الإتحاد - هدية سالم:
تخضع جميع أعمال البشر لموضة تغيير باستمرار، وقطاع الأعمال والإدارة ليس استثناء من ذلك. فالإدارة أسلوب يعتمد على شخصية الإنسان الإداري ونفسيته والمحيط الذي ترعرع فيه إلى جانب المستوى الثقافي. وهناك معتقد منتشر بين الأوساط يتلخص في أن الإدارة مجموعة من النشاطات المرتبطة بالعقل والمنطق يحدد في إطارها المديرون القضايا ويقيمون الخيارات ويختارون أفضل الحلول بما يتناسب مع الواقع، ولكن الحقيقة غير ذلك عندما يشير خبراء الإدارة والأعمال إلى أن الإدارة حالها حال الموضة التي تتغير في كل موسم فتذهب مجموعة الألبسة القديمة وتأتي المجموعة الجديدة، وقد يتم إحياء المجموعة القديمة في موسم آخر لما أثبتته من نجاح وتألق. والحال ذاته في الإدارة عندما نعلم أن تألق أي عمل إداري مرتبط بسلسلة من الأفكار القديمة أو الجديدة أو كليهما.
وبالنسبة للمديرين، يكمن السر في فهم أي من هذه الأفكار يتحول إلى فكرة جيدة يمكن استخدامها مرات ومرات، وما هي الصيحات التي تختفي سريعاً. إن التعرف على الفرق بين الأفكار الجديدة وبين الموضات العابرة ليس أمراً سهلاً، فربما تكون لدى أحد الأشخاص فكرة بسيطة لتحسين الأداء بشكل جذري في مجال معين. وينشأ اعتقاد بأن هذه الفكرة يمكن تكرارها واستخدامها في مجالات أخرى في قطاع الأعمال. وتظهر الكتب والمقالات ويتم تنظيم الندوات عنها. وتقوم بعض الشخصيات البارزة من الرؤساء التنفيذيين بتأييد الفكرة في وسائل الإعلام. وبذلك يتم الترويج للفكرة وتأخذ قوة دفع من تلقاء نفسها.
وهذا ما حدث مع مفهوم ''هندسة إجراءات العمل'' الذي هو عبارة عن مراجعة المنشأة لطرق العمل المتبعة فيها لتحقيق أهدافها، وقد بدأ استخدام إعادة هندسة إجراءات العمل منذ بدايات القرن التاسع عشر، وكان الاسم المتعارف عليها آنذاك هو (تحليل الطرق والإجراءات)، وتم استعمالها للتخلص من الطرق البيروقراطية المستخدمة في تأدية الأعمال الإدارية التي توارثها جيل عن جيل. ويبدو أنها نجحت، وامتدحها الاستشاريون وأثنى عليها التنفيذيون الذين بهرتهم مزاياها، ووصفوها بأنها ''الاتجاه الأكثر حيويةً في عالم الإدارة'' بل وذهبوا أبعد من ذلك عندما قالوا عنها بأنها مؤهلة لإحداث تغيير في ثورة العمل الصناعية.
ومع ذلك وخلال سنوات قليلة ماتت مراجعة هندسة إجراءات العمل تقريباً، بعد أن هجرها ونبذها مؤسسوها وأثبت العكس لكل من تغنى بها في السابق، لما نجم عنها من أخطاء إدارية فادحة، حيث تحولت مراجعة هندسة إجراءات العمل من مبادئ لتحسين الكفاءة إلى أداة لفصل الناس من العمل، عندما أنهت الشركات خدمات فرق عمل كاملة أو أقسام بأكملها لأسباب في الواقع ليس لها أي علاقة بمراجعة هندسة إجراءات العمل، والكارثة في هذه القضية أن المدراء الذين اتبعوا هذا التوجه لم يفعلوا ذلك لأسباب وجيهة وإنما كان ذلك مجرد اتباع للقطيع.
فالفكرة الأساسية كانت جيدة، ولكن هذا لا يكفي فإذا لم يتم تنفيذها بشكل سليم يكون مصيرها الفشل في العادة. لكن الموضة السائدة في ذلك الوقت ذهبت إلى أبعد مما هو مطلوب وأعطت الأولوية للتنفيذ ولم تعط اهتماماً كافياً للتخطيط والتفكير.
والمؤسف قوله إن جزءاً من المسألة يعود إلى عامل نفسي حيث إنه وببساطة لا يرغب أحد أن ينظر إليه الآخرون على أنه متخلف عن الركب، ومثلما يرتدي الناس أحدث ما توصلت إليه دور الأزياء العالمية وخطوط الموضة، كذلك المدراء الذين يقع عليهم الضغط في تطبيق أحدث ما توصل إليه العلم في قطاع الإدارة والأعمال. إن وصفة النجاح في عالم الإدارة بعيدة كل البعد عن مجاراة الآخرين واتباع الموضة فما هو مناسب لي قد لا يكون مناسباً لغيري. وأخيراً قبل أن تقول نعم فلابد من معرفة تبعات وتحديات المهمة الجديدة.