كتب-إشراق أحمد:
قبل عام ونصف، بدأت أميرة جودت رحلة البحث بين الأطباء، عن سبب ما تعانيه من ألم جسدي حاد أفقدها أحيانًا القدرة على مغادرة المنزل، في الوقت الذي كانت الطبيبة أميرة حمدي تتبادل مع غيرها من المرضى تجربة الإصابة بمرض "فيبروميالجيا-Fibromyalgia".
مرت الأيام، اجتمعت السيدتان المصابتان بالمرض غير المعروف للكثير، وقررت "الأميرتان" إمساك زمام المبادرة لإعلام الجميع بذلك الداء، من مرضى تائهون لجهلهم بما أصابهم، ومحيط يغفل التعامل مع أصحاب المعاناة.
متلازمة الألم العضلي الليفي هو التعريف العربي الذي عرفته "جودت" عما تعانيه منذ عامين، وشملت أعراضه الألم الشديد في جميع مفاصل الجسد، الإرهاق دون سبب، صعوبة النوم، حساسية للضوء والحرارة، الاكتئاب وغيرها من الأعراض التي تلاحق مصابي ذلك المرض.
فيبروميالجيا.. يعني إيه؟
"هو مرض روماتيزمي مسجل وموجود لكن هويته مش واضحة بالنسبة لنا" بهذا أخذ أحمد إبراهيم أستاذ أمراض الروماتيزم بجامعة عين شمس يوضح تفاصيل داء الفيبروميالجيا، فما يُعرف عنه إن الجسم يتعامل مع مفهوم الألم بشكل مختلف، يُضخم المخ استقبال الوجع وإحساسه به، وهناك نوعان منه، أولي وثانوي، وأما الأخير يصاحب مرض عضوي أخر مثل الروماتيزم وهو أصعب حسب قول الطبيب المتخصص "بيبقى عندنا مشكلتين محتاجين نعالجهم ونفسر تداخل أعراضهم".
ظلت "جودت" في متاهة بين الأطباء، البعض صنف ما لديها بالذئبة الحمراء "روحت عملت تحاليل في 3 معامل مختلفة والنتيجة طبيعة مطلعش عندي أي حاجة"، بقيت تتألم دون سبب إلى أن استقرت مع قول أحد أساتذة أمراض الروماتيزم "أنت عندك فيبروميالجيا". وقع الاسم غريبًا على الطبيبة البيطرية، تلعثمت في نطقه ثم طالبته بالتوضيح، ليخبرها أنه مرض مزمن، فقط المسكنات ما تخفف الألم.
خلافًا لـ"جودت" استقبلت "حمدي" صدمة اكتشاف مرضها صدفة بالبحث، كونها طبيبة بشرية سّهل فهمها للأمر "بتكلم مع زميلتي طبيبة روماتيزم قالت لي ليكون عندك فيبروميالجيا"، أخذت طبيبة العيون الكلمة وفتشت إلكترونيا ورائها، لتجد أن جميع أعراض المرض تقريبًا تنطبق عليها، وتأكدت بعد ذهابها لأحد أطباء الروماتيزم والمناعة المشهورين "قال لي مفيش حاجة في الدنيا أعراضها ملهاش علاقة ببعض غير الفيبروميالجيا".
يقول أستاذ أمراض الروماتيزم بجامعة عين شمس، إن الألم العضلي الليفي مرض يعتمد تشخصيه على الاستبعاد "بمعنى أن الدكتور لازم يتأكد أن المريض معندوش أي من الأمراض العضