صحيفة الجارديان : هكذا تجنّد الـ (سي آي ايه) الأكاديميين
كشف تحقيق موسّع نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية عن كيفية تجنيد “سي آي ايه” للأكاديميين مستغلة المؤتمرات العلمية لزرع عملائها بهدف إقناع باحثين وعلماء في المجال النووي من كوريا الشمالية وإيران بالعمل لمصلحة الاستخبارات الأميركية. ووفق التحقيق فإن الأمر في بعض الأحيان يكون بعلم من مراكز الأبحاث نفسها التي تعمل لمصلحة “سي آي ايه”.
التحقيق الذي أعدّه دانييل غولدن يقول إن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أنفقت سراً ملايين الدولارات على المؤتمرات العلمية في العالم بهدف استدراج علماء نوويين إيرانيين من بلدهم بحيث يصبح من المتاح لعملاء الاستخبارات التقرب منهم بشكل فردي والضغط عليهم للانشقاق.
في التفاصيل التي أوردها الكاتب أن الشخصيات المشاركة في المؤتمرات ليست لديها أي فكرة أنها تشارك في تمثيلية تحاكي الواقع لكنها تدار من مكان بعيد، مضيفاً أن غالبية الأكاديميين رفضوا أن يكونوا جزءاً من مخطط سي آي ايه .
يوصف الكاتب الوضع بأن أهمية المؤتمر باتت تقاس ليس فقط بعدد الفائزين بجائزة نوبل المشاركين فيه أو عمداء أوكسفورد الذين يجذبهم بل بعدد الجواسيس المندسين في ما بينهم مشيراً إلى أن ضباط الاستخبارات الأميركية والأجنبية يتوافدون إلى المؤتمرات نظراً لكثرة الفرص مقارنة بالجامعات التي يمكن أن تضم استاذاً او اثنين من المهتمين بالعمل لمصلحة الاستخبارات.
وينقل الكاتب عن عميل سابق لـ سي آي ايه إن كل الأجهزة الاستخباراتية في العالم تنظّم المؤتمرات وترعاها وتبحث عن طرق من أجل جلب الأشخاص إلى المؤتمرات”. فيما يقول مارك غاليوتي أستاذ الشؤون الدولية في جامعة نيويورك والمستشار الخاص السابق لوزارة الخارجية البريطانية إن “المرحلة الأولى من التجنيد تقوم على التواجد في ورشة العمل نفسها للهدف حتى لو اقتصر الأمر على تبادل الأحاديث السخيفة بحيث سيبادر العميل في المرة الثانية إلى تذكير الهدف به قائلاً على سبيل المثال: هل التقينا سابقاً في اسطنبول؟”.
مكتب التحقيقات الفيدرالي نفسه كما تشير “الغارديان” حذر الأكاديميين الأميركيين في 2011 من المؤتمرات لجهة ولوج منظمي هذه المؤتمرات إلى حواسيبهم بذريعة الحصول على نسخة من الورقة البحثية المقدمة حيث يتم تحميل كل المواد والبيانات الموجودة على أجهزة الكمبيوتر.
رصد العلماء النوويين الإيرانيين
يتابع الكاتب أن سي آي اي تقوم برصد المؤتمرات التي ستعقد في العالم وتحدد تلك التي تقع في دائرة اهتماماتها كما هو الحال بالنسبة لمؤتمر يعقد في باكستان حول التكنولوجيا النووية على سبيل المثال، في هذه الحال سترسل الاستخبارات الأميركية عميلها السري أو تكلّف أحد الأساتذة المشاركين بتقديم تقرير لدى عودته. وفي حال علمت بوجود عالم نووي إيراني في المؤتمر عندها يمكن أن تحاول تجنيده في المؤتمر الذي يليه في العام التالي.
ينقل الكاتب عن ضابط سابق في الاستخبارات أن صعوبة التقارب مع العلماء في إيران تدفع بالاستخبارات إلى استدراجهم لمؤتمرات في دول صديقة أو محايدة بحيث يتم اختيار الاحتمالات بالتشاور مع إسرائيل ومن ثم يتم تنظيم المؤتمر في أحد المعاهد العلمية المهمة بدعم من رجل أعمال يحصل على التمويل من الوكالة بما يترواح بين 500 ألف ومليوني دولار. وغالباً ما يكون رجل الأعمال مالكاً لإحدى شركات التكنولوجيا أو قد تقوم الوكالة بإنشاء شركة وهمية باسمه بحيث يبدو دعمه للمعهد شرعياً من دون أن يكون الأخير على علم بدور سي آي ايه .
