فصل فيما يستفاد بتهذيب الألفاظ وما تكون الثمرة الحاصلة عند تقويم اللسان
اعلم أن المستفاد بذلك حصول التدبر لمعاني كتاب الله تعالى ، و التفكر في غوامضه ، و التبحر في مقاصده ، و تحقيق مراده - جل اسمه - من ذلك .فانه تعالى قال : كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ، وذلك أن الألفاظ إذا أجليت على الأسماع في أحسن معارضها ، وأحلى جهات النطق بها ، حسب ما حث عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله : زينوا القرآن بأصواتكم - كان تلقي القلوب وإقبال النفوس عليها بمقتضى زيادتها في الحلاوة و الحسن ، على ما لم يبلغ ذلك المبلغ منها ، فيحصل حينئذ الامتثال لأوامره ، والانتهاء عن مناهيه ، و الرغبة في وعده ، و الرهبة من وعيده ، و الطمع في ترغيبه ، والارتجاء بتخويفه ، و التصديق بخبره ، و الحذر من إهماله ، ومعرفة الحلال و الحرام . وتلك فائدة جسيمة ، ونعمه لايهمل ارتباطها إلا محروم ، ولهذا المعنى شرع الإنصات إلى قراءة القرآن في الصلاة وغيرها ، وندب الإصغاء إلى الخطبة في يوم الجمعة ، وسقطت القراءة عن المأموم ما عدا الفاتحة ، ومن أجل ذلك دأب الأئمة في السكوت على التام من الكلام ، أو ما يستحسن الوقف عليه ، لما في ذلك من سرعة وصول المعاني إلى الأفهام ، واشتمالها عليها ،بغير مقارعة للفكر ، ولا احتمال مشقة لا فائدة فيها غير ما ذكرناه . وبالله التوفيق