سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 16 يونيو 1800..
المحكمة تقضى بإعدام سليمان الحلبى فوق الخازوق وحرق يده اليمنى
سليمان الحلبى
طلبت المحكمة من سليمان الحلبى وباقى المتهمين معه بقتل «كليبر» أن يختاروا محاميًا للدفاع عنهم، فأجابوا بأنهم لا يعرفون أحدًا يعهدون إليه بهذه المهمة، فندبت المحكمة المترجم «لوماكا» للقيام بهذه المهمة، حسبما يؤكد عبد الرحمن الرافعى فى الجزء الثانى لكتابه «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر» عن «دار المعارف - القاهرة».
بدأت المحكمة جلساتها يوم 15 يونيو 1800 «راجع ذات يوم 15 يونيو 2017»، وواصلت جلساتها لليوم التالى 16 يونيو «مثل هذا اليوم»، ويؤكد الدكتور محمود متولى فى كتابه «مصر وقضايا الاغتيالات السياسية» عن «دار الحرية - القاهرة»، أن المحاكمة كانت علنية يشهدها جمهور من المصريين وبدأ «سارتلون» المدعى العمومى مرافعته، ويؤكد «متولى» على أنها تضمنت «شرحا بديعا لظروف الجريمة وتفاصيلها إلا أنها حاولت الافتراء على التاريخ وانتزاع البطولة من سليمان ورفاقه وإظهارهم بمظهر الدمى فى أيدى العثمانيين، مما يوحى أنهم ليسوا أصحاب مبدأ أو عقيدة أو قضية وإنما قتلة مأجورون»، كما يلاحظ أيضًا أن المرافعة تتحدث باعتبار أن مجىء الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت ثم كليبر لاحتلال مصر والشام «1798 - 1801» عملاً عاديًا لا يستوجب مقاومته.
يذكر «متولى» نص مرافعة «سارتلون» وفيها: «فلتعلم أوروبا بل ليعلم العالم كله أن الصدر الأعظم للدولة العثمانية، وأن قوادها وجيشها بلغوا جميعًا من الخسة والنذالة أن أرسلوا وغدا سفاكًا ليقتل القائد الشجاع المنكود كليبر الذى عز عليهم قهره، فأضافوا بذلك إلى هزيمتهم جرمهم الشنيع ولوثوا به أنفسهم أمام العالم بأسره»، ووصف «سليمان» قائلاً: «فتى متعصب كان يدرس ليكون فقيها فى مسجد، وحج إلى بيت المقدس وحج قبل ذلك إلى مكة والمدينة، لكن حمى الحماسة الدينية قد عصفت بتلك الرأس التى أضلتها النظريات الخاطئة عن كمال الإسلام حتى غدا يعتقد أن ما يسميه المغازاة وقتل الكفار هو خير الحسنات وأسماها»، ويعود المدعى العمومى إلى إظهار مناقب «كليبر» فيقول: «كان أول من جاز الدين على رأس جيوش الجمهورية، وانتزع مصر مرة ثانية من سيل العثمانيين الجارف».
وطالب «المدعى العمومى» فى ختام مرافعته، بإدانة سليمان الحلبى وحرق يده اليمنى، ثم يعدم على الخازوق وتترك جثته حتى تلتهمها الجوارح، وقطع رأس محمد الغزى وأحمد الوالى وعبدالله الغزى وعبدالقادر الغزى، وينفذ هذا الحكم عقب تشييع جنازة القائد العام بحضور رجال الجيش وأهل البلاد، وبراءة مصطفى أفندى ويخلى سبيله، وطبع أوراق القضية بالعربية والتركية والفرنسية ثم تعلق على الجدران فى أنحاء البلاد المصرية.
يذكر «متولى» أنه بعد مرافعة «المدعى العمومى» تكلم الدفاع لكن كلامه كان صوريا، وتم قراءة أوراق التحقيق ثانية، وحضر المتهمون إلى قاعة المحكمة دون أغلال، وسألهم رئيس المحكمة بحضور المترجم «لوماكا» الذى عينته المحكمة محاميًا للمتهمين، عما إذا كان لديهم ما يثبت براءتهم فلم يجيبوا بشىء، وعندئذ أمر بإخلاء الجلسة من الحضور، وتداولت هيئة المحكمة فيما بينها ثم عادت إلى الانعقاد لإصدار الحكم، وقضت بالآتى:
أولا: تحرق اليد اليمنى لسليمان الحلبى، ثم يعدم فوق الخازوق وتترك جثته فوقه حتى تفترسها الجوارح، وأن يكون ذلك خارج البلد فوق التل المعروف باسم العقارب، وأن يقع التنفيذ علنا عقب تشييع جنازة القائد العام بحضور رجال الجيش وأهل البلاد.
ثانيا: «إعدام عبدالقادر الغزى على الخازوق أيضا، ومصادرة أمواله من عقار منقول لحساب الجمهورية الفرنسية، ويؤكد الرافعى: «كان عبدالقادر هاربًا ولم يكن له مال».
ثالثا: إعدام كل من محمد الغزى وعبدالله الغزى وأحمد الوالى بقطع الرأس، ثم توضع رؤوسهم فوق الرماح، وتحرق جثتهم بالنار وأن يكون ذلك فوق تل العقارب أيضا وأمام سليمان الحلبى قبل أن ينفذ الحكم فيه.
رابعاً: براءة مصطفى أفندى البورصلى وإطلاق سراحه.
قرأ المترجم «لوماكو» الحكم على المتهمين يوم الثلاثاء 16 يونيو وتم تنفيذه فى اليوم التالى «17 يونيو»، ويذكر «كريستوفر هيرولد» فى كتابه «بونابرت فى مصر» ترجمة: فؤاد أندراوس «مكتبة الأسرة - الهيئة المصرية العامة للكتاب»: «لم يشك سليمان ويده تشوى على الجمر، ولكن حين نزلت جمرة إلى مرفقه نبه إلى أن الحكم لم يذكر المرفق، ورفع الخازوق قائما عليه ثم غرس فى الأرض، ورجا سليمان جنديا فرنسيا واقفا بقربه أن يعطيه شربة ماء، وكان على وشك أن يناوله زمزميته لولا أن منعه برطلمين الذى ينفذ الحكم، قائلا: «أقل شربة من الماء كفيلة بقتله فورا، فتتعطل بذلك مجرى العدالة».
المصدر الأصلى للمقال
اليوم السابع