الصلاة بمنظور فيسيولوجي
الملخص:
يمكننا تعريف الصلوات المفروضة من الناحية العضوية البدنية بأنها مجموعة من الحركات (الرياضية) المختلفة التي يؤديها الجهاز الحركى للانسان، ولهذه الحركات مردود صحّى رائع يتمثل فى الحفاظ على حيوية هذا الجهاز ببقائه سليما ونشطا وقادرا على تنفيذ احتياجات الانسان بنفسه دون الحاجة لغيره ويبقيه معتمدا على نفسه خاصة عند الهرم ، ومن هذه الفوائد مثلا الحفاظ على قوة وليونة المفاصل والعضلات ، وكذلك الابقاء على التروية الدموية المهمة لجميع الأعضاء فى المستوى المطلوب والفعال مما يحافظ على الوظائف الحياتيه اللازمة للوقاية من أن يرد الانسان إلى أرذل العمر وسوء الكبر .
الموضوع:
أولا: الآيات التي تُذكر فيها حركات الصلاة :
{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } البقرة 43
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج، 77)
{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (النساء، 103)
لقد بينت الايات السابقة الحركات التى تؤدى في الصلاة وهي القيام والركوع والسجود، ويتضمن بالطبع التكرار أي القيام بعد السجود أو القعود ثم الإعادة وهكذا …
وهذه الحركات هي موضوع دراستنا المقتضبة.
فالركوع نجد أنه يتم بثني مفصل الورك فقط مع الحفاظ على استقامة العمود الفقرى ثم إسناد اليدين على الركبتين. وهذا يؤدى إلى تمديد المرفقين والضغط على الركبتين ودفعهما باعتدال إلى الخلف مع الحفاظ على الرأس في مستوى العمود الفقري حتى يتمكن المصلى من النظر إلى موقع سجوده المتوقع.
فهذه الوضعية (الركوع) فيها عدة نقاط للتفكر :
بسط المرفقين جيدا ودفع الركبتين إلى الخلف والاستقرار هكذا قليلا من الوقت يؤدى إلى التمديد المنفعل لأربطة هذه المفاصل الكبيرة، وهذا تمرين هام جدا للحفاظ على ليونتها واستمرارية أداء وظيفتها المخلوقة من أجلها بالنظر إلى تكرار هذا العمل لأكثر من مرة في الصلاة الواحدة ولأكثر من صلاة فى اليوم الواحد .
هذه الوضعية نفسها تمدّد فقرات العمود الفقرى، وخاصة الفقرات القطنية مدّا خفيفا ولكنه يكون كافيا لارجاع الفقرات القطنية إلى الوضع الطبيعي، وذلك لأنه فى الحياة اليومية بما فيها من اجهاد للفقرات ومن حركات مختلفة للعمود الفقرى خاصة القطنى ونظرا لكبر حجم المحفظة النسبى لمفاصل هذه الفقرات (لتسهيل الحركة ) يقع بها ما يسمى بالانزلاق أو بالخلع الجزئ والذى يسبب مع الزمن الام القطن . وهذا عبارة عن انزلاق جانبي خفيف لسطحي مفاصل فقرتين عن بعضهما البعض . وهكذا نأتى نحن هنا فى الركوع (الصحيح) فنمطط الفقرات شيئا يسيرا (دون قصد) فترجع الفقرات إلى الوضع التشريحي الأصلى وتختفي معه أيضا الآلام القطنية. وهذه العملية نجدها أيضا حتى فى حالة السجود عندما يتم تعليق العمود الفقرى بين الحوض المسنود على الفخذين وبين الكتفين المسنودتين على الذراعين.
جسم الفقرة— المفصل الفقرى بين فقرتين—
ونأتى لوضعية السجود. وهنا حسب التفاصيل الواردة فى الحديث الشريف الذي يقول فيه نبينا صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم (أو عظام) . وقد أتفق على أن السبعة عظام هي : 1. الجبهة والأنف، 2 و3 . الكفّين ، 4 و 5 . الركبتين ، 6 و 7 . القدمين (روؤس الأصابع) .
اى عند السجود يتواجد الانسان فى الوضع الآتي : يهبط أولا من حالة الوقوف على ركبتيه، ثم يميل بجسمه العلوى إلى الأمام ويستند على كفيه ليضع جبهته وأنفه برفق على الأرض. وهكذا يستقر على سبعة عظام. وعندما يضع المرء وجهه على الأرض (أي جبهته وأنفه) ويتكئ على كفّيه وركبتيه وروؤس أصابع قدميه يكون رأسه _في هذه الحالة_ موجودا فى أسفل مستوى من كلِّ جسده، وتكون ذراعاه مثنيتين عند المرفقين ورجلاه مثنيتين عند ركبتيه ومفصلُ الورك مثنيا عند مفصل الورك (الحرقفة) وهي نقطة اتصال العمود الفقرى مع الحوض.
