الزبائن وأثرهم في تطور المشاريع الصغيرة والمتوسطة
=========================
يتجنب الاقتصاديون استخدام مصطلح الزبون في كتاباتهم، ولا يعيرون ذلك المصطلح قيمة حقيقية في الدراسات الاقتصادية. وقد يكون معهم حق في عدم الخوض بمثل ذلك المصطلح لما يلفه من تعقيد وعدم ثبات، فالمصطلح يخص إنسان يسمع عن سلعة أو من يقدمها من خلال أصحابه أو من خلال الدعايات المكتوبة أو المذاعة في أجهزة الإعلام، فهو يعاين ويفحص ويفاصل ويفاوض على طريقة الدفع، وقد يعود ويثير مشكلة بمحاولة إعادة البضاعة أو تقديم شكوى على أصحابها.
لكن هل هذا الكلام ينطبق على كل الناس، المشترين والبائعين وفي كل المواسم وعلى كل السلع أو الخدمات؟
===============================
هل الزبون إنسانٌ معروف؟
قد تكون الإجابة بنعم وقد تكون بلا، فسكان عمارة يشترون من (دكان) بجانب العمارة، هم زبائن معروفين، ومجموعة من النجارين يترددون على محل بيع أخشاب ومستلزمات صناعة الأخشاب، سيكونون زبائن معروفين ومحددين في كثير من الأحيان. وهذا ينطبق على مخابز الحارات ومصانع الأعلاف وبعض صالونات الحلاقة وعيادات طب الأسنان أو عيادات الاختصاص، وبعض المطاعم الشعبية الخ.
وقد يكون الزبون غير معروفا، وهذا يحدث في المدن الكبيرة، وعندما يكون البائع أو مقدم الخدمة ـ نفسه ـ غير مُعرف بشكل دقيق، فالأسواق الحديثة (المولات) قد لا يشاهد الموظف البائع أو المحاسب زبونه غير مرة واحدة، وينسحب ذلك على الباعة المتجولون الذين لا يعودون للمنطقة إلا بشكل موسمي، كبائعي (الفريك) الذين يبيعون القمح (المفرك: المشوي) في موسم ما قبل الحصاد، أو بائعي البضائع الرمضانية الخ.
من يفضل البائع أو مقدم الخدمة ( الزبون المعروف أم المجهول؟)
في كثير من الأحيان يفضل الباعة أو المنتجون زبائن معروفين للأسباب التالية:
أ ـ ضمان الزبون في عدم إثارة مشاكل من أي نوع، كتسديد الديون التي قد تبقى في ذمة الزبون، أو التفاهم على بضاعة أو سلعة ظهر فيها بعض العيوب، دون تقديمها للتقاضي.
ب ـ ضمان معرفة حجم المبيعات بشكل تقريبي، على ضوء حجم المبيعات ومدى التزام الزبائن المعروفين.
ج ـ تحديد حجم العمالة اللازمة، على ضوء حجم الزبائن المعروفين، فمخابز الأحياء الشعبية مثلا، تستهلك كميات معروفة من الخبز بزيادة أو نقصان لا تزيد عن عشرة بالمائة، وهنا سيعلم صاحب الفرن، كم يحتاج من العمال في مصلحته.
د ـ يحتاج صاحب المصلحة (البائع أو المنتج) الى هالة من الزبائن الدائمين ليكونوا بمثابة شهادة حسن سلوك لجلب الزبائن الآخرين، فيفرح صاحب مطعم عندما يشاهد كاتبا كبيرا أو مديرا عاما أو فنانا بين زبائنه الدائمين، فهذا سيجلب له المزيد من الزبائن، وكذلك يحتاج أصحاب صالونات الحلاقة (إناثاً، وذكوراً) مثل تلك الهالة الدائمة من الزبائن.
لكن الزبائن الدائمون والاحتفاظ بهم يحتاج الى مزيد من الثبات في نمطية التعامل من حيث جودة وثبات ومواصفات السلعة (مادة، أو خدمة) وطريقة تقديمها. وسنعود الى هذه المسألة لاحقاً.
في حين يفضل بعض المنتجين أو أصحاب المصالح الصغيرة أو المتوسطة، التحرر من ثبات نوعية الزبائن، فيفضل بعض الباعة التعامل مع السواح أو الغرباء أكثر من التعامل مع أناس معروفين، فهذا سيفتح أمامهم الباب للبيع بأسعار أعلى، أو لتقديم خدمات أقل جودة من تلك التي يقدمونها لزبائن معروفين. هذا يحدث مع سائقي (التاكسي) في الأزمات عندما يمرون بالقرب من أشخاص يشكون أنهم يعرفونهم، فيعتذرون عن نقلهم لأسباب واهية، حتى يحظوا بزبون محتاج لنقله وبأي ثمن!
قد تكون أرباح هذا الصنف من المنتجين أو مقدمي الخدمات أعلى من الصنف الذي يلتزم مع زبائن دائمين، لكن هذا الصنف عرضة للهزات أكثر من الصنف المتعامل مع الدائمين.