الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد :
علم أسباب النزول:
هو علم يبحث فيه عن أسباب نزول آية أو سورة ووقتها ومكانه وغير ذلك , فهو فرع من فروع التفسير والغرض منه ضبط تلك الأمور (1)
فوائد معرفة أسباب النزول :
ولمعرفة أسباب النزول فوائد كثيرة وأخطأ من قال لا فائدة له لجريانه مجرى التاريخ
ومن فوائده: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم
ومنها : الوقوف على المعنى و إزالة الإشكال
قال الواحدي: لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها (2)
وقال ابن تيمية : معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب
ومنها : أنه قد يكون اللفظ عاما ويقوم الدليل على التخصيص
طرق معرفة أسباب النزول :
لا طريق لمعرفة أسباب النزول إلا النقل الصحيح ،قال الواحدي: ( لا يحل القول في أسباب النزول إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلب) (3)
وقد ورد في الشرع الوعيد بالنار للجاهل المتكلم في هذا الباب بغير علم , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اتقوا الحديث إلا ما علمتم فإنه من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار) (4)
السلف الماضون رحمهم الله كانوا من أشد الناس احترازا عن القول في نزول الآية .
قال ابن سيرين: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال اتق الله وقل سدادا ذهب الذين يعلمون فيما أنزل الله
وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئا ويختلق إفكاً وكذبا ملقياً زمامه إلى الجهالة غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب نزول الآية
أشهر من كتب في هذا العلم وأفرده بالتصنيف :
أفرد هذا العلم بالتصنيف جماعة أقدمهم علي بن المديني شيخ الإمام البخاري و من أشهر الكتب في هذا الفن كتاب الواحدي وقد اختصره الجعبري فحذف أسانيده ولم يزد عليه شيئا وألف فيه شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر كتابا مات عنه مسوِّده فلم نقف عليه كاملا (5) .
وألف فيه الإمام جلال الدين السيوطي كتابا حافلا موجزا سماه ( لباب النقول في أسباب النزول) قال عنه لم يؤلف مثله في هذا النوع
هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب :
الأصح عندنا هو الأول وقد نزلت آيات في أسباب واتفقوا على تعديتها إلى غير أسبابها وذلك كآيات اللعان مثلا جاءت بلفظ يفيد العموم وهو قوله تعالى والذين يرمون أزواجهم (6)
مع أنها نزلت في حادثة خاصة وهي قذف هلال بن أمية لزوجته بشريك ابن سمحاء فحكم الآية وهو اللعان يتناول كل من قذف زوجته ولم يكن له شهداء فيشمل هلال بن أمية وغيره ولا يختص به دون غيره من قذفة زوجاتهم .
ومن يعتبر عموم اللفظ قال خرجت هذه الآيات نحوها لدليل آخر كما قصرت آيات على أسبابها اتفاقا لدليل قام على ذلك قال الزمخشري في سورة الهمزة : يجوز أن يكون السبب خاصا و الوعيد عاما ليتناول كل من باشر ذلك القبيح وليكون ذلك جاريا مجرى التعويض .
ومن الأدلة على اعتبار عموم اللفظ احتجاج الصحابة وغيرهم في وقائع بعموم آيات نزلت على أسباب خاصة فجعلوا حكمها متناولا كل من يدخل تحت عموم اللفظ لم يقصروه على من نزلت فيه الآية فقد ورد عن ابن عباس ما يدل على اعتبار العموم فإنه قال به في آية السرقة مع أنها نزلت في امرأة سرقت