من المعروف ان القصيدة الجاهلية كانت تسير وفق منهج معين لا ينحرف عنه الشاعر اطلاقا ولايحاول احدهم المساس بذلك المنهج وكأن له قدسيته ومكانته المحفوظة والمقدرة والغير قابلة للتبديل لدى شعراء الجاهلية
فبداية القصيدة تكون بالوقوف على الاطلال وبكاء الديار ثم المحبوبة ووصف الناقة ثم يأتى بعد ذلك الغرض الاساسى من النص
والحقيقة عند دراستى لهذا الجزء فى الشعر الجاهلى تردد فى ذهنى سؤال
فما منطقية ذلك المنهج ولم اتباع تلك الطريقة فى العرض؟
وقد تكون غير منطقية بالنسبة لقارئ يمر مرور الكرام
وقد قررت البحث فى ذلك المجال والوصول لاراء كبار الكتاب سواء المستشرقين او عصور الاسلام لاجدها كالاتى
الرأى الاول هو ان
حياة الجاهلية كانت تتسم بالترحال وعدم الاستقرار وذلك نتيجة البحث وراء مصدر الحياة الاساسى وهو الماء
فكان الحبيب اذا ترك دياره لقضاء حاجة من حاجات القبيلة وعاد ليجد دار حبيبته قد فرغ من اهله
فتلك بقايا خيمتها وهذه الاسافى ( ثلاثة من الاحجار يوضع عليها قدر الطعام) التى كانت تستخدمها
ليجد المحبوب نفسه امام ذكريات حبيبته فمن الطبيعى ايضا ان يبدأ بها الحديث ولعل اجمل ما قيل فى الوقوف على الاطلال فى شاعر سكن ديار محبوبته وهى خاوية
عشيه مالى حيله غير انى بلقط الحصى والتراب مولع
اخط وامحو الخطى ثم اعيده بكفى والغربان فى الدار توقع
ويأتى الطلل ليذكر الحبيب بمحبوبته فيتفنن فى ذكر محاسنها ويتمنى لو انها تعود اليه او يعود الدار ليمتلئ بأهله مرة اخرى ولكنه يعلم بأن من ذهب قد لا يعود
فالحل الامثل ان يسافر هو الى ديارها الجديدة ليأتى المقطع الثالث من القصيدة وهو وصف الناقة
وقد يتعجب الكثيرون من منطقية وصف الناقة ولكن فى رأيى ان حال الناقة يصف بالتبعية حال راكبها
فان كانت الناقة قد تعبت وهلكت من طول الطريق فما بال قائدها ثم يصل الشاعر بعد ذلك الى الحبيبة وياتى الغرض الاساسى من النص
اما الرأى الثانى فجاء فى كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة فجاء ليقول
ان الشعر فى العصر الجاهلى كان فن ذكورى بمعنى انه يقال من قبل ذكر ويذاع على مسامع ذكور كما انه يلقى فى اماكن تجمع الذكور
وبطبيعة الحال فأن مجالس الذكور تتفنن فى اختلاق الاحاديث الشيقة وما من حديث اجمل من المرأة والعكس صحيح بالنسبة للمرأة
لذا وجب على الشاعر كى يكتسب اهتمام ومسامع من حوله ان يتفنن فى وصف محبوبته وبمتابعة نماذج الشعر المختلفة نجد ان صفات المحبوبة كانت جميعها متشابهة الشعر الطويل وطول القامة وجمال العيون وعذوبة الصوت وهذا ليس معناه تمتع كل نساء العرب بهذا الجمال ولكن نظرا لان البيئة الجاهلية لم تكن بيئة اختلاط لذا كان محرم على المرأة الحرة الظهور على الرجال لذ فكان الشاعر ينتقى الصفات المثالية للجمال ويعرضها فى مطلع قصيدته ... عوده الى رأى ابن قتيبه فان الشاعر بعد عرض مفاتن محبوبته فأنه يصف الرحلة ليبرز متاعبها وصعوبتها بسبب الوصول الى المحبوبة وحين يشعر الممدوح بصعوبة الرحلة فان المكافأة ستكون اكبر
التفسير الثالت
لم يكن الجاهليون مقتنعين بموضوع البعث
فكان بيت الحبيبة تملؤه الروح من الاماء والجوارى والاسايد والابل ويجف المطر ليهاجر اهل هذا البيت
وتصبح الدار جثه هامدة وتتأكل وتصبح مجرد طلل لهذا قدس الجاهليون الاطلال واعتبروها واجبا فى كل قصائدهم
ثم جاء رأى احد المستشرقين وهو الالمانى كارل بروكليمان
الذى ذكر فى كتابه تاريخ الادب العربى المكون من ثمانية عشر جزءا لم يترجم منهم سوى اثنى عشر
قال ان القصيدة العربية مفككة الابيات وغير واضحة المعانى لانهم يجعلوا كل بيت مستقل بايقاعه ومعناه وانهم يسيرون بمبدأ وحدة البيت ,كما ان القصيدة لا تتحدث عن موضوع واحد فتجد القصيدة الواحدة تتحدث عن الغزل والاطلال والرثاء غير موضوع القصيدة الاصلى
وفى نهاية قولى اتمنى ان اكون وفقت فى جمع بعض من اراء الادباء والمفكرين حول منطقية تركيب القصيدة الجاهلية