محمد عبد القوى مشرف
عدد الرسائل : 7866 بلد الإقامة : مصر احترام القوانين : العمل : الحالة : نقاط : 15645 ترشيحات : 10
| موضوع: إشارات قرآنية لظواهر بحرية 6/10/2009, 15:44 | |
| الأستاذ ماهر أحمد صوفي قال الله تعالى مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان )(سورة الرحمن). وبداية لابد أن أذكر علماءنا السابقين الذين اجتهدوا في وضع شروح مفصلة لكل آيات القرآن العلمية التي تتحدث عن الكون والأرض والجبال والبحار، وكذلك عن الإنسان والحيوان والنبات، ويجب أن نذكر لهم بوفاء ما قدموه من علم شكّل لبنة قوية في صرح العلم الحديث. ومن أهم من يجب أن نذكرهم علماء التفسير كالطبري والزمخشري وفخر الدين الرازي وابن كثير، ونذكر من غير علماء التفسير محمد موسى الخوارزمي، عبد الملك الأصمعي، ابن إسحاق الكندي، ابن سينا، أبو بكر الرازي، والمسعودي.. والذين ظلوا منارة للعلم والعلماء في أوربا حتى أوائل القرن العشرين الميلادي. ولقد أدى علماؤنا السابقون بآراء، في تفسير آيات الله الكونية كانت مدخلاً جديداً لتفسيرها في العصر الحديث، هذا العصر الذي امتلك أهله أدوات صناعية ساعدتهم على الاكتشاف والاختراع.. ومع كل هذا بقي البحر مسلكاً غامضاً لكل العلماء السابقين والمحدثين إلى فترة قريبة جداً، بعكس اليابسة لأن اكتشاف مجال البر اليابس كان يعتمد على النظر المباشر في بداية العلوم... ثم لما تقدم العلم في العصر استطاع العلماء الدخول في مجاهل البحار بما لديهم من أدوات حديثة متطورة واكتشفوا بعض أسرارها. وكان مما اكتشفه العلماء هذا الاكتشاف البحري المدهش الذي ساعدنا في معركة سر هاتين الآيتين الكريمتين من (سورة الرحمن) وهذه بعض مفرداتهما: المرج: ذهاب وإياب واضطراب المياه أي بحرين متجاورين، وقال ابن عباس: " مرج البحرين " : أي ارسلهما. البحران هما : المالحان المتجاوران، مثل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي. يلتقيان: يتقاربان دون اصطدام أو احتكاك. بينهما: ظرفية مكانية، أي المنطقة الفاصلة للالتقاء. برزخ: حاجز من قدرة الله. لا يبغيان: هما البحران المالحان المتجاوران. لا تستطيع مياه أحدهما أن تدخل مياه الآخر، لوجود الحاجز (البرزخ) بأمر من الله (فبأي آلاء ربكما تكذبان ): فبأي البراهين والحجج تكذبون ربكم وتكفرون به، وهو الذي مرج البحرين ووضع بينهما حاجزاً يمنع اختلاطهما (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان): يخرج من البحرين المالحين معادة وجواهر، مثل اللؤلؤ والمرجان، تستخدمونها حلية وزينة. قول الله تعالى مرج البحرين يلتقيان) يمثل إحدى آيات الله المعجزات، وهو يحتوي إشارة مؤكدة، وإن لم يتوسع القرآن في بيانها أو إيضاحها، بل ترك اكتشافها وبيانها للأجيال القادمة. وأول ما يجب قوله في هذه الآية أن البحرين هما بحران مالحان، وليس كما يظن البعض أن الآية تتحدث عن لقاء النهر العذب بالبحر ، فهذا الفهم خاطئ لسببين، أولهما : أن الله قال بعد (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان ): (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان)، واللؤلؤ والمرجان لا يخرجان إلا من البحار المالحة، والضمير في