أبو ظبي (مدينة ـ)
مدينة أبو ظبي حاضرة إمارة أبو ظبي البالغة مساحتها 67340كم2، وعاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة [ر]. تقع على جزيرة مثلثة تتوسط الساحل الشمالي لدولة الإمارات على الخليج العربي، وتشرف على جبهة بحرية ضحلة تكثر في غربيها الشطوط الرملية، وتكاد تلامس اليابسة من جهة الشرق، ويتصل رأسها بالبر عن طريق جسر المَقْطَع القديم وجسر العين الحديث. يرجع تاريخ الجزيرة إلى ما يقرب من 3000 سنة ق.م، كما دلت الحفريات الأثرية في جزيرة أم النار المجاورة لها والتي أثبتت وجود علاقات تجارية لها مع شبه القارة الهندية. ومنذ ظهور الإسلام، ارتبط تاريخ أبو ظبي بتاريخ الدولة العربية الإسلامية عامة وتاريخ منطقة الخليج خاصة. أما تاريخ المدينة الحديث فيبدأ بعد تخلص منقطة الخليج من القوات البرتغالية الغازية على أيدي الأئمة اليعاربة. ويرجح هجرة قبيلة بني ياس إليها إبان هذه المرحلة بزعامة آل نهيان، حكام البلاد الحاليين، عام 1761، بعد أن عثر أحد أفراد القبيلة على الماء العذب والظباء فيها، وقد اشتق اسم الجزيرة منها. وفي عام 1793 أقام فيها الشي ذياب بن عيسى، الابن الأكبر لآل نهيان حصنه ومقر حكمه الذي مازال ماثلاً حتى الآن.
لم تكن المدينة في أول نشأتها أكثر من قرية متواضعة من قرى الصيد وقُدِّر عدد سكانها في بداية القرن الحالي بنحو 6000 نسمة، وكانت بيوتها تتألف من سعف النخيل مع عدد قليل من البيوت المبنية من الحجارة، بالإضافة إلى قلعتها القديمة وسوق الهنود القريبة منها، وقد نمت المدينة نمواً بطيئاً جداً على طول جبهة بحرية شرقية غربية تمتد كيلومترين ونصف الكيلو متر، ويقارب عمقها كيلومتراً واحداً وكانت هذه نواة المدينة التي زالت فيما بعد، ولم يبق منها سوى الحصن (القلعة) الذي يشغله الديوان الأميري اليوم.
تقوم المدينة فوق ارض منبسطة لايزيد ارتفاعها على مترين فوق سطح البحر. يتصف مناخها بارتفاع الحرارة والرطوبة صيفاً، واعتدال المناخ وقلة الأمطار شتاءً، وكانت حرفة صيد اللؤلؤ النشاط الاقتصادي الرئيسي الذي يمارسه الأهالي، إذ كان يشتغل بها نحو 85% من مجموع السكان العاملين في المدينة، والبالغ عددهم 55 ألف نسمة.
وترجع البداية الحقيقية لنمو المدينة إلى أوائل الستينات، وإلى عام 1967 بوجه خاص، ابتداءً بمنطقة النواة القديمة المجاورة للبحر وتوسعاً نحو الشرق والغرب، ثم نحو الجنوب. ولكنه كان نمواً عشوائياً إلى حد كبير. وفي عام 1969 وضع للمدينة أول مخطط تنظيمي حديث.
ومن تتبع التاريخ العمراني للمدينة، يلاحظ أنها مرت في مراحل ثلاث، تتفق في جوهرها مع طبيعة نمو معظم أنماط المدن المعروفة، فهي قد نشأت على البحر حول نواة قديمة تحت حماية القلعة. ثم اتسعت المدينة حول هذه النواة، ثم نمت بعض أحيائها متخطية القلعة، وامتدت أخيراً لتشمل قرية البطين الواقعة غربيها، وهي بهذا تحقق نظرية المدينة ذات النوى المتعددة.
وقد أدت عملية الاختلاط بين هذه الأطوار الثلاثة إلى نوع من المزج في مورفولوجية نمو مدينة أبو ظبي واختلاف في وظيفة أجزائها فتحول بعض المناطق السكنية إلى مناطق تجارية وترفيهية وتحول بعضها الآخر من مناطق سكنية فقيرة إلى مناطق سكنية غنية حديثة البناء (منطقة البطين)، وتبدل حال غيرها من مناطق كثيفة السكان إلى مناطق أعمال وتجارة، كما هو الأمر في قلب المدينة.
|
مدينة أبو ظبي اليوم |
يقدر عدد سكان مدينة أبو ظبي بنحو 928360 نسمة يتوزعون على مساحة 7700 هكتار (1995) بعد إضافة الأراضي المستصلحة، وبذلك تبلغ الكثافة الحسابية في الهكتار الواحد 120 نسمة تتضاعف هذه الكثافة تقريباً في المنطقة المركزية في حين تنخفض إلى 20 نسمة في الضواحي السكنية. وقد بلغت الحركة العمرانية التي تشهدها المدينة أوجها في منتصف السبعينات، فتبدل وجهها تماماً وغدت أشبه ما تكون بمدينة غربية عصرية في نمط مبانيها وتنسيق شوارعها وساحاتها وخدماتها.
