أنزل الله تعالى هذا القرآن على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليخرج به هذه الأمة من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام حتى أصبحت خير أمة أخرجت للناس . وتميزت هذه الأمة بخصائص كثيرة ليست في الأمم كلها واختص أيضًا نبيها صلى الله عليه وسلم بخصائص كثيرة ، وتميز دينها الدين الإسلامي بخصائص عديدة ليست في الأديان الأخرى ، وتميز الكتاب الذي أنزل عليها بخصائص دون سائر الكتب المنـزلة . وقد كتب كثير من العلماء في خصائص الإسلام ، وفي خصائص الأمة الإسلامية وفي خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم . ولا عجب أن يهتم العلماء أيضًا بخصائص القرآن الكريم ، وقد أورد العلماء هذه الخصائص في بطون مؤلفاتهم عن علوم القرآن وأفردها بعضهم وسأذكر هنا بعض هذه الخصائص .وهي خصائص كثيرة منها :
1- فضله : لا يخفى فضل القرآن عمن لديه أدنى علم شرعي ذلكم أن القرآن الكريم كلية الشريعة ، وعمدة الملة ، وينبوع الحكمة ، وآية الرسالة ، ونور الأبصار والبصائر ، فلا طريق إلى الله سواه ، ولا تجاه بغيره ، ولا تمسك بشيء يخالفه . هو كلام الله العظيم ، وصراطه المستقيم ، ودستوره القويم ، ناط به كل سعادة ، هو رسالة الله الخالدة ، ومعجزته الدائمة ، ورحمته الواسعة وحكمته البالغة ، ونعمته السابغة . هو حجة الرسول صلى الله عليه وسلم الدامغة ، وآيته الكبرى شاهدة برسالته وناطقة بنبوته . هو كتاب الإسلام في عقائده ، وعباداته ، وحِكَمه وأحكامه ، وآدابه وأخلاقه وقصصه ومواعظه ، وأخباره ، وهدايته ودلالته . هو أساس رسالة التوحيد ، والمصدر القويم للتشريع ، ومنهل الحكمة والهداية والرحمة المسداة ، والنور المبين للأمة ، والمحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك .
فضله لا يدانيه فضل ولا تسمو إليه مكانة .
2- شفاعته لأهله : ومن خصائص القرآن الكريم أنه يشفع لأهله يوم القيامة ومن الأدلة على ذلك حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ] رواه مسلم .
3- أنه شفاء : قال تعالى : ( ونُنـزِل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) الإسراء : 82 وقال سبحانه وتعالى ( قل هو اللذين آمنوا هدى وشفاء ) ( فصلت : 44 ) . وقال سبحانه وتعالى ( قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور ) ( يونس : 57 ) . وتدبر وصف الله للقرآن بأنه شفاء ولم يصفه بأنه داء لأن الشفاء هو ثمرة الدواء والهدف منه ، أما الدواء فقد يفيد وقد يضر فكان وصف القرآن بأنه شفاء تأكيد لثمرة التداوي به . وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل بنفسه بالتداوي بالقرآن فقد روت عائشة رضي الله عنها قالت : [ إن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في بالمرض الذي مات فيه بالمعوذات فلما ثَقُل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها ] رواه البخاري . واقتدى به أصحابه رضي الله عنهم فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب فلم يُقروهم فبينما هم كذلك إذ لُدِغ سيد أولئك فقال : هل معكم من دواء أو راق فقالوا إنكم لم تقرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعْلاً ، فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ فأتوا بالشاء فقالوا لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فضحك وقال : [ وما أدراك أنها رقية ، خذوها واضربوا لي بسهم ] ( رواه البخاري ) . والقرآن شفاء للأمراض النفسية وما أحوج مجتمعاتنا المعاصرة إلى التداوي بالقرآن لهذا الداء الوبيل في عالم تتنازعه الأهواء المادية والشهوات الجسدية والملذات الدنيوية ، وإنما تحدث الأمراض النفسية حين يعرض الإنسان عن القرآن وعن ذكر الله ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ) ( طه : 124 ) وقال سبحانه وتعالى ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نُقيض له شيطاناً فهو له قرين ) ( الزخرف : 36 ) ، أما العلاج والشفاء فهو قرين الذكر ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) ( الرعد : 28 ) . ولكن ينبغي أن نعلم أن الاستشفاء بالقرآن يستدعي كمال اليقين وقوة الاعتقاد وسلامته ولذا قال الزركشي رحمه الله تعالى عن الاستشفاء بالقرآن : " لن ينتفع به إلا من أخلص لله قلبه ونيته ، وتدبر الكتاب في عقله وسمعه ، وعمر به قلبه ، وأعمل به جوارحه ، وجعله سميره في ليله ونهاره وتمسك به وتدبره " . ومن خصائصه التي تتعلق بفضله وشرفه ومكانته : التعبد بتلاوته ، وتعدد أسمائه وصفاته ، والثواب لقارئه ومستمعه ، وأن له نـزولين ، ونزوله مُنجّمًا دون سائر الكتب السابقة وغير ذلك .1- أنه لا يعلو عن أفهام العامة ولا يَقَصُر عن مطالب الخاصة . وهذان مطلبان لا يدركهما الفصحاء والبلغاء من الناس ، فلجأوا إلى قاعدة يعتذرون بها فقالوا : ( لكل مقام مقال ) أمّا أن يأتي كلام واحد يُخاطب به العلماء والعامة ، والملوك والسوقة ، والأذكياء ومن دونهم ، والصغير والكبير ، والذكر والأنثى ويرى فيه كل منهم مطلبه ، ويدرك من معانيه ما يكفيه ، ما لا نجده على أتمه وأكمله إلا في القرآن الكريم وحده . يقرأ فيه العامي فيشعر بجلاله ويذوق حلاوته ، ولا يتلوى عليه فهمه فتذركه هيمنته ، ويستولي عليه بيانه ، وتغشاه هدايته فيخشع قلبه ، وتدمع عيناه فينقاد له ويذعن . ويقرأ فيه العالم فيدرك فصاحته ، وتهيمن عليه بلاغته ، ويملكه بيانه ، وتنجلي له علومه ومعارفه ، وتدهشه أخباره وأنباؤه فيجد فيه زمام فكره ، وقيادة عقله ، ومنهج علمه ، ومحار فكره ، ورفعة شأنه فيذعن . ( ربنا وسعت كل شيءٍ علمًا ) ( غافر : 7 ) ثم يرفع يديه : ( ربّ زدني علمًا ) ( طه : 144 ) فتدركه الخشية ويذعن لربه ويؤمن بشرعه .
