الثقة ليست التزاماً يفرضه العقل، بل هي أمر وجداني ينبع من القلب، فعندما تعتاد تقدير الآخرين وأخذ آرائهم مأخذ الجد، ستفي بوعودك وتحافظ على التزاماتك، ومن المستحيل أن نرى مؤسسة ناجحة تسودها الثقة إذا كان مديروها لا يحافظون على وعودهم. وليس هناك مدير بلا مرؤوسين وأتباع، والناس لا يتبعون في مؤسساتهم إلا من يثقون به، ولا نبالغ إذا قلنا إن الثقة هي العملة الصعبة التي ينفقها أي مدير ليكون مديراً ناجحاً ذا صوت مسموع، فالثقة هي الدافع الحقيقي وربما الوحيد الذي يدفع بعض الناس لإتباع بعضهم الآخر.
وللثقة أربعة عناصر متصلة وهي: الاحترام والنظام والرؤية الثاقبة والتماسك، ويتعين على أي مدير يرغب في خلق جو من الثقة أن يحترم دور كل عضو من أعضاء فريق العمل أيا كان منصبه، وأن يكون هو نفسه مثالاً يحتذيه الجميع بمحافظته على وعوده والتزاماته وحرصه على تنفيذ المبادئ التي يؤمن بها.
وأن يكون له رؤية واضحة يفهمها الجميع، وأن يتحلى برباطة الجأش في كافة الظروف والأوقات، ويعلم الجميع أن الثقة تبنى على أساس المحافظة على العهود والالتزامات وأنه كلما تحقق ذلك كلما ارتفع رصيد الثقة.
وهناك ثلاثة أنواع من الثقة: النوع الأول هو الثقة المهنية وتبنى عندما تراعي الالتزامات وتحترم الوعود، فعندما تتوافر هذه الثقة ينصب التركيز على الإنتاج لا الخوف والدفاع عن المصالح وإدارة الصراع.
النوع الثاني هو الثقة الشخصية وتتحقق عندما تمتزج المحافظة على الوعود والالتزامات باحترام آراء الأطراف الأخرى وتقدير أحلامهم وإمكانياتهم، والمؤسسات والشركات التي تعمل بهذه الروح من الثقة تعتبر بيئة عملية يحرص الجميع على التواجد فيها بحماس كل صباح.
والنوع الثالث هو الثقة الكاملة وتضيف إلى مراعاة الالتزامات واحترامها جوانب الإخلاص والمعتقدات والآراء المشتركة، وما أن تسود الثقة حتى يصبح الحوار أكثر سهولة ويسر حيث يحترم الموظفون الأفراد الآخرين ويفهمون نواياهم، وتصبح عملية اتخاذ القرار أسهل وأسرع فعندما تسود الثقة لا تكون هناك حاجة ملحة إلى التحليلات الدقيقة، بل ينمو هذا الجو من الوفاق لأن كل شخص سيقوم بالمهام المنوطة به بالفعل، وترتفع بفضل هذه الثقة المتبادلة كفاءة المؤسسة وإنتاجيتها. ويتحقق التعاون المنشود إذ سيشارك الجميع بجهودهم في إنجاح العمل وتحقيق أهداف المؤسسة.
وتصبح الثقة بهذا الشكل رصيداً ورأس مال حقيقياً للمؤسسة بل وقوة دفع حقيقية، وهذا ما يسمى على صعيد المجتمع ''رأس المال الاجتماعي'' ويسمى على صعيد المؤسسات ''رأس المال التنظيمي'' وقوامه ثقافة المنظمة وسلوك أفرادها.
وفي ظل الثقة يذكر موقف ''جاري بارون'' مساعد رئيس شركة ''ساوث وست'' للطيران عندما استوقف بعد أحد الاجتماعات مدير الشركة التنفيذي ''هارب كيلر'' لمناقشته في أمر إعادة التنظيم الشامل وهيكلة إدارة الصيانة بالشركة والتي تقدر مصروفاتها بحوالي 70 مليون دولار. وسلم بارون لكيلر تقريراً من ثلاث صفحات، أخذ المدير التنفيذي الخطة وقرأها على الفور ثم علق بأنه هناك نقطة واحدة فقط يجب مناقشتها، فقال بارون بأنه كان مهتماً بها وكان يفكر في هذه النقطة بالتحديد، فأجابه ''كيلر'': ''حسناً اترك هذا الأمر لي''، فقال له بارون: ''ابدأ التنفيذ'' ولم يستغرق الحوار أكثر من أربع دقائق ولكن الملاحظ أن هذا الرئيس كان موضع ثقة مطلقة عند موظفيه.