هل تعيد واشنطن التجربة الفيتنامية في بلاد الشام ؟
العالم يتأرجح على أخطار حرب عالمية ثالثة
يوم الخميس 18 مايو 2017 أعلن مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية أن طائرات أمريكية قصفت يوم الخميس قافلة عسكرية موالية للنظام في سوريا بينما كانت تتقدم في إتجاه حامية نائية للقوات الأمريكية قرب الحدود الأردنية.
وقال المسؤول طالبا عدم الكشف عن هويته للوكالة الفرنسية للأنباء أن “قافلة كانت على الطريق لم تستجب للتحذيرات من عدم الاقتراب من قوات التحالف في التنف”. وأضاف “وفي النهاية وجهت ضربة إلى طليعتها”. كذلك أكد مزاحم السلوم من جماعة تطلق على نفسها “مغاوير الثورة” إن طائرات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة ضربت قافلة للجيش السوري وفصيلا مسلحا يدعم الجيش السوري، كانا متجهين صوب قاعدة التنف في جنوب سوريا حيث تتمركز قوات أمريكية خاصة.
وذكر السلوم لوكالة أنباء رويترز إن الطائرات نفذت الضربة بينما كانت القافلة تتقدم على بعد 27 كيلومترا من القاعدة. وتابع أن قوات المعارضة أبلغت التحالف أنها كانت تتعرض لهجوم من “الجيش السوري وحزب الله في هذه النقطة.. وجاء التحالف ودمر القافلة المتقدمة”.
وكانت طائرات الجيش السوري قد قصفت مواقع مقاتلي الفصائل المسلحة قرب الحدود مع الأردن والعراق يوم الثلاثاء 16 مايو. وفي الأيام القليلة السابقة صعدت أيضا عمليات المراقبة في البادية وقامت بقصف مواقع مقاتلي الفصائل المسلحة في بلدة بير القصاب.
وأكد الرائد عصام الريس المتحدث كذلك باسم ما يسمى بالجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر لوكالة رويترز إن الجيش السوري أرسل تعزيزات ضخمة من المدفعية والدبابات والمركبات المدرعة. ويقول مقاتلو الفصائل المسلحة إن الجيش السوري وحلفاءه سيطروا على تلك البلدة النائية الواقعة قرب الطريق الاستراتيجي الرئيسي بين دمشق وبغداد الأسبوع السابق مع سعيهم للحيلولة دون سقوط المناطق التي انسحب منها تنظيم الدولة الإسلامية في يد الجيش السوري الحر المدعوم من الغرب.
وتحرك الجيش السوري لوقف عمليات تبادل للأراضي بين ما يسمى بالمعارضة المسلحة “اساسا الجيش الحر” وتنظيم “الدولة الإسلامية” على مدى شهرين مما سمح لمقاتليها بالسيطرة على مساحة شاسعة من الأراضي القليلة السكان الممتدة من بلدة بير القصاب الواقعة على بعد نحو 50 كيلومترا جنوب شرقي دمشق على الطريق إلى الحدود مع العراق والأردن.
ونقلت محطة “سي أن أن” الأمريكية عن قائد “جيش أسود الشرقية”، طلاس سلامة، قوله إن “النظام يقصفنا بين 25 إلى 30 غارة يوميا. كذلك استهدفتنا روسيا مرة أو مرتين”. وأضاف أن قواته كانت لديها “نقطة على مفرق كبد، على الطريق السريع بين دمشق وبغداد، والآن تسيطر عليها ميليشيات حزب الله اللبنانية”.
الدور الأمريكي
يوم الجمعة 19 مايو أعلن وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس إن الضربة الجوية التي استهدفت القافلة “كانت ضرورية بسبب تحرك طابعه هجومي بقدرات هجومية. وأكد البنتاغون في بيان أن الضربة وقعت “داخل” منطقة أقيمت شمال غرب موقع التنف العسكري حيث تتولى قوات خاصة بريطانية وامريكية تدريب مسلحين معارضين لدمشق.
وتقول واشنطن أن هذه المناطق تعتبر “منطقة عدم تصادم” متفق عليها بين روسيا وواشنطن، وتم تحديدها لمنع أي ضربات غير مقصودة من قوات احد الطرفين البرية والجوية لقوات الطرف الاخر.