والآيات هي هي هنا وهناك لم تتغير ولم تتبدل .
2- ومن خصائص أسلوب القرآن الكريم : تصوير المعاني : ويراد بها إظهار المعاني بكلمات تكاد أن تجعلها بصورة المحسوس حتى تهم بلمسها بيديك وحتى تلج غلى ذهنك مترابطة متكاملة ، لا تكلف ذهنك مشقة تركيبها ، ولا تثقفه بمهمة تجميعها ، فتقسره قسرًا على الفهم والإدراك ، بل تفجؤه بانطباعها فيه بمجرد توجهه إليها . وتفسير سيد قطب رحمه الله تعالى له عناية خاصة بهذا المعنى ، وتميز فيه بين سائر المفسرين . وتصوير المعاني يكون أحيانًا بطريقة التجسيم أي بجعلها في صورة مجسمة قابلة للوزن والكثافة . فقد وصف الله سبحانه العذاب بأنه غليظ في قوله سبحانه ( ومن ورائه عذاب غليظ ) ( إبراهيم : 17 ) واليوم بأنه ثقيل . ( ويذرون رائهم يوماً ثقيلاً ) ( الإنسان : 27 ) فنقل العذاب من كونه معنى مجرداً إلى شيء ذي غلظ وسُمك ، كما نقل اليوم زمن لا يُمسك إلى شيء ذي كثافة ووزن .
وهناك خصائص أخرى كثيرة لأسلوب القرآن منها : نظمه ، ووقعه ، وجودة السبك ، وإحكام السرد ، وتعدد الأساليب ، واتحاد المعنى ، والجمع بين الإجمال والبيان ، وإيجاز اللفظ مع وفاء المعنى وغير ذلك .وهي كذلك خصائص كثيرة منها :
1- حفظه في الصدور من أشرف خصائص القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى كلف الأمة بحفظه كله بحيث يحفظه عدد كثير يثبت به التواتر وإلا أثمت الأمة كلها ، وليس هذا لكتاب غير القرآن ، فالتوراة والإنجيل ترك لأهلهما أمر الحفظ فاكتفوا بالقراءة دون الحفظ ، إلا قلة لا تكاد تذكر ولم تتوافر الدواعي لحفظهما كما توافرت لحفظ القرآن الكريم فلم يكن لهما ثبوت قطعي كما هو للقرآن فسهل تحريفهما وتبديلهما . ولم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم سبيلاً فيه حث على حفظ القرآن إلا و أرشد إليه وحث عليه فحفظه عدد كبير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وما زالت المسيرة مستمرة يحفظ المسلمون القرآن في صدورهم ونجد إقبالاً لا يخطر ببال ولا يحلم بمثله أهل الكتاب - انظروا - إن شئتم - مدارس تحفيظ القرآن العديدة منذ نزول القرآن إلى عصرنا هذا ثم التفتوا يسرة ، فكم من مدرسة لتحفيظ الإنجيل أو التوراة فلن تجدوا منها شيئاً بل ستجدون قلة القلة تحفظ هذا أو ذاك مما لا يذكر - أبدًا - في مقابل مدارس تحفيظ القرآن الكريم تقول المستشرقة لورا فاغليري أن " في مصر وحدها عدد من الحفاظ أكثر من عدد القادرين على تلاوة الأناجيل عن ظهر قلب في أوروبا " ويقول جيمي متشيز " لعل القرآن هو أكثر الكتب التي تُقرأ في العالم وهو بكل تأكيد أيسرها حفظاً " .
ومن خصائص القرآن الكريم العامة اتصال السند : ومن المعلوم أن أغلب الذين يتعلمون تلاوة القرآن إنما يتعلمونها عن طريق السماع ولا يكتفون بتعلمه من المصاحف وحدها ، ونعلم أن أساتذتهم تلقوه أيضًا بالسماع عن طريق مشايخهم وهكذا لا تنقطع هذه الطريقة إلى أن تصل طبقة التابعين ثم الصحابة ثم الرسول صلى الله عليه وسلم . وبهذا يكون سند القرآن في كل عصر وفي كل حين متصلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هذا لكتاب غير القرآن الكريم ، فقد شرف الله هذه الأمة باتصال سندها