نونية ابن خلدون في الغزل بولادة بنت المعتضد
أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْلاً مِنْ تَدانِيْنا---- وَنَابَ عَنْ طِيْبِ لُقْيَانَا تَجَافِيْنَا
ألا وقد حانَ صُبح البَيْنِ صَبَّحنا---- حِينٌ فقام بنا للحِين ناعِينا
مَن مُبلغ المُبْلِسينا بانتزاحِهم---- حُزنًا مع الدهر لا يَبلى ويُبلينا
أن الزمان الذي ما زال يُضحكنا---- أنسًا بقربهم قد عاد يُبكينا
غِيظَ العِدى من تساقينا الهوى فدعوا---- بأن نَغُصَّ فقال الدهر آمينا
فانحلَّ ما كان معقودًا بأنفسنا---- وانبتَّ ما كان موصولاً بأيدينا
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاءَ لكم---- رأيًا ولم نتقلد غيرَه دينا
ما حقنا أن تُقروا عينَ ذي حسد---- بنا، ولا أن تسروا كاشحًا فينا
كنا نرى اليأس تُسلينا عوارضُه ---- وقد يئسنا فما لليأس يُغرينا
بِنتم وبنا فما ابتلت جوانحُنا---- شوقًا إليكم ولا جفت مآقينا
نكاد حين تُناجيكم ضمائرُنا ---- يَقضي علينا الأسى لولا تأسِّينا
حالت لفقدكم أيامنا فَغَدَتْ ---- سُودًا وكانت بكم بيضًا ليالينا
إذ جانب العيش طَلْقٌ من تألُّفنا ---- وموردُ اللهو صافٍ من تصافينا
وإذ هَصَرْنا غُصون الوصل دانية ----- قطوفُها فجنينا منه ما شِينا
ليسقِ عهدكم عهد السرور فما ---- كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
لا تحسبوا نَأْيكم عنا يُغيِّرنا ----- أن طالما غيَّر النأي المحبينا
والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً ---- منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ فاسق به ---- من كان صِرفَ الهوى والود يَسقينا
واسأل هناك هل عنَّي تذكرنا ----- إلفًا، تذكره أمسى يُعنِّينا
ويا نسيمَ الصِّبا بلغ تحيتنا ----- من لو على البعد حيًّا كان يُحيينا
فهل أرى الدهر يَقصينا مُساعَفةً ---- منه ولم يكن غِبًّا تقاضينا
ربيب ملك كأن الله أنشأه ---- مسكًا وقدَّر إنشاء الورى طينا
أو صاغه ورِقًا محضًا وتَوَّجَه ----- مِن ناصع التبر إبداعًا وتحسينا
إذا تَأَوَّد آدته رفاهيَة ----- تُومُ العُقُود وأَدْمَته البُرى لِينا
كانت له الشمسُ ظِئْرًا في أَكِلَّتِه ---- بل ما تَجَلَّى لها إلا أحايينا
كأنما أثبتت في صحن وجنته ----- زُهْرُ الكواكب تعويذًا وتزيينا
ما ضَرَّ أن لم نكن أكفاءَه شرفًا ----- وفي المودة كافٍ من تَكَافينا
يا روضةً طالما أجْنَتْ لَوَاحِظَنا ----- وردًا أجلاه الصبا غَضًّا ونَسْرينا
ويا حياةً تَمَلَّيْنا بزهرتها ----- مُنًى ضُرُوبًا ولذَّاتٍ أفانِينا
ويا نعيمًا خَطَرْنا من غَضَارته ----- في وَشْي نُعمى سَحَبْنا ذَيْلَه حِينا
لسنا نُسَمِّيك إجلالاً وتَكْرِمَة ----- وقدرك المعتلى عن ذاك يُغنينا
إذا انفردتِ وما شُورِكْتِ في صفةٍ----- فحسبنا الوصف إيضاحًا وتَبيينا
يا جنةَ الخلد أُبدلنا بسَلْسِلها ----- والكوثر العذب زَقُّومًا وغِسلينا
كأننا لم نَبِت والوصل ثالثنا ----- والسعد قد غَضَّ من أجفان واشينا
سِرَّانِ في خاطرِ الظَّلْماء يَكتُمُنا ----- حتى يكاد لسان الصبح يُفشينا
لا غَرْو فِي أن ذكرنا الحزن حِينَ نَهَتْ ----- عنه النُّهَى وتَركْنا الصبر ناسِينا
إذا قرأنا الأسى يومَ النَّوى سُوَرًا ----- مكتوبة وأخذنا الصبر تَلْقِينا
أمَّا هواكِ فلم نعدل بمنهله ----- شِرْبًا وإن كان يروينا فيُظمينا
لم نَجْفُ أفق جمال أنت كوكبه ----- سالين عنه ولم نهجره قالينا
ولا اختيارًا تجنبناه عن كَثَبٍ ----- لكن عدتنا على كره عوادينا
نأسى عليك إذا حُثَّت مُشَعْشَعةً----- فينا الشَّمُول وغنَّانا مُغَنِّينا
لا أَكْؤُسُ الراحِ تُبدى من شمائلنا ----- سِيمَا ارتياحٍ ولا الأوتارُ تُلهينا
دُومِي على العهد، ما دُمْنا، مُحَافِظةً ----- فالحُرُّ مَنْ دان إنصافًا كما دِينَا
فما اسْتَعَضْنا خليلاً مِنك يَحْبسنا ----- ولا استفدنا حبيبًا عنك يُثْنينا
ولو صَبَا نَحْوَنا من عُلْوِ مَطْلَعِه ----- بدرُ الدُّجَى لم يكن حاشاكِ يُصْبِينا
أَوْلِي وفاءً وإن لم تَبْذُلِي صِلَةً ------ فالطيفُ يُقْنِعُنا والذِّكْرُ يَكْفِينا
وفي الجوابِ متاعٌ لو شفعتِ به ----- بِيْضَ الأيادي التي ما زلْتِ تُولِينا
عليكِ مِني سلامُ اللهِ ما بَقِيَتْ ----- صَبَابةٌ منكِ نُخْفِيها فَتُخفين