وذكرت وزارة الدفاع الأمريكية إن محاولات التحالف لوقف تقدم القافلة نحو المركز العسكري اشتملت على اتصال بالقوات الروسية التي تعمل مع النظام السوري، تلاه “استعراض للقوة” فوق الآليات، قبل توجيه طلقات تحذيرية. وذكر ماتيس إن القافلة على ما يبدو دخلت تلك المنطقة خلافا لنصيحة الروس. وأضاف “يبدو أن الروس حاولوا اقناعهم بالعدول عن ذلك”.
وقد بدأت الولايات المتحدة تدخلا عسكريا رسميا في سوريا منذ عام 2014 لدعم الجماعات المسلحة التي تقاتل الجيش السوري، لكنها تجنبت المشاركة مباشرة في الحرب المتعددة الأطراف الدائرة في هذا البلد.وتعرض موقع التنف الى هجمات متكررة في الأشهر الأخيرة.
وفي يونيو 2016، قصفت طائرات حربية روسية هذا الموقع بعد يوم واحد فقط من انسحاب القوات الخاصة البريطانية منه.
موسكو انتقدت بشدة الغارة الأمريكية وأكدت أنها تزيد أخطار المواجهة. ووصف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الضربة بأنها “غير مشروعة وتمثل انتهاكا لسيادة الجمهورية العربية السورية”. وأضاف إن الغارة الأمريكية “تؤكد عزم واشنطن على استخدام جبهة النصرة في الحرب ضد الحكومة الشرعية”، مشددا على أن “الغارة غير شرعية وغير قانونية، بصرف النظر عن سببها”. وبدوره، رأى نائب وزير الخارجية، غينادي غاتيلوف، أن الغارة “تشكل انتهاكا للسيادة السورية، فضلا عن تناقضها مع العملية السياسية”. إلى ذلك، شدد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، على أن “بعض الساسة في واشنطن مستعدون، بهدف الضغط على دمشق، لتدمير آفاق التسوية واتخاذ إجراءات في مصلحة الإرهابيين”.
حرب بالوكالة
الحرب بالوكالة هي حرب تنشأ عندما تستخدم القوى المتحاربة أطرافا أخرى للقتال بدلا عنها بشكل مباشر. رغم أن القوى استخدمت حكومات أخرى كوكلاء للحرب، إلا أن المرتزقة والأطراف العنيفة غير القانونية وأطراف أخرى يتم استخدامها بشكل أكثر، حيث تأمل القوى أن تتمكن هذه الأطراف من ضرب أطراف أخرى دون الانجرار إلى حرب شاملة.
حدثت بعض الحروب بالوكالة في نفس الوقت الذي حدثت فيه حروب شاملة. من شبه المستحيل أن تحدث حروب خالصة بالوكالة، حيث أن الأطراف الوكيلة قد يكون لها أهدافها الخاصة التي قد تنحرف عن مصالح الأطراف التي وظفتها.
عادة ما يكون استخدام حروب الوكالة أفضل استخدام خلال الحروب الباردة، حين تصبح ضرورة لإجراء نزاع عسكري مسلح بين طرفين متحاربين بينما تستمر الحرب الباردة.
تعاون مع الإرهاب
بعد تصريحات وزير الدفاع الأمريكي ورغم محاولات البيت الأبيض للرد على إتهام عديد من الأوساط السياسية لواشنطن بدعم التنظيمات الإرهابية التي تقاتل الجيش السوري، ذكرت الولايات المتحدة أنها لن تتعاون أبدا مع حكومة الرئيس السوري، بشار الأسد، حتى ولو من أجل تكثيف محاربة تنظيم “داعش”.
وقال بريت ماكغورك، مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص لشؤون التعاون مع الدول الأجنبية لمحاربة التنظيم المصنف إرهابيا على المستوى الدولي، في مؤتمر صحفي عقد يوم الجمعة 19 مايو في البنتاغون، قال إن الأوضاع في سوريا أصعب بكثير مما يجري في العراق، لأن الولايات المتحدة لا شريك لها في سوريا بشكل حكومة محلية.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد نفت ما أورده تقرير نشرته هيئة الإذاعة الكندية “سي بي سي” عن استثناء لائحة الإرهاب الأمريكية لـ”هيئة تحرير الشام” التابعة لتنظيم القاعدة. وأكدت الوزارة أن ما ذكره التقرير حول موقف واشنطن من “هيئة تحرير الشام” غير صحيح و”يتضمن وصفا خاطئا لموقفنا”.