قوله تعالى(منهما) عائد على البحرين في الآية الأولى، وأما الثانية: إن الله لما قصد الحديث عن التقاء البحرين المالح والعذب ذكر في آية أخرى قوله (هو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً)[الفرقان]، فهذه آية تتحدث عن التقاء البحرين العذب والمالح بوضوح تام، ومما يذكر أن هذا كان واضحاً لكثير من العلماء السابقين(أي الفرق بين البحرين في سورة الرحمن، والبحرين في سورة الفرقان). إن تفسير هذه الآية لم يشكل صعوبة بالنسبة لعلماء اللغة ومفسري القرآن، لأن الكلام في تحديد هذا الحاجز، والشعور به شعوراً مادياً، وهو الأمر الذي كان مستحيلاً لهم. كما أن هذه الآية الكريمة تختلف عن آية البحر في (سورة النور) التي يقول الله تعالى فيها: (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب)[النور]. لم يستطع علماؤنا السابقون ـ رحمهم الله ـ بيان هذه الآية من سورة النور بياناً واضحاً، لغوياً أو علمياً، لأنهم كانوا يعلمون بحسب ما تراه أعينهم بوجود موج واحد على سطح البحر، ولكن الله سبحانه هنا يقول : (موج من فوقه موج)، أي بوجود موجين أحدهما فوق الآخر في بحر واحد. تذكر الكتب والمراجع قيام سفينة فضائية بتصوير نقطة التقاء البحرين عند جبل طارق ما بين إسبانيا والمغرب، وما بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وصورت أيضاً نقطة التقاء البحر الأحمر بالمحيط الهادي عند باب المندب بين اليمن وأثيوبيا. وأرسلت تلك السفينة الفضائية الصور إلى العلماء على سطح الأرض ليدرسوها، فوجدوا أن هذه الصور تشير إشارة واضحة إلى وجود حاجز يقع ما بين البحرين، ومن قبل كانت الدراسة تشير إلى وجود بعض الاختلافات المائية في المنطقة الفاصلة بين البحرين، وحياة سمكية مختلفة أيضاً، ولم يتوصلوا إلى كل هذا إلا بعد حصولهم على الصور التي التقطها سفن الفضاء.
صورة صورت بالأقمار الصناعية لمضيق جبل طارق نلاحظ أن المياه الفاصلة بين المحيط الأطلسي والبحر المتوسطة لونها فاتح وتختلف عن لون المحيط الأزرق الغامق وعن لون البحر المتوسط الأزرق. حضرت البعثات العلمية إلى نقطة التقاء البحرين وحددت المنطقة الفاصلة ما بين البحرين، بحسب الصور المرسلة من السفن الفضائية، فوجدوا عرض المنطقة الفاصلة بين البحرين هو خمسة عشر كيلومتراً.. ووجدوها تحتوي نوع ثالث من المياه، لا هي مياه البحر المتوسط ولا هي مياه المحيط الأطلسي. ووجدوا أن درجة حرارة المياه في المنطقة الفاصلة تختلف عن درجة حرارة البحرين المتجاورين، وخصوصاً نسب الأملاح والمعادن.. كما وجد العلماء اختلافاً في بعض الحيوانات المائية التي تعيش في كل من البحرين.. من أين جاء محمد صلى الله عليه وسلم بهذا العلم، فقد عاش في عصر لا علم فيه ولا حضارة ؟ إنه جاء من عند العليم الخبير، لا من عند نفسه، نقله إلينا من عند الله.. وتدل هذه الاكتشافات العلمية وتؤكد صدق الرسول فيما أبلغ عن ربه وتثبت بما لا يدع مجالاً للشكل أن القرآن كتاب الله أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور)[النور].