حل أزمات المياه باستخلاصها من الهواء
تحتاج أجسادنا للمياه من أجل البقاء، وتحتاج الشعوب والدول للمياه من أجل تجنب الحروب. والخبر السار الذي نقدمه هنا يتمثل في أن ثمة مصدر جديد للمياه ربما لم نكن نتوقعه من قبل، وهو الغلاف الجوي.
تمثل المياه أحد أبرز التحديات في القرن الحادي والعشرين؛ فهي تزداد ندرة بمرور الوقت، لكنها في الوقت نفسه تسبب خطورة متزايدة بسبب ارتفاع مستويات البحار، وتساهم أيضا في تغيير طبيعة سوق العمل بصورة متزايدة.
لكن كثيرين منا يتغاضون عن أحد أهم وظائف المياه في العصر الحالي، وهي أنها أصبحت ركيزة أساسية لضمان السلام العالمي. فبدون وجود فواصل واضحة فيما يتعلق بتبعيتها، وكيفية توزيعها، ربما يدخل العالم في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.
وفي وقت سابق من هذا العام، وفي إطار سلسلة من الموضوعات التي نشرها موقع "بي بي سي فيوتشر" حول التحديات الكبرى التي يواجهها العالم، تواصلنا مع لجنة تضم عددا من خبراء المياه حول العالم، من أجل معرفة المشكلات الكبرى التي نواجهها فيما يخص هذه السلعة الثمينة. وكان ما قالوه واضحا، وهو أن "السياسة المائية" سوف تعيد تشكيل القرن الحادي والعشرين، فالسياسة لها علاقة كبيرة بتوافر المياه والقدرة على الوصول إليها.
فنهر النيل على سبيل المثال، يمر بالعديد من الدول، ويبدأ من إثيوبيا، دولة المنبع، وينتهي في مصر، وهي دولة المصب. وهذا يعطي إثيوبيا اليد العليا للتحكم في مياه النيل، من خلال ما يعرف بالسياسة الجغرافية، إذ يمكن لبعض التوترات، التي قد تحدث لسبب أو لآخر، أن تدفعها نظريا إلى قطع هذه الإمدادات الضخمة عن مصر، أو خفض كمياتها. وفي عالم سريع التطور، وظروف مناخية دائمة التغير، أصبحت المياه جزءا لا غنى عنه من أجل منع انتشار الصراعات. لكن كيف يمكننا أن نضمن حصول كل شخص على سطح هذا الكوكب على حصته العادلة من المياه؟
هناك أكثر من 160 دولة تعتمد على المياه التي تجلبها من دول أخرى
وقد تواصلنا في "بي بي سي فيوتشر" مع خبرائنا في مجال المياه، وطلبنا منهم أن يذكروا لنا بعض الحلول المقترحة.
ومن بين هؤلاء الخبراء، زينيا تاتا، المديرة التنفيذية للتنمية العالمية بمؤسسة "إكس برايز" وهي مؤسسة دولية غير هادفة للربح. ومن خلال استخدام وسائل التكنولوجية العبقرية، كما تقول تاتا، يمكنك تمكين عدد ضخم من الناس من الحصول على المياه بأنفسهم.
والمطلوب لتحقيق هذا الهدف هو توفير جهاز يمكنه استخلاص ألفي لتر على الأقل من المياه يوميا من الجو، باستخدام طاقة متجددة بنسبة مئة في المئة.
وتقول تاتا: "الثورة المطلوبة هي أن تبتكر منظومات غير مركزية، يمكن استخدامها على مستوى الأفراد والمجتمعات، وتوفر للناس احتياجاتهم الأساسية، أينما أرادوها، ووقتما أرادوها". ولتحقيق هذه الغاية، طرحت منظمة "إكس برايز" التي تعمل تاتا لصالحها، ما تطلق عليه "مشروع وفرة المياه"، والذي يهدف إلى توفير المياه للجميع من خلال وسائل التكنولوجيا الحديثة.
ومن خلال مسابقة قيمتها 1,75 مليون دولار، تطلب المؤسسة من فرق مختلفة من المهندسين حول العالم أن يبتكروا "جهازا يمكنه استخلاص ألفي لترا على الأقل من المياة يوميا من الجو، باستخدام مصادر طاقة متجددة مئة في المئة، وبتكلفة لا تزيد على اثني سنت أمريكي لكل لتر".
وإذا تمكن المتنافسون من ابتكار مثل هذا الجهاز، فسوف تعلن عنه المؤسسة في شهر أغسطس/آب العام القادم.
المياه موجودة في كل مكان في الهواء حولنا، لكن السؤال هو كيف يمكن استخلاصها؟
قد يبدو الأمر صعبا، لكن العلماء سلكوا طريقهم بالفعل لتحقيق هذا الهدف. ومن بين الفرق العلمية التي تستكشف آليات استخلاص الماء من الهواء، فريق يقوده الباحث عمر ياغي، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي.
وباستخدام ما يعرف علميا بـ "الأطر الفلزية العضوية"، في صورة مسحوق من المواد التي يمكنها أن تمتص السوائل من الجو، أظهر هذا الفريق أن كيلوغراما واحدا من هذا المسحوق يمكنه أن يستخلص نحو ثلاثة لترات من الهواء خلال 12 ساعة فقط.
وفي الأماكن ذات الرطوبة المرتفعة في العالم، يمكن لهذه التقنية أن توفر مصدرا جديدا للمياه من أجل السكان، دون الحاجة إلى الاعتماد على الخدمات الحكومية المركزية. ومنذ فجر التاريخ البشري، يمكن القول إن المياه النقية هي العنصر الأساسي والأكثر أهمية للبقاء. لكن مع تقدم الزمن بنا ووصولنا إلى القرن الحادي والعشرين، أصبحت المياه الآن أكثر أهمية.
وسيشكل توفر المياه، والقدرة على الوصول إليها، أمران أساسيان للنقاش والجدل بين البشر في الفترة القادمة.
ولحسن الحظ، ليس هناك نقص في البشر الذين لديهم أفكار جاهزة لمواجهة مثل هذا التحدي.
bbc