وسواس المرض يحول الوهم إلى مرض حقيقي
يشعر بعض الناس بأوجاع متفرقة في سائر الجسم دون أن يكون لها سبب طبي، ويظلون مصرين على مراكز الألم وتفاقمه حتى مع نفي الطبيب لإصابتهم بأي مرض. يطلق على هذه الأعراض اسم “وسواس المرض” الذي كثيرا ما يتحول من مجرد أوهام أو هلوسات إلى دلائل مادية.
صحيفة العرب-القاهرة:
قد يُصاب الشخص بإنفلونزا بسيطة، لكن نتيجة مخاوفه والوهم الذي يسيطر عليه وتفكيره الدائم في المرض يتحول الأمر إلى وسواس المرض، فيسيطر عليه ويغير حياته بحيث يقلبها رأسا على عقب ويحولها إلى جحيم، فقد يجعله مريضا بالفعل ويحول ما به من وهم إلى مرض حقيقي.
بيّنت الإحصائيات العالمية أن نسبة الأشخاص المصابين بوسواس المرض تصل إلى 2.5 بالمئة في العالم. وأرجع الباحثون سبب الإصابة بهذا المرض إلى انفصال الجزء الأمامي من دماغ الإنسان عن الجزء العميق فيه، والذي يُعتبر المسؤول عن التحكم في الأفكار التي تأتي في ذهن الإنسان.
وأوضحوا أن من أبرز الأشياء التي تسبب الوسواس المرضي للإنسان التغيرات الكيميائية التي تحدث في الدماغ والجسد، بالإضافة إلى تأثيرات البيئة المحيطة الصحية والاجتماعية، فضلا عن الحالة النفسية والعصبية للشخص ذاته، كل هذه العوامل من شأنها أن تؤدي إلى إصابة الإنسان بـ”وسواس المرض”. حول ذلك تقول د. هبة عيسوي، استشارية الطب النفسي، “التقسيم الأميركي الحديث الذي نشر عام 2013 أثبت أن الخوف غير المثبت للمرض أصبح تشخيصا يندرج تحت بند المرض النفسي الذي يذهب به المريض لتلقي العلاج”.
وأشارت إلى أن أعراض التوهم بالمرض تتمثل في سيطرة الشعور بما يُعرف باسم “نفس جسدانية”. وهي أعراض تصاحب المريض في بداية المرض فيشعر بأن كل عضو في جسده يؤلمه، بمعنى أنها تكون أوجاعا متفرقة في الجسم ليست لها صفة طبية معروفة، ولا يمكن تشخيصها من الناحية الطبية لعدم ارتباط الأوجاع ببعضها البعض.
وبعد دوامة من الإنهاك النفسي مع مختلف الأطباء من جميع التخصصات يذهب المريض إلى الطبيب النفسي، ومعه مجموعة كبيرة من الأبحاث والتحاليل التي أجريت أكثر من مرة وجميعها سليمة، ولا يوجد بها أي مرض، إلا أنه يظن أن جميع الأطباء على خطأ وأنه مصاب بأحد الأمراض الخطيرة. تلفت د. هبة إلى أن المريض يدخل بعد ذلك في مرحلة متطورة من المرض، حيث تسيطر عليه فكرة أنه يعاني من مرض خطير سيؤدي به إلى الوفاة.
والشخصيات التي تصاب عادة بالتوهم المرضي هي الشخصية الهيستيرية التي تتأثر بمن حولها، والشخصية الاعتمادية لأنها هشة تتأثر بأي شخص مريض وتشعر بأن المرض سيصيبها أيضا، وكذلك الشخصية غير الناضجة انفعاليا، وهي الأكثر انتشارا للإصابة بالمرض، بالإضافة إلى الأشخاص الذين مروا بتجارب قاسية مع أحد الأشخاص المقربين منهم الذين أصيبوا بمرض خطير أدى إلى وفاتهم.
وأوضحت الطبيبة المصرية أن هذا المرض عادة ما يصيب الشخص في سن الثلاثين، وغالبا ما يُصاب به بعد إصابته بمرض حقيقي عضوي قاس تم الشفاء منه. وفي ما يخص كيفية معالجة “الوسواس المرضي”، تشير استشارية الطب النفسي إلى أنه في البداية يتم تشخيص المرض تبعا للقاموس الأميركي للطب النفسي وإجراء اختبارات نفسية في صورة أسئلة تلقى على المريض لمعرفة مقياس التوهم بالمرض.
وبعد تحديد نسبة الاضطراب يكون هناك نوعان للعلاج؛ النوع الأول يتمثل في علاج نفسي معرفي من خلال إجراء جلسات مدتها 45 دقيقة والنوع الثاني هو علاج دوائي يتمثل في مهدئات لا علاقة لها بالتعود والإدمان. وأكدت عيسوي أنه في حالة عدم التعامل بشكل سليم مع المرض يمكن أن يتحول إلى مرض نفسي مزمن يصاحب الشخص لعدة سنوات، كما أن هذا المرض يؤثر على الشخص من الناحية العملية والاجتماعية وعلى علاقاته مع الأشخاص المحيطين به وينهك أسرته، حيث أنه بعد شعوره بالهواجس وتوهّم أنه مريض يبدأ في الانفصال عمن حوله وعن العمل، وهو ما يؤثر عليه ماديا وصحيا واجتماعيا.
ويوضح د. محمد عبدالفتاح، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، أن هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بوسواس المرض. ولعل أبرزها التفكير بشكل دائم في المرض والخوف من الإصابة به، حيث يتحول ذلك إلى وسواس يسيطر على الفرد خشية الإصابة بالمرض. فيبدأ في الشعور بأن أي مرض يصيبه سوف يودي بحياته، وبأنه مريض، ويتوهم الأعراض حتى ولو أثبتت الفحوصات الطبية أنه ليس مريضا.
فعلى سبيل المثال قد يصاب الإنسان بالصداع والغثيان، وهي أعراض العديد من الأمراض، فيبدأ في التوهم بإصابته بمرض ما في المخ ويعيش في وهمه ويشرع في تضخيم الشعور العادي بالتعب. ينصح عبدالفتاح الشخص المصاب بوسواس المرض، بعرض نفسه على طبيب نفسي لمعرفة الصراعات والأفكار الداخلية المسيطرة عليه، والتي تتسبب في وصوله إلى هذه الحالة، بالإضافة إلى إعطائه أدوية مهدئة للتخفيف من حالته وخروجه منها في أسرع وقت، تجنبا لأي مضاعفات قد تحدث.
هذا إلى جانب دور الأسرة الرئيسي في احتوائه وحمايته من أي تصرفات سلبية قد يقدم عليها، حيث قد يحاول الانتحار للتخلص من حالة الاكتئاب التي قد تسيطر عليه، لأن الشخص المصاب بوسواس المرض يتخطى مرحلة القلق والتوتر الطبيعي ويصل إلى مرحلة الفوبيا التي تؤثر على حياته وعلاقاته بالأشخاص المحيطين به، وقد تتدهور حالته إلى أن يفكر جديا في التخلص مما هو فيه بالإقدام على الانتحار وإنهاء حياته.