صندل أحمر/رؤية للعالم تفيض بالبهجة والألفة .حلمى

صندل أحمر " رؤية للعالم تفيض بالبهجة والألفة .
حلمي ياسين

البساطة وروح الدعابة مع قدر كبير من السخرية هي سمات مميزة لمجموعة " صندل أحمر " للقاص والروائي سميرالفيل. تلك هي المجموعة السابعة له ، وهو يتتبع عمود الحكي بشيء من الدقة والرصانة منسابا مع ذكريات طفولته البعيدة . لا تعني فترة الطفولة البراءة فقط بل كشف المرئيات وفهم ما وراء السطح الساكن. إن أغلب شخصيات النصوص ـ وأظنها تمس من بعيد قالب السيرة الذاتية ـ تعيد طرح الأسئلة الكبرى عبر مواقف إنسانية بسيطة تعلن عن خواء العالم وفقدان براءة الأشياء .
بطل المجموعة هو الولد " فلفل" الذي يعمل في محل أحذية وعبر مواقف ومجاهدات يكتشف أشياء لم تكن تخطر له على بال ، ويعيش الحياة في بهجة مطلقة رغم ما يراه من جوانب نقص وافتقار وقلة حيلة. ربما البشر يستحقون الرحمة على تحملهم تلك العثرات الروحية والمكابدات النفسية التي يسوقها القاص بشيء من العطف والحنان حين يرنو للأفق على اتساعه فيرى الضوء يملأ ذاته فيحدب على الأصدقاء ويلتمس لضعفهم الأسباب .
إنه يدرك كم هو العالم مرتبك وظالم عندما يرى الإسكافي الفقيريتقاسم النقود القليلة مع المرأة التي جاءت لترتق حذائها فلما يسأله الصبي عن السبب فيما فعله يردد عبارة بسيطة معناها أن " ربك يرزق الدود في الحجر" ( عم جمعة ).
أما المحامي الشاطر الذي يعمل بالنقض فقد كان هو المثل الأعلى للصبي ، ويحتار الصغير حين يصعد طوابق البيت ،فتقع عينه على الهانم المطلقة تركب الأستاذ ، والموسيقى تنساب هادئة فيدرك أن ثمة خلل في هذه الحياة . لكن الغريب في الأمر أنه يبتسم وهو يهبط درجات السلم ويردد أغنية مشحونة بالسخرية " عم عنكب .. شد وأركب" ( طبق الفول ) .
يسعى القاص لتنحية الرؤية الأحادية ويغوص في عوالم الشخصيات فيكشف عن المعدن النفيس النادر الذي يختفي وراء السطح الصلد الجامد . تتراوح عملية البناء الفني بين سرد محكم ووصف متماسك فيما يحفر الكاتب بدأب وصبر عن القيمة فيما وراء الحدث .
إن عم مسعود قشطة الذي فقد ساقه في حرب السويس يكشف عن إنسانية مفقودة وروح مترعة بالعذوبة فيدرك الصبي استحالة الاكتمال (ساق وحيدة) .
وفي ( اللكلوك) شجار بين زوجة وبعلها صاحب العين الزائغة يكون فيها الرضيع حاضرا ، فتتكفل وأوأته في تخفيف حدة الشجار ويتحول الموقف من صدام علني إلى عتاب رقيق. إن القاص ينجح دائما في اقتناص اللحظة ، وعبر توترها يمتلك القدرة على دفع الحدث إلى الذروة لتتهادى النهاية بصورة أقرب للحكمة التي تظلل الحياة وتجعلها محتملة. فالفتاة تدخل المحل لتختار صندلا جديدا ومن وراء زجاج الفترينة ينشأ حديث بالإشارات واللفتات ويعلن القلب الفتى عن فرحته بذلك الحب البريء ( صندل احمر ) .
وعلى النقيض من ذلك تحضر شخصية الحاج خليل البطاحي التي تبدو طوال الوقت على النقيض من تلك المشاعر الدافئة التي يغمرنا بها القاص في وحداته السردية التي تتجه أحيانا للكلاسيكية . والبطاحي بخيل ،وسواس ، يلعب على النساء ، ورغم امتلاكه للمال إلا أن الصبي لا يحبه ويجد في أوامره ونواهيه قهرا لكل الأشياء الحلوة.
ومن بين اللقطات المعبرة التي يسوقها سمير الفيل في نصوصه شخصية الأسطى داحس الذي يقترن بفتاة صغيرة السن ، يصطحبها للمحل ليشتري لها " حذاء مقفول " يخفي قدميها فيما هي تتطلع لصندل فاتح اللون. التناقض الخفي يبرز في هذه القصة التي تتسرب إلينا حزينة بلغة موشاة بالشعر ( خيط السراجة) .