يقول الضابط الاستخباراتي السابق إنه “كلما كان الأكاديميون أكثر جهلاً كلما كان الوضع أكثر أمناً للجميع″ لافتاً إلى أن الوكالة يمكن أن تستخدم العميل لمرة واحدة.
يتوقف التحقيق عند ما يمكن أن تواجهه “سي آي ايه” لدى تجنيد العلماء الإيرانيين الذين توافق الحكومة أحياناً على مشاركتهم في المؤتمرات لكن تحت حراسة مشددة. وبالتالي يقوم عمل “سي آي ايه” على تجنيد طالب أو مستشار تقني أو أحد المنظمين تكون مهمته إبعاد الحراس عن العالم. وفي إحدى المرات تمّ تجنيد أحد الموظفين في المطبخ الذي قام بوضع السمّ في طبق الحراس مما تسبب بإصابتهم بالإسهال والتقيؤ بحيث سيعزو هؤلاء مرضهم إلى الطعام الذي تناولوه على متن الطائرة أو بسبب الطعام الذي لم يألفوه من قبل.
بقليل من الحظ يمكن للضابط أن ينفرد بالعالم لبضع دقائق ويتقرب منه من خلال ما سبق له قراءته من ملفات أو التقرب من عناصر قريبة منه، بحيث إذا ساورت العالم شكوك سيجيبه الضابط بأنه يعلم كل شيء عنه حتى التفاصيل الأكثر حميمية وسيثبت له ذلك.
ينقل الكاتب عن ضابط سابق مطلع على العملية، إن ما يكفي من العلماء تعاونوا مع الولايات المتحدة من خلال المؤتمرات الأكاديمية وطرق أخرى لعرقلة برنامج الأسلحة النووية في إيران، قائلاً إن “أحد المهندسين الذي يجمع أجهزة الطرد المركزي لمصلحة برنامج إيران النووي اشترط للتعاون مع الاستخبارات مواصلة دراسته للحصول على شهادة الدكتوراه من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”.
يقول الكاتب إنه مع الاتفاق النووي عام 2015 لم يعد تجنيد العملاء لمصلحة الاستخبارات ملحاً بالدرجة نفسها لكن في حال ألغى الرئيس الأميركي الاتفاق عندها قد تستأنف الاستخبارات هذه العملية بشكل سري.
من جهة ثانية لفتت “الغارديان” إلى أن بعض العملاء يمكن أن يستخلصوا استنتاجات خاطئة بسبب افتقارهم للمعرفة العلمية بالكيمياء وعلوم الحياة والطاقة النووية، بحيث أن هؤلاء قد يسيئون فهم الموضوع المطروح أو ينظر إليهم على أنهم يمارسون الاحتيال .
تنقل الصحيفة عن جين كويل الذي عمل في الاستخبارات بين 1976 و2006 أنه في أحد المؤتمرات التي استضافتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا كان عدد ضباط الاستخبارات المتواجدين في الممرات ربما أكبر من عدد العلماء المشاركين، لكن المشكلة هي أنه عليك أن تكون ملمّاً بالمواضيع المطروحة.
مراكز واجهة لـ سي آي ايه
إذا كان بعض المعاهد جاهلاً بدور سي آي ايه إلا أن معاهد أخرى قد تكون الواجهة الأمامية لمؤتمرات تنظمها “سي آي ايه” بنفسها حول قضايا السياسة الخارجية. تحقيق “الغارديان” يتحدث عن معهد “سنترا” الذي تأسس عام 1997 حيث إن سي آي ايه تموّله وتحدد له لائحة بالشخصيات التي يجب دعوتها.
تقول الصحيفة “إن سنترا حصل منذ إنشائه على أكثر من 200 مليون دولار من خلال عقود مع الحكومة بما فيها 40 مليون من “سي آي ايه” نفسها، مضيفة أنه في 2015 شغلت المناصب التنفيذية في المعهد مسؤولون سابقون في الاستخبارات.