وجاء تخطيط المدينة العام وفقاً لما يعرف بالمخطط الشبكي الذي تتقاطع فيه الشوارع والطرق المتوازية بالطول والعرض بزوايا قائمة، ومن الطرق الطولية في أبو ظبي طريق المطار التي تمتد من جسر المقطع في الجنوب حتى ساحل الخليج في الشمال، ويصل طول هذه الطريق إلى نحو 15كم. ومن الطرق العرضية طريق الميناء (الكورنيش) التي يزيد طولها على 10كم، وشارع حمدان وامتداده في شارع الحصن وغيرها.
كذلك قسم المخطط المدينة بحسب وظائفها إلى منطقة مركزية ومناطق سكنية ومنطقة صناعية ومناطق مفتوحة وجبانات، فجزؤها الشمالي المجاور للبحر يضم المصارف والمصالح الحكومية وعدداً من الفنادق الرئيسة، فضلاً عن منطقة النواة التجارية التي تضم المساكن والمتاجر ومراكز الخدمات الواقعة على جانبي شارع خليفة وشارع حمدان وغيرهما وهي منطقة النواة القديمة، التي زالت معالمها لتحل محلها العمارات الكبيرة والشوارع الحديثة.
وخارج هذه المنطقة، تنقسم مدينة أبو ظبي سكنياً إلى عدد من الأحياء (يطلق عليها الشَّعبيات)، وتضم أحياء المدينة أنماطاً مختلفة من دور السكن، فمنها البيوت الشعبية، كما هي الحال في شعبية زايد (بين شارعي زايد الثاني والفلاح) التي أقامتها الحكومة بدلاً من المساكن القديمة في المنطقة المركزية، وفي منطقة الظفرة (وتعرف باسم باورهاوس Power House حيث تَشْغَل محطة الكهرباء القديمة جزءاً منها) وفي شعبية الزعابية.
وهناك نمط الدارات المنفصلة الخاصة (الفيلات)، التي تنتشر في أجزاء مختلفة من العاصمة، كما هي الحال في منطقة الخالدية المطلة على الكورنيش في غربي الجزيرة، ومنطقة الفيلات المطلة على شارع الميناء في شمال شرقي الجزيرة. ثم نمط العمارات الصغيرة التي حاول المخططون فيها إبراز الطابع العربي المحلي، بتبني الأقواس البارزة على الواجهات الخارجية، كما يتضح على امتداد شارع المطار. وأخيراً نمط العمارات الكبيرة، الذي يتجلى في المنطقة المركزية، وعلى جانبي الشوارع الرئيسة، والذي تبناه المخططون وطوروه لحل أزمة السكن.
أما المنطقة الصناعية، فقد كانت في الجزء الجنوبي الغربي من الجزيرة، على امتداد طريق المطار بجوار المنطقة القديمة من المدينة، مختلطة مع الأحياء السكنية، وهي تشمل المحلات (الورشات) والمؤسسات الصناعية الصغيرة. لكن المخطط الجديد نقلها إلى منطقة المصفح في الشمال الشرقي من الجزيرة، وتشمل هذه المنطقة مئات الورشات الصغيرة الخاصة بإصلاح السيارات ومصانع الأثاث والخراطة وغيرها، وهناك أيضاً منطقة صناعية أخرى في الشمال الشرقي من الجزيرة، توجد فيها محطة تحلية المياه وتوليد الكهرباء، وأخرى إلى الشرق من منطقة الظَّفرة، فيها مصنع الإسمنت ومحطة الكهرباء القديمة.
وفي الجنوب الغربي من الجزيرة تقوم المدينة الرياضية والمناطق المفتوحة الأخرى والجزر الخضراء التي تعد مظهراً بارزاً في معظم شوارع المدن الرئيسة، وحدائق قصر المَنْهل، ومنطقة الخزّان في غربي الجزيرة، وحديقة المطار، بالإضافة على أراضي السباق وملاعب الأندية الرياضية المنتشرة هنا وهناك. وكان السكان يعتمدون الآبار السطحية على مقربة من المدينة لتوفير مياه الشرب، لكن مياهها لم تكن من نوعية جيدة. وكانت الخطوة الأولى لحل هذه المشكلة هي إنشاء محطتين لتحلية مياه البحر، وتلتها الخطوة الثانية، وهي نقل المياه الجوفية من منطقة بعيدة واقعة إلى الغرب من مدينة العين، وهي منطقة السّاد بو سمرة، التي حُفر فيها عدد كبير من الآبار على دفعات مختلفة، ويصل ماؤها إلى أبو ظبي نحو (مليوني غالون يومياً) إلا أن ذلك لم يكن كافياً، فدعت الحاجة إلى العودة لتحلية مياه البحر من جديد.
وواكب التطور الكبير في المدينة تطور في إنتاج الكهرباء اللازمة للإنارة وأغراض الصناعة، وقد بلغت الطاقة الكهربائية المولدة فيها ما يقرب من 600 مليون كيلو واط في عام 1975، وارتفعت إلى أكثر من 1000 مليون كيلو واط في عام 1985.