قال : " الله يخلف "
قام المهرج من جوار المسن وسار حتى وصل للحاكم وقال أنا عندي الحل .
كاد الحاكم يأمر بقتله لأنه ليس في مزاج يسمح له بأخذ كلام من مهرج
ولكن المهرج حلف بكل غالي عنده انه يملك الحل
وقال أنه مستعد أن يُـقتل إن لم يجدي حله نفعاً
سأله الحاكم : وماهو الحل الذي جئتنا به .
قال المهرج : لنجعلهم يقاتلون بعضهم ..!
الحاكم : وكيف يا عبقري زمانك !!
قال المهرج : "كرة القدم" .
نظر الحاكم للمهرج نظرة قد ملأتها السعادة حتى دمعة عين الحاكم وقال : أين كانت هذه الفكرة عنا منذ عشرة سنين أين ...
الأحداث التالية :
اليوم الأول
اقامت ملعب بين القريتين .
بعد أسبوع
يتواعد بنو هند وبنو سند لإقامة مباراة بينهم بعد شهر .
بعد أسبوعين
الجميع يتكلم عن المباراة , وقد بدت البغضاء تتسلل لقلوبهم .
بعد شهر
بدأت المباراة
بعد تسعين دقيقة من بداية المباراة
نزول الجمهور للملعب , شجارات عنيفة , قتال بأسلحة خفيفة .
بعد أربع ساعات من بداية المباراة
أول حالة وفاة .
بعد يوم من المباراة
يشتد الموقف بين القبيلتين , وتنتهي أيام الصداقة وتبدأ ساعات الانتقام ويبدأ القتال بينهم .
مما ساعد على هروب شعب الأندلس بعد حصار دام عشرة أعوام .
بعد شهرين
جيش بلاد الأندلس يعود للموقع للانتقام فلا يجد احد على قيد الحياة .
عجبتني ونقلتها