فمن أنبأك أن أباك ذئبا

الطبع ... المعدن ... الجوهر ... ومفردات أخرى ، هي مترادفات لمعنىً واحد هو ما جبل عليه الإنسان من كرم أو لؤم...

والكرم هو لفظ جامع لكثير من الخيرات ، ولا يقتصر على كرم المال والبذل والسخاء ...

فتجد الناس يقولون مثلاً : فلان كريم الحسب والنسب ، وفلان كريم الأخلاق ...

والكريم عند العرب هو الشريف السخي الخلوق الشجاع الشهم ذو المروءة والنجدة ...

واللؤم هو باختصار عكس كل ذلك ...

فهل يولد البشر ويولد معهم طبعهم أو معدنهم أو جوهرهم كرماً كان أو لؤماً ؟

أم أن الكرم واللؤم صفات مكتسبة قابلة للتغير والتحول تبعاً للعوامل المتغيرة في هذه الحياة ؟

وهل من سبيل للئيم أن يصبح كريماً ... أو للكريم أن يصبح لئيماً ؟

إن فكرة معادن الناس هي فكرة لم يعارضها الدين بل أكد عليها ، وقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

" من أكرم الناس ؟ " فقال : " ذلك أخي يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي "

فقالوا : " ما عن هذا نسأل يا رسول الله " فأجاب -عليه الصلاة والسلام- : " أفعن معادن الناس تسألونني ؟

خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا "

وتواجهنا إشكالية مهمة ، وهي أنه إذا كان ذلك كذلك ، فإن الناس ليسوا متساوين في استعدادهم للخير والشر ...

وهو الأمر الذي يشهد به واقع الحال ، فالحالات التي خرج فيها شخص صالح كريم من وسط بيئة فاسدة ، والعكس

كثيرة غير خافية ...

وإذا واصلنا التأمل في المسألة فقد نصطدم بجدلية الجبر والاختيار أو التسيير والتخيير التي ناقشها القدماء ...

وهل تفلح النظريات التربوية ، وعلوم الأخلاق والسلوك ، وعلم النفس في التعامل مع صاحب المعدن السيء والطبع

الرديء ... وما مدى تداخل الموروثات والمولودات والمكتسبات في الشخصية البشرية ...

وقديماً حكى بعضهم قال :

دخلت البادية فإذا أنا بعجوز بين يديها شاةٌ مقتولة ، وإلى جانبها جرو ذئب ، فقالت : أتدري ما هذا؟ فقلت : لا ،

قالت : هذا جرو ذئب أخذناه صغيراً وأدخلناه بيتنا وربيناه ، فلما كبر فعل بشاتي ما ترى وأنشدت :

بقرت شويهتي وفجعت قومي*** وأنت لشاتنـا ابـن ربيـب
غُذِيت بدرها ونشأت معهـا *** فمن أنباك أن أبـاك ذيـب
إذا كان الطباعُ طباعَ سـوءٍ *** فـلا أدبٌ يفيـد ولا أديـب

منقول