أو : حرف عطف. كظلمات: الكاف للتشبيه، ظلمات: شدة السواد المعتم الحالك، وهنا تشبيه للظلمات التي يعيش الكافرون بظلمات البحر. في بحر: المقصود بالبحر هنا البحر المالح الممتد الأطراف. لجي: عميق، وهذا لا يكون إلا في أواسط البحار. يغشاه : يعلوه. موج : ومعنى موج : الحركة الدائمة لمياه البحار التي منشؤها التيارات الهوائية والمائية بالبحار، وهو الموج الأول في الأعماق، من فوقه: من أعلاه. موج : موج آخر، والمقصود بالموج الثاني هو الموج الذي على سطح البحار، والتي تراه العين المجردة، بخلاف الموج الأول الذي يغشى ويعلوا البحر الأول من الداخل، وسيأتي تفصيله. من فوقه السحاب: أي فوقه الموج الثاني الذي هو على السطح، والسحاب هو الغيوم التي تنزل المطر.ظلمات بعضها فوق بعض: وهنا كناية عن شدة الظلمات الحالكة السواد، وكأنك في ليل انكدرت نجومه. إذا أخرج يده لم يكد يراها: أي الذي يقف عند هذه الظلمات في ذلك البحر اللجي وأخرج يده ليراها فإنه لا يراها، وهذا أيضاً كناية في التعبير عن شدة الظلمة الحالكة السواد. _(أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج)[النور]:تعاقبت على شرحها وبيانها الأجيال، ومع ذلك لم يصل أحد إلى وضع شرح مفصل واقعي حقيقي لها. وأما جيلنا هذا، جيل القرن العشرين وأوائل القرن الواحد والعشرين، فقد تهيأت له أسباب عظيمة في اكتشاف أمور علمية طال انتظارها لعلمائنا البررة الذين لم يملوا ولم يكلوا سعياً وراء المعرفة والاكتشاف. وأما ما توصل إليه العلم في عصرنا بخصوص هذه الآية القرآنية فإنه يوجد في كل بحر مناطق يكون فيها البحر عميقاً ولجياً[1]، أي تزيد مياهه في ارتفاعها عن القاع 1000م، أي حوالي كيلومتر واحد، وقد يصل إلى 2000م، وهذه هي المنطقة التي وصفها القرآن بهذه الآية، وكل منطقة أخرى من البحر لا علاقة لهذه الآية بها. وأول المكتشفين لهذه المنطقة العميقة من البحر يقولون: إنهم كانوا البحارة الاسكندنافيين، وقد اعتبروها مفخرة لهم فأخذوا يباهون بهذا الاكتشاف. إذا فالبحر اللجي عميق، ويزيد عمقه عن 1000م أو 2000م. يقول العلماء: إنه في هذا البحر العميق، وعلى عمق 200ـ 500م، يوجد موج داخلي، وكأنك على سطح البحر، تماماً.. كان هذا هو الاكتشاف الأول وقد وجد هذا الموج واكتشفه البحارة القدامى الاسكندنافيون، وتتابعت الاكتشافات العلمية والدراسات البرية والبحرية والكونية. والمهم في الآية القرآنية هو أن الله يشبه ظلمة البحر الكثيفة هذه بظلمات يعيشها الكفار، فكيف تم هذا التشبيه الإلهي؟ ومن أين أتت أولاً هذه الظلمات الكثيفة لهذا البحر الذي يشبهه الله بالظلمات المتراكمة فوق بعضها بظلمات الكفر؟ فالله سبحانه حينما يقول : (ظلمات بعضها فوق بعض)، جمع وليس مثنى أو مفرداً، إذاً هي : 1.ظلام البحر اللجي الكامل المطلق. 2.ظلام البحر السطحي شبه الكامل. 3.ظلام البحر الواقع بين السحاب وسطح البحر الثاني الذي هو على السطح. فأنت أمام ثلاث ظلمات شديدة حالكة تختلف في النسبة والدرجة، ولكنها ثلاث ظلمات بعضها فوق بعض، كما وصف القرآن الكريم بمنتهى الدقة.. وأنت أيها الإنسان إن كنت في وسط هذه الظلمات وأردت إخراج يدك ورفعها لتقترب من وجهك، فإنك لا تراها أو تكاد تراها، وفي هذا تعبير رائع عن شدة الظلام والحلكة القاتمة السواد، وهذا تشبيه تمثيلي رائع كما أن في التعبير كناية عن شدة الظلمة.
|
|