والان لنرى هذه الوضعية (السجود) برؤية جديدة :
يوجد بالأطراف الطويلة مثل الأيدى والأرجل شرايين رئيسية طويلة هامة يجرى بداخلها الدم الشريانى المؤكسج (المشبع بالأكسجين) مدفوعا من القلب إلى الذراعين وإلى الرِّجلين. وعند ثني هذه الشرايين الأنبوبية الشكل أثناء السجود والجلوس يضيق قطرها عند نقاط الثني فتزداد مقاومتها للتيار الدموي مما انعكاسيا وسبحان الله يؤدى الى ازدياد قوة ضخ القلب للدم، وهذا يعني ازدياد التروية الدموية للجسم والأعضاء كلها، ومن أهما المخ الذى بسبب وضعية السجود أصبح متواجدا أسفل من مستوى القلب، وهذا يضاعف من ازدياد التروية:
أولا : انسيابيا بسبب فارق الارتفاع، فالقلب مصدر انطلاق الدم هو أعلى من المخ، حيث ينسكب السائل الدموي تلقائيا إلى أسفل تجاه المخ حسب الجاذبية.
وثانيا : بسبب ارتفاع الضغط الدموى الشريانى وارتفاع قوة ضخ القلب للدماء أثناء ثنى الشرايين بالاطراف، وهكذا يقع إرواء أو إمهاء غزير للنسيج العصبى المخّي بسائل الحياة وتتفتح حتى أصغر الشعيرات الدموية لتمتلئ بالدم ويتم تغذية خلايا مخّيّة ربما لا يتم ترويتها دائما فى مجرى الحياة الاعتيادية. واستمرار هذا الامر يطيل عمر ونشاط الخلايا المخّيّة، وبه يتم مقاومة مرض الضمور المخي (المشهور بالزهايمر) ويبقى الانسان محتفظا بنشاطه العقلي وتفكيره وذاكرته طيلة حياته.
وبالطبع تزداد التروية الدموية حتى بالنسبة لبقية الاعضاء الاخرى :
بالنسبة للرئة، فعند ازدياد التروية الدموية لها تتفتح فيها الكثير من الحويصلات الهوائية المغلقة انعكاسيا؛ لتسمح بدخول كميات اكبر من الهواء للرئة وبه تزداد نسبة أكسجة الدم، وهذا بدوره يرفع من الكفاءة وظيفية الأعضاء عند وصول هذا الدم المشبع بالأوكسجين إليها .
وبهذه الطريقة يرتفع الضخ الدموي من القلب ليصل إلى كلِّ زاوية صغيرة من الأنسجة الجسمية التي لا يصل إليها الدم في الأحوال العادية أي يصبح اكثر انتشارا ، ومن جانب آخر نجد أنه حصل ازدياد فى الأكسجة بحيث يصبح الدم أكثر نفعا وأكثر فائدة .
وازدياد التروية الدموية لا يعني فقط ازدياد تزويد الأنسجة بالأوكسجين الذي يعطي الطاقة اللازمة للحياة ولكن يعني أيضا حتى التخلص من السموم المتراكمة فى الخلايا والأنسجة نتيجة الاستقلابات الغذائية مما يحميها من الأعطاب الجزئية وظيفيا وتشريحيا؛ كتخلص العضلات من الفضلات وعوادم شغلها حيث به تتخلص من الآلام وتستعيد نشاطها وقوّتها .
ثني المفاصل الفعَّال :
ثنيُ ومدُّ جميع المفاصل المتكرر الارادى (الفعّال) فى الصلاة وطول اليوم هو نوع من التمارين المطلوبة للحفاظ على نشاطها وحركيّتها عبر الزمن، كما انه من خلالها تزداد مقاومتها للامراض المفصلية المعروفة التى جميعها تؤدي إلى الاقلال من المدى الحركى إلى انعدامه. ويجدر الملاحظة هنا أنه فى الوقت الذى يتمُّ فيه ثني (تقصير أو تقريب) مفصل معيّن بقوة تحت سيطرة الرغبة (فعّال) ، يتم فيه أيضا تمديد العضلة والأربطة للعضلة المضادة (منفعل) .
تمطيط العضلات و الأربطة:
تمطيط أربطة المفاصل وأوتار العضلات المحركة لها بالحركة المركزة أثناء الصلاة سواء منها الفعالة أو المنفعلة يؤدى إلى الحفاظ على طولها ومرونتها وعلى نشاطها ومدى حركة المفاصل المرتبطة بها لأطول مدة ممكنة .
الهبوط والقيام:
عند الهبوط من حالة الوقوف إلى السجود أو النهوض عند القيام من حالة الجلوس أو السجود إلى الوقوف يتمُّ هذا عادةً بالاعتماد على قوة الرجلين وتحديدا على عضلة الفخذ الأمامية رباعية الرأس، وهي _حقيقة_ من أهم العضلات فى الجسم لكثرة الاعتماد عليها عند القيام بحركات كثيرة ، كالمشي الثابت والجري أو صعود أو نزول السلالم أو الانتصاب من الجلوس أو الجلوس من حالة الوقوف وهكذا.
إن الهبوط التدريجى الهادئ والنهوض من السجود أو الجلوس في الصلاة يُعدُّ من التمارين الهامة جدا لتقويتها والحفاط على حيويتها طيلة حياة الانسان، ومعلوم أن الصلاة تتكرر كل يوم مرات عديدة، فيتكرر معها تجديد حيوية الجسد كما يتجدد بها حيوية الروح، وهكذا يحافظ الانسان على حركيته ونشاطه البدني طيلة حياته ولا يكون عالة على مجتمعه .
المصدر/hablullah
أ.د عبد الحميد الجهاني/ طبيب وجراح