لم تكن علاقات الشراكة في عالم المال والأعمال بتلك الأهمية التي هي عليها اليوم في ظل ما تشهده الأسواق العالمية من منافسة حادة فرض على الشركات التعاون لتقديم كل ما هو جديد ومبتكر وهو احد العوامل الرئيسية لجذب أكبر عدد من العملاء.
وعند الشروع في مشروع الشراكة لابد في بادئ الأمر من دراسة الشراكة بين الجهات بعناية فائقة، ومن ثم اتخاذ قرار الشراكة أو عدم الشراكة حسب أولويات كل جهة ومدى مساهمة المشروع أو المبادرة المقترحة في تحقيق أهدافها قرباً أو بعداً، ولكن المقلق في الأمر انه في ظل ضرورة قيام مثل تلك الشراكات فإن معدلات الفشل وصلت إلى مرحلة حرجة.
وهذا يدعونا إلى توضيح العوامل التي أدت إلى فشل بعض الشراكات، والعوامل التي ساعدت بعض الشركات في عقد شراكات ناجحة مع بعضها البعض متجاوزة حدود المكان، هذا النجاح الذي لا يقتصر على النجاح المهني فحسب بل يمتد ليشمل النجاح الإنساني حيث وجد أن أطراف الشراكة تلك تبني علاقات طيبة وطيدة طويلة الأجل حتى بعد انتهاء عقد الشراكة فيما بينها.
وفي مستهل الحديث عن الشراكة لابد من تعريف ماهية الشراكة والتي يقصد بها اجتماع شخصين أو شركتين أوأكثر أما السمة الرئيسية للشراكة فهي أنها ترتب على كل طرف، بصفته شريكاً، مسؤولية مالية، ولا يشترط توفير أي رأسمال أدنى للمباشرة بالأعمال غير أن الشركاء مسؤولون شخصياً عن التزامات الشركة، باختصار هي عمل مكثف يتبادل فيه الشركاء المعلومات مع بعضهم البعض حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعمل أحدهم بمفرده، وخير مثال على ذلك شركات الهواتف المتحركة التي قد يحدث أن تتعاون مع غيرها من الشركات الأخرى لتقديم خدمات إضافية تسهم بشكل كبير وفعال في تطوير منتجاتها، كوجود شركة لتحسين الغلاف الخارجي للهاتف وشركة أخرى لإنتاج البطاريات، وهكذا. ويحدث في بعض الشراكات أن كل طرف يحتفظ بمعلوماته بشكل سري بعيداً عن أعين الشريك الآخر ولكن الأطراف جميعها تعمل بشكل سلس ومتوازن في سبيل تحقيق الأهداف المرجوة من تلك الشراكة، إلا أن هذا الأسلوب أو غيره من الأساليب المعروفة في هذا النوع من العلاقات لا يكتب له النجاح ما لم يتم التعرف على المشكلات والحلول المبتكرة التي تواجه هذه المسألة الحيوية، وهذا ما سنتطرق إليه في هذا الموضوع.
إن علاقات الشراكة الناجحة لن تكون ناجحة ما لم يكن هناك عزيمة ورغبة حقيقية في العمل والتقدم وهذا ما يعني أن على الأطراف التعامل بحرية في تبادل المعلومات وطرح الحلول بشكل مشترك أيضاً؛ إن احتفاظ كل شريك بمعلوماته لنفسه يعد مشكلة كبيرة تفسد الشراكة بمجملها، ولنأخذ على سبيل المثال أن إحدى الشركات رغبت بتطوير أحد منتجاتها، ودخلت في تعاون مع شركة أخرى تعلم تماماً أنها هي القادرة على إحداث ذلك التطوير، فتبدأ الشراكة ويتخللها بطبيعة الحال مناقشات عديدة، ويحدث في إحدى تلك المناقشات أن يوضح الشريك الثاني أن هذا التطوير قد يكلف أعباء مالية إضافية ولكن الشريك الأول يهمل مثل تلك التحذيرات ويمضي قدماً في مرحلة تطوير المنتج رافضاً حتى الاستماع للحلول البديلة التي ستوفر عليه المال والجهد أيضاً، مما ينتج عنه خسارة مالية فعلية وقد ينجم عنه خسارة في العلاقات أيضاً، والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو أخذ الشريك الأول بنصائح الشريك الثاني!
إن الإرادة في القيام بعمل شراكة ليس كل شيء، حيث على الشركاء التأكد من توافر عدة أمور منها: التأكد من أن الشركة بكافة موظفيها وإداراتها جميعاً تركز على مبدأ التعاون وعلاقات الشراكة، وتعمل على غرس هذا في نفوس موظفيها وتنميته أيضاً، وهذا ما يعني تعيين الأشخاص المناسبين لتحقيق أهدافها والعمل على تقديم برامج تدريبية لهم. والأهم من ذلك وجود خطة عمل مناسبة لتسيير الشراكة، فعلى سبيل المثال: في حالة الرغبة بإنشاء منزل جديد وجب تعاون المهندسين مع عمال البناء مع مصممي الديكور الداخلي وذلك لإبداء الرأي في كل جوانب البناء، مما يعني تسهيل العمل في تنفيذ منزل رائع بوقت مناسب وتكاليف أنسب، ومن الضرورة مراقبة عملية الشراكة بشكل دائم ومستمر لضمان سير العمل وفق ما هو مخطط له، وبعد الانتهاء من العمل على الشركاء تقييم العمل النهائي من حيث ما تم إنجازه وطبيعة المعوقات التي حدثت خلاله لتحسين الأمر في علاقات الشراكة القادمة. ومن جهة أخرى هناك اعتقاد خاطئ يقف حجر عثرة أمام أي شراكة ألا وهو قيام الشريك بحل المشكلات والأزمات بعيداً عن الشريك الثاني، وهذا خطأ فادح؛ إن إثراء الشريك خاصة لو كان شريك من الخارج بالمعلومات والثقافة المحلية يعمل حتماً على امتصاص المعلومات الجديدة وسهولة معالجة أي مشكلة.
وهذا يجرنا للحديث عن أهمية اطلاع أي شركة على كل ما هو جديد في مجالها ليسهل من عملية إدارتها، خذ مثلاً وجود شركتين اشترتا نظاماً جديداً لإدارة المستودعات من شركة ثالثة؛ الشركة الأولى تملك مستودعاتها الخاصة والتي تديرها بنفسها منذ زمن طويل في حين أن الشركة الثانية لا تدير مستودعاتها بنفسها بل موكلة الأمر لإحدى الشركات المتخصصة، وهذا يعني أن الشركة الأولى ستجد أن نظام المستودعات الجديد سهل للعمل عليه في حين أن الشركة الثانية ستجد صعوبة لفهم النظام والعمل عليه لأنها لا تتولى الأمر بنفسها.