التقرير الكندي أكد أن أحد أبرز الفصائل المعارضة المقاتلة في سوريا، لم يعد مدرجا على لوائح الإرهاب الأمريكية والكندية. ونقلت محطة “سي بي سي” عن مسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية أن عناصر هذا التنظيم الجديد، الذين كانوا سابقا في “جبهة النصرة”، ما عادوا على لوائح الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية، وبالتالي سقطوا بشكل تلقائي عن لوائح الإرهاب الكندية، التي تعتمد نفس لوائح المنظمات الإرهابية التي تضعها وزارة الخارجية الأمريكية. ولم تستبعد مصادر إعلامية في واشنطن أن تكون الخطوة الأمريكية اللافتة واحدة من حلقات استراتيجية إدارة دونالد ترامب الجديدة تجاه سوريا.
ورفضت السلطات الكندية الإجابة عن سؤال وجهته محطة تلفزيونية أمريكية عن تداعيات سحب “هيئة تحرير الشام” من لوائح الإرهاب، على كيفية تعامل القوانين الكندية مع المواطنين الكنديين، الذين يعلنون دعمهم لهذا التنظيم المسلح، ويقدمون له التبرعات المالية أو الذين يذهبون للقتال إلى جانبه في سوريا.
و”هيئة تحرير الشام” تشكيل عسكري أسسته عدة فصائل عسكرية منتشرة في شمال سوريا، وهي “جبهة فتح الشام” جبهة النصرة، وحركة نور الدين الزنكي، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنة، وذلك إثر انعقاد مؤتمر أستانة، ويترأس “هيئة تحرير الشام”، القائد العام السابق لـ”حركة أحرار الشام” الإسلامية، هاشم الشيخ المكنى بأبو جابر، ويتلقى مساعدات عسكرية أمريكية ومن بعض دول خليجية.
الجيش يتقدم في البادية
رغم الغارة الأمريكية قرب التنف وحسب وكالات الأنباء الدولية واصل الجيش السوري يوم الأحد 21 مايو تقدمه في ريف السويداء الشرقي على الحدود مع الأردن، ليصل إلى بادية ريف دمشق، وذلك بعد تمكّنه من السيطرة على “سد الزلف” في ريف محافظة السويداء، بعد معارك مع “جيش العشائر” المحسوب على دول خليجية وواشنطن. هذا التحرك اعتبره ملاحظون تحديا لواشنطن.
كذلك سيطر الجيش السوري على “ظهرة أم السلاسل” و”العيثة”، لتتوسع مساحة سيطرته في بادية السويداء. وفي السياق، تقدمت وحدات الجيش جنوب حاجز “الظاظا” في البادية، لتسيطر على مركز “البحوث العلمية”، ولتكون على بعد 44 كيلومترا عن النقاط المحررة حديثاً من محور السويداء.
أما في ريف حلب الشرقي، فواصلت قوات الجيش السوري تقدمها جنوب مطار الجراح، لتصل إلى “تل فضة” 10 كلم جنوب المطار، ولتصبح على بعد 8 كلم من مدينة مسكنة، آخر معاقل تنظيم “داعش” في المنطقة.
