عندما تولت شجرة الدر حكم مصر دبرت أمرها للزواج من أمير لأجل التنازل عن الحكم ظاهريا وفي الباطن تكون هي الحاكم الفعلي، وحتى تضمن ولاء المماليك القوة الأولى في مصر، قررت أن تختار رجلا منهم.
ومن ثَمَّ اختارت رجلًا من المماليك اشتهر بينهم بالبعد عن الخلافات، والهدوء النسبي، فكان هذا الرجل هو عزّ الدين أيبك التركماني الصالحي.. وهو من المماليك الصالحية البحرية .. أي من مماليك زوجها الراحل الملك الصالح نجم الدين أيوب.. ولم تختر شجرة الدرّ رجلًا من المماليك الأقوياء أمثال فارس الدين أقطاي أو ركن الدين بيبرس؛ وذلك لتتمكن من الحكم بلا منازع.
لكن يبدو أن ذكاء شجرة الدرّ قد خانها عند اختيار ذلك الرجل؛ فالملك المعز عزّ الدين أيبك لم يكن بالضعف الذي تخيلته شجرة الدرّ ولا المماليك البحرية، فقد أدرك الملك الجديد من أول لحظة أهداف الملكة المتنازلة عن العرش، وعرف خطورة المماليك البحرية، فبدأ يرتب أوراقه في حذر شديد.
كان الملك المعز عزّ الدين أيبك من الذكاء بحيث إنه لم يصطدم بشجرة الدرّ ولا بزعماء المماليك البحرية في أول أمره.. بل بدأ يقوي من شأنه، ويعد عدته تدريجيًا.
وبالفعل نجح أيبك في التحكم في مصر ومن ثَمَّ زاد نفور زعماء المماليك البحرية منه، وبخاصةٍ فارس الدين أقطاي الذي كان يبادله كراهية معلنة، لا يخفيها فقد بالغ فارس الدين أقطاي في احتقار أيبك بحيث كان يناديه باسمه مجردًا من أي ألقاب، وهذا يعكس اعتقاد فارس الدين أقطاي أن هذا الملك صورة لا قيمة لها.
هذه المعاملة من أقطاي، وإحساس أيبك من داخله أن المماليك البحرية -وقد يكون عامة الشعب أيضًا- ينظرون إليه على أنه مجرد زوج للملكة المتحكمة في الدولة هذا جعله يفكر جديًا في التخلص من أقطاي ليضمن الأمان لنفسه، وليثبت قوته للجميع.
انتظر أيبك الفرصة المناسبة إلى أن علم أن أقطاي يتجهز للزواج من إحدى الأميرات الأيوبيات، فأدرك أن أقطاي يحاول أن يضفي على نفسه صورة جميلة أمام الشعب، وأن يجعل له انتماءً واضحًا للأسرة الأيوبية التي حكمت مصر قرابة ثمانين سنة، وإذا كانت شجرة الدرّ حكمت مصر لكونها زوجة الصالح أيوب، فلماذا لا يحكم أقطاي مصر لكونه زوجا لأميرة أيوبية فضلا عن قيادته للجيوش؟!
هنا شعر الملك المعز عز الدين أيبك بالخطر الشديد، وأن هذه بوادر انقلاب عليه، فاعتبر أن ما فعله أقطاي سابقًا من إهانة واحتقار، وما يفعله الآن من زواج بالأميرة الأيوبية ما هو إلا مؤامرة لتنحية أيبك عن الحكم؛ ومن ثَمَّ أصدر أيبك أوامره بقتل زعيم المماليك البحرية أقطاي.
وبالفعل تم قتل فارس الدين أقطاي بأوامر الملك المعز، وبتنفيذ من مماليكه المعزية في 3 شعبان 652 هـ/ 17سبتمبر 1254م.
وبقتل أقطاي خلت الساحة لأيبك، وبدأ يظهر قوته، وبدأ دور الزوجة شجرة الدرّ يقل؛ فقد اكتسب الملك المعز الخبرة اللازمة، وزادت قوَّة مماليكه المعزية، واستقرت الأوضاع في بلده إلى حين.
lite.islamstory.com