وعلى ذكر اللغة فأعتقد أن تجربة سمير الفيل الشعرية لم تضع هباء فقد أحسن توظيفها في المناطق التي تحتاج لتأمل واستبطان كما سعى لتكثيف اللغة وعدم استطالتها كما نرى في مجموعات سابقة له . على أن تجربة الحرب هي الأخرى تحضر بصورة ثانوية كما رأينا في ( ساق وحيدة ) ، ويمكننا أن نشير إلى فكرة البحث عن معنى ، وهو ملمح يسيطر على أجواء النصوص كلها لكنه يبدو أوضح ما يكون مع شخصية الأستاذ شيحة مدرس الفلسفة الذي وجد تلميذته تطل عليه من بلكونة علوية فاستعاد زمن جميل وعرف أنها فقدت زوجها فحمل قراطيس الفاكهة وصعد في المساء إليها ليعزيها ( مشابك الغسيل) .
ولا تخلو المجموعة من وجود مناطق حسية تعبر عن نفس فكرة عدم الاكتمال فنظلة امراة العمدة عبدالحق البصراطي تمضي إلى مخزن بشقة سكنية لتقيس حذاءا جديدا ، وهو يراقب الأمر ويصدم عندما يجدها في وضع مشين مع معلمه الذي يهدده بنظرة متوعدة ( عراوي) .
تتجلى الحياة كما هي ، عارمة ، مليئة بعنفوان وقسوة ، وذات طابع مثير للحنق لكن الصبي يعلو على أحزانه ويشعر بالامتنان لأنه يعثر على من يبادله مشاعره الرقيقة ، اللطيفة مع البنت السمراء الجميلة التي تخرجها الشيخة جملات من المحل لتختلي بالشاب المدلل حمادة كي تسهل له أمورا مخلة. بين أجولة الخروب وصناديق التمرهندي ومشنات الكركديه تتولد عاطفة سامية بينه وبين البنت عزة ( عتبات) . فالطهر يجاور العهر ، والرقة تطل على الخشونة ، وهي ثنائيات يجيد القاص أستحضارها بنوع من التمكن والوضوح ،دون أن يسقط في حبائل الميلودرامية الفاقعة.
وربما بدا لي أن القصة الأولى والمعنونة ب( السيم ) هي أقرب لافتتاحية يبسطها القاص ليوضح من خلالها خطته في الكتابة ، ولكنها ترسم ابتسامة كبيرة على شفاه من يقرأ لأنها تفضح أمورا كثيرة يمتليء بها السوق . إن الربح هو العنصر الحاكم وهذا ما يعترف به الصبي الذي يصعد السلم الخشبي ويهبط، وفي ذهنه أصول الصنعة التي امتهنها ، وعليه أن يثبت فيها جدارته.
إن البساطة في الحكي لا تعني مطلقا التخلي عن جماليات السرد ، فقد ظهرت خبرة الكاتب في تلوين فضاء النص بذلك الإشراق الذي يتسلل من بين السطور ، وتلك النظرة الفرحة بالحياة رغم كل تقلباتها ، وعبر رؤية تعلي من قيمة الصدق والكدح اليومي لبشر يتعرضون لمحن ومكائد لكنهم يستخلصون منها مغزى عميقا للحياة.
وقد ادخرت الإهداء للنهاية ففيه قدر كبير من المرح والكوميديا التي جاءت لتخفف من عبس المقادير وقسوة الواقع بكل ما يحمله من مفارقات مؤسية. يقول الكاتب في إهدائه : " إلى الجزم ، والصنادل واللكلوك.. إلى النعال ، والشباشب ، والكعب كباية .. إلى كل ما يوضع بالأقدام ويجاور التراب ، ويداس بقلب بارد ميت.أليست هذه في الغالب جلود حيوانات من الجاموس والماعز والبقر؟ والأقدام المتدافعة لكسب العيش ، أو الأخرى الساعية لمتعة بائسة مميتة .. ألم تكن تنتعل في أرجلها وقت سعيها مثل هذه الأشياء ؟ " . وهو إهداء كما نرى ساخر ولكن تأمله يبين كيف رأى القاص الناس من خلال أقدامهم أو أحذيتهم. فلم يعد الرأس وحده مصدر القوة ومصدر القرار.
مجموعة بديعة لكاتب يعيد الاعتبار للقص الكلاسيكي بنزوعه الواقعي الذي ينقل لنا الفرح والحزن في آن بسرد رصين وحكي ممتع .

مجهود رائع ومشاركات قيمة دائما

بــــارك الله فيكِ أستاذتنا الغالية

اصدق الدعوات بدوام العطاءالراقى

صندل أحمر/رؤية للعالم تفيض بالبهجة والألفة .حلمى 9c6694d44c

صندل أحمر/رؤية للعالم تفيض بالبهجة والألفة .حلمى 9c6694d44c

غاليتى هويدا

لمن دواعى سرورى أن أرى أحرفك

تتلألأ فى متصفحى

فكل الشكر على مرورك الرائع

» اكتشاف أول سمكة "ذات" دم أحمر"
» سيادة الخنيق أحمر شنيق
» فتح: القدس للشعب الفلسطيني خط أحمر
» أحمر الشفاه والمادة المسرطنة فيه كيف تكتشفينها؟
» الأوليمبى ينهى تعاقده مع محمد حلمى