خطوط حمر لمشاريع تدخل
جاء في تقرير صدر في بيروت يوم 19 مايو:
لأول مرة، من دون قفازات أو تبريرات بشأن الرد على أسلحة دمار شامل وغارات “عن طريق الخطأ”، تستهدف طائرات “التحالف الأمريكي” موقعا للجيش السوري وحلفائه، فواشطن التي تعمل على فرض حزام أمني على طول الحدود العراقية السورية، وضعت في الأيام الماضية أمام قرار محور دمشق إفشال مشروعها والتحرك العسكري باتجاه هذه الحدود، وتحديدا من ناحية التنف حيث القاعدة الغربية التي تدير عمليات مسك الحدود والمعابر. غارة الخميس توضح قرار وتوجه واشنطن النهائي: الحدود خط أحمر… بينما ستظهر الأيام المقبلة إن كان لدمشق وحلفائها خطوات تصعيدية مقابلة أو الإقرار بما رسمته الولايات المتحدة لتلك المنطقة بفعل الأمر الواقع. منذ اندفاعة الجيش السوري وحلفائه شرقا نحو عمق البادية، ارتفع احتمال الاشتباك مع القوات الأمريكية وحلفائها من غربيين وفصائل محلية.
فالقرار الذي اتّخده محور دمشق في مواجهة التوجه الأمريكي لفرض حزام أمني على طول الحدود مع العراق، جعل من التصادم واقعا مؤجلا. هذا الواقع اقترب من التحقق في الأيام الماضية بعد تقدم القوات السورية نحو عمق البادية، إثر اشتباكات مع فصائل محسوبة على واشنطن.
فوصول الجيش إلى مشارف مفترق الطرق بين دمشق وبغداد وتدمر، ثم تقدمه ليكون على بعد 35 كيلومترا من التنف، وضع الكرة في ملعب التحالف الأمريكي.
لحظة مفصلية جديدة من عمر حرب بلاد الشام شهدتها الصحراء السورية في أول غارة مقصودة ومعترف بها للتحالف الدولي ضد موقع للجيش السوري. الرسالة الأمريية الواضحة والسريعة جاءت بسبب تشكيل القوات السورية المتقدمة “تهديدا لقوات شريكة للولايات المتحدة”.
قاعدة التنف
في المبدأ، تشكل التنف القاعدة الرئيسية للقوات الأمريكية والبريطانية في البادية السورية. ومنها مركز تخطيط ومنطلق عمل التشكيلات المسلحة العاملة إلى جانب التحالف في باديتي حمص ودمشق ودير الزور. ولمّا كان القرار الأمريكي فاصلاً بإمساك الحدود مع العراق، كان الرد من دمشق وحلفائها بإطلاق سلسلة عمليات على محاور عدة بهدف إفشال مخطط واشنطن. هذه العمليات وضعت الجيش في قلب منطقة العمليات الأمريكية، وتبين أن الخطوات المقبلة هي الاقتراب أكثر من القاعدة الغربية، وعبرها إلى الحدود القريبة حيث المعبر الرسمي. حراك الجيش السوري وحلفائه جاء استباقاً لتحضيرات أمريكية عبر “مغاوير الثورة” ومجموعات عشائرية أخرى، لتشكيل ضغط كبير على مدينة البوكمال قرب الحدود العراقية، وبالتالي إقفال الحدود، والتمهيد لإنشاء حكومة مؤقتة سورية تابعة للغرب، وإيجاد موطئ قدم لقوات عربية يسعى البيت الأبيض لتشكيلها في محاولة لعكس مسار الحرب التي تتطور بشكل ثابت لصالح دمشق.
وأفادت قناة “سي بي إس″ الأمريكية نقلا عن مصادر خاصة، أن الأيام القليلة الماضية شهدت “اختراقا من قبل القوات السورية لمنطقة وقف تصادم قريبة من موقع المستشارين الأمريكيين الذين يدربون قوات معارضة”. وذكرت أن “قافلة من 27 آلية وصلت إلى بعد 18 كيلومتراً من التنف، وقامت طائرة أمريكية بالضغط عليها، وعندما لم تتراجع استهدفت الطائرة عددا من المركبات”، مضيفة أنه في حادثة أخرى “اخترقت طائرة سو 22 سورية منطقة وقف التصادم ولكن تم اعتراضها من قبل طائرتي اف 22″.
وبدا لافتا حجم التركيز الأمريكي على أن “الضربة قد تم تشخيصها على أنها دفاعية”، إذ أكد وزير الدفاع ماتيس أن بلاده “لا توسع دورها في الحرب السورية… لكنها ستدافع عن قواتها إذا اتّخذ أَحد خطوات عدائية ضدنا”.
عضو اللجنة الدولية في مجلس الاتحاد الروسي إيغور موروزوف صرح، أن على مجلس الأمن الدولي تصنيف الضربة على أنها “عمل عدواني أحادي الجانب” ضد دولة ذات سيادة.
وفي معرض تعليقه على تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، جوزيف دانفورد، بأن الولايات المتحدة لن تكرر ضرباتها على سوريا طالما لا يوجد تهديد لقواتها، قال النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع بمجلس الاتحاد الروسي، فرانتس كلينتسيفيتش: “سيقول أي عسكري لكم إن مفهوم “التهديد” قد يكون له تفسير واسع، ويعني ذلك أن الأمريكيين يحتفظون بالحق في ضرب سوريا في أي لحظة”.
وأضاف أن “الأمريكيين أكدوا في الواقع أن الهدف من وجودهم في سوريا ليس مكافحة “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية، وإنما إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد”.
سوريا فيتنام ثانية
مصادر رصد أوروبية ذكرت في تقارير لها في نهاية الربع الأول من سنة 2017، أن البيت الأبيض تبنى خطة وضعها البنتاغون الأمريكي لوقف تعثر المخططات الأمريكية في سوريا بدون التورط بإرسال مزيد من الجنود الأمريكيين إلى المنطقة. وتقوم الخطة على تعزيز التعاون العلني مع الفصائل المسلحة التي تقاتل الجيش السوري والتي كانت تصنف سابقا على أنها إرهابية بما في ذلك التنظيمات الكردية المسلحة التي تواجه الجيش التركي منذ سنوات طوال، مع العمل على جلب قوات من بعض الدول العربية تحت شعار محاربة التنظيمات الإرهابية أو دعم التنظيمات المعتدلة المعارضة لدمشق. وحسب الخطة يتركز الدعم الأمريكي في القوة الجوية التي ستقوم بفرض مناطق يمنع على الجيش السوري التقدم نحوها.
المصادر الأوروبية أشارت أن هذا المشروع يذكر بما إتبعته واشنطن بداية عقد الستينيات من القرن الماضي في الفيتنام، عندما قدرت أنها بالدعم الجوي وبعض المستشارين يمكن هزيمة الفيتكونغ، غير أنها إضطرت في النهاية إلى التدخل بقواتها.
نهاية سنة 2015 نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرا تحدثت فيه عن إمكانية أن تصبح سوريا فيتنام جديدة، وقال التقرير: بعد قرار واشنطن إرسال 50 عنصر من القوات الخاصة إلى سوريا بهدف محاربة تنظيم الدولة، توجب علينا أن نكون حذرين من إعادة التاريخ لنفسه، وإمكانية أن تصبح سوريا فيتنام جديدة بالنسبة لأمريكا.
الخطأ الأصلي مع سوريا، كما هو الحال مع الفيتنام، اعتقاد قادة واشنطن بأن الحروب الأهلية وحركات التمرد التي تجري في منتصف الطريق في جميع أنحاء العالم تمثل مصلحة الأمن القومي بجزئياتها الدقيقة. ففي ذلك الوقت سيطر وهم “نظرية الدومينو” على تفكير معظم الساسة الأمريكيين، وتعتقد هذه النظرية بأنه إذا أصبحت أمة واحدة شيوعية، فإن ذلك سيفتح الباب أمام سلسلة من ردود الفعل عند جميع الدول الأخرى في المنطقة، لتحذو حذو الأمة صاحبة المبادرة مبررة في الوقت نفسه قرار الانخراط في دولة صغيرة لا تشكل في حد ذاتها أي تهديد للولايات المتحدة. وأن نسخة من هذا المنطق هي في العمل مرة أخرى في إشارة إلى ما يحدث في سوريا.
قبل مقولة “الحرب إلى الأبد”، قال الرئيس جون كينيدي للأمريكيين أن الولايات المتحدة تقوم فقط بتدريب الجيش الفيتنامي الجنوبي، لكنه في نهاية المطاف، تدخلت الولايات المتحدة عسكرياً وبشكل كامل على الأرض.
