لم يكن عقبة بن نافع قائدًا عسكريًّا فقط، بل كان صاحب عقلية مبدعة واعية بشئون المغرب والشمال الإفريقي، وذلك خلال حملاته الجهادية المستمرة على الشمال الإفريقي؛ حيث أدرك أهمية بناء مدينة إسلامية في هذه البقاع وذلك لعدة أسباب عسكرية ودعوية.
وبالفعل بدأ عقبة بن نافع في بناء مدينة القيروان بإفريقية (تونس الآن) في مكان تتوافر فيه شروط الأمن الدعوي والحربي للمسلمين بحيث تكون قاعدة حربية أمامية في القتال، ومنارة دعوية لنشر الإسلام.
وقد انطبقت كل الشروط المطلوب توافرها في منطقة أحراش مليئة بالوحوش والحيات، فقال له رجاله: إنك أمرتنا بالبناء في شعاب لا ترام، ونحن نخاف من السباع والحيّات وغير ذلك من دواب الأرض، وكان في عسكره خمسة عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم وقال: إني داعٍ فأمّنوا، وبالفعل دعا الله تعالى طويلاً والصحابة والناس يأمّنون، ثم قال عقبة مخاطبًا سكان الوادي: أيتها الحيّات والسباع، نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتحلوا عنا فإنا نازلون، ومن وجدناه بعد ذلك قتلناه.
فحدثت بعدها كرامة هائلة حيث خرجت السباع من الأحراش تحمل أشبالها والذئب يحمل جروه، والحيّات تحمل أولادها، في مشهد لا يرى مثله في التاريخ، فنادى عقبة في الناس: كفوا عنهم حتى يرتحلوا عنا.
وهكذا يصل الإيمان والثقة بالله تعالى لهذا المستوى الفائق من اليقين بنصرة الله تعالى وتأييده، فهذا هو البطل الفاتح يصل به الإيمان والكرامة إلى أن يتكلم مع الحيوانات البهائم، فيطيعونه ويسمعون أوامره، وهكذا يصبح الكون كله ومن فيه مسخرًا لخدمته.
وقد استمر بناء مدينة القيروان قرابة الخمس سنوات، حتى أصبحت القيروان درّة المغرب، وشيّد عقبة بها جامعًا كبيرًا أصبح منارة العلم، وملتقى للدعاة والعلماء والمجاهدين، وأصبح جامع القيروان أول جامعة إسلامية في إفريقيا وذلك قبل الأزهر بعدة قرون.
lite.islamstory.com