اليوم، وبعد تدخلٍ غير مبرر في سوريا، جعلت الولايات المتحدة الامور أكثر سوءاً من خلال تبني علاقات غير فعالة ومكلفة مع شركاء محليين على الأرض، وذلك بعد سنوات من الجدل حول عدم وجود من يستحق الدعم بين الثوار في سوريا، وعندئذٍ قررت إدارة واشنطن التعاون وصرفت ملايين الدولارات على أقل برامج التدريب نجاحا في التاريخ الأمريكي، حسب شهادة قائد القيادة المركزية حيث قال فقط “أربع أو خمس” من الذين تلقوا التدريب هم في المعركة.
تتساءل الغارديان في مقالها عن السبب الذي جعل إدارة البيت الأبيض ترتكب مثل هذا الخطأ الفادح، في حين تقدم الفيتنام الكثير من الدروس المؤلمة لتجنب تكرار مثل هذه الأخطاء بالتحديد.
بعد سقوط ديان بيان فو في عام 1954، قررت إدارة أيزنهاور البدء بدعم فيتنام الجنوبية مباشرة. وحدثت أول الاصابات لمستشارين أمريكيين عامليين في فيتنام عام 1959، أما في العام التالي فقد ازداد عدد المستشارين إلى ما يقرب من 700 مستشار في فيتنام، ومع كينيدي فقد تضاعف العدد ثلاثة مرات. وبحلول عام 1968 كان هناك أكثر من 500 ألف جندي أمريكي في فيتنام.
إن قوة الجيش الامريكي لا تستطيع إيجاد أو زرع الديمقراطية في أراضٍ أجنبية، ولا يمكنها فرض تغييرات في أوساط السكان الأجانب. فقط تلك الحكومات المحلية وشعوبها يمكن أن تُحدث تغيير سياسي إذا كانوا هم أنفسهم يريدون ذلك. هذا هو مجرد درس واحد من العديد من الدروس التي يمكن أن تقدمها فيتنام للإدارة الحالية للتعلم منها طبعا إذا كانوا على استعداد للتعلم.
متاهة الدبلوماسية الأمريكية
يوم 21 مايو 2017 وفيما يعتبر صدمة لدعاية البيت الأبيض، نشرت محطة “سي بي سي” الامريكية نتائج احصاء اجرته في سوريا بعيدا عن الانظار وفي القرى والمدن السورية اضافة الى الساحل وريف حما وحمص وحلب، تقول المحطة تبين ان الرئيس بشار الاسد وحسب نسب المستطلعين يتمتع بشعبية تفوق تسعة أضعاف ما حصل عليه المرشح المفترض من المعارضة.
وفي حالة اجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا خلال شهر مايو فان الرئيس بشار الاسد سيحصل على الاكثرية المطلقة ليعود رئيسا للجمهورية لولاية رابعة.
يشار أنه في شهر أبريل 2017 أظهرت تصريحات متفرقة لمسؤولين بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تخبطاً في الموقف من الرئيس السوري بشار الأسد، ففي الوقت الذي أعلنت فيه المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة أنه لا حل سياسي في وجود الأسد قال وزير الخارجية إن المناقشات السياسية ستتطلب مشاركة الرئيس السوري.
وردا على سؤال في مقابلة مع محطة سي إن إن، السبت 8 أبريل 2017 عما إذا كانت السياسة الرسمية الأمريكية حالياً تتجه لتغيير النظام في سوريا، أجابت هايلي، أن لدى بلادها العديد من الأولويات.
وأوضحت أن رحيل الأسد ليس الأولوية الوحيدة، وإنما هناك محاولة هزيمة داعش، وكسر النفوذ الإيراني في سوريا، والوصول إلى الحل السياسي في النهاية..
وأضافت أن بلادها تعتقد أن النظام سوف يتغير، “فاحتمال تحقق الحل السياسي في سوريا غير ممكن مع وجود الأسد في الحكم”.
فيما أعلن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون السبت 8 أبريل 2017 أن “الأولوية الأولى للولايات المتحدة في سوريا هي هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية” حتى قبل أن يتحقق الاستقرار في البلاد.
وذكر تيلرسون عبر برنامج “واجه الأمة” على شبكة “سي بي إس″ التلفزيونية، بحسب مقتطفات من المقابلة، إن التغلّب على تنظيم الدولة الإسلامية واستئصال “الخلافة” التي أعلنها سيقضيان على تهديد لا يطال الولايات المتحدة فحسب بل يطال “الاستقرار في المنطقة بكاملها”.
وأضاف تيلرسون في المقابلة “من المهم أن تبقى أولوياتنا واضحة. ونعتقد أن أولى الأولويات هي هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية”. وتابع “بعد الحد من تهديد تنظيم الدولة الإسلامية أو القضاء عليه، أعتقد أنه يمكننا وقتها تحويل اهتمامنا في شكل مباشر نحو تحقيق الاستقرار في سوريا”.
وأردف “نأمل أن نتمكن من منع استمرار الحرب الأهلية في البلاد وأن نستطيع جعل الأطراف يجلسون إلى الطاولة لبدء عملية المناقشات السياسية”.
وفي هذا الصدد، أكد وزير الخارجية الأمريكي أن مناقشات كهذه ستتطلب مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه. لكنه ركز على موسكو بينما تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا توترا كبيراً.
اخطار غير مرتقبة
يقدر مراقبون في لبنان أن المعطيات التي خرجت، عقب الغارة الأمريكية ضد القوات السورية على طريق التنف تشير، إلى أن معارك الشرق السوري قد تتطور إلى سيناريوات غير مرتقبة، في حال فشل التوصل إلى “تفاهم” مسبق يحدد مناطق السيطرة والنفوذ، على غرار ما شهدته المناطق المحاذية للحدود الشمالية. ويأتي ذلك في ظل توجه دمشق وحلفائها إلى حسم “أحقية” توجّهها نحو الحدود
حملت الغارة الأمريكية الأخيرة أسئلة كثيرة تضاف إلى “عدم اليقين” الذي يلف مشهد الشرق السوري. التردد الأمريكي في استهداف القوات المتقدمة نحو قواعد فصائلها التي تراهن على خلافتها لتنظيم “داعش” على طول الحدود مع العراق، يشير إلى أن واشنطن حريصة على عدم خسارة التنسيق مع موسكو كحرصها على ضمان نفوذها هناك.
التنسيق الروسي الأمريكي لوجود وتحرك القوات البرية تطور في أعقاب ما جرى في محيط مدينة منبج، وتم تأطيره خلال “اجتماع أنطاليا” الثلاثي بين رؤساء الأركان، الأمريكي والروسي والتركي، مطلع مارس 2017. ورغم عدم صدور مذكّرة رسمية علنية عن الاجتماع حينها، فقد أكدت جميع المصادر المطلعة أن مخرجاته كانت تتضمن “قواعد فصل” بين القوات على الأرض السورية، ظهرت مفاعيلها في “استقرار” مناطق الشمال النسبي، عقب الاجتماع. حينها، خرجت تصريحات عن حلفاء دمشق الميدانيين بعد يوم واحد تؤكد مشاركتهم لدمشق في معاركها على كامل الأرض السورية، مخصصة منطقة الحدود السورية العراقية. وقد يتقاطع ما سبق مع إشارة بيان “التحالف الدولي” إلى أن التقدم السوري الأخير صوب التنف “جاء رغم محاولات موسكو لثني القوات الموالية للنظام”. وهنا يبدو لافتا ما ذكره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن عدم وجود معلومات لديه بوجود تواصل أمريكي مسبق مع موسكو قبيل تنفيذ الغارة.
خبير عسكري روسي صرح: نحن نعرف أن الولايات المتحدة تدخلت في شؤون عدة دول تحت عناوين محاربة الإرهاب أو عنوان تخليص الشعب من الديكتاتورية أو تصدير الديمقراطية أو القضاء على أسلحة الدمار الشامل وإلى ما هنالك، ولكن كانت نتيجة التدخل الأمريكي هو تقسيم هذه الدول والاقتتال وانتشار الإرهاب فيها والأمثلة الحية لا زالت شاهدة على ما فعلته الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان وليبيا وكوريا واليوم تريد إعادة نفس السيناريو في سوريا، ولكن اليوم يختلف عن البارحة فروسيا دولة قوية ولن تسمح بعودة أحادية القطب والتفرد بالعالم.
raialyoum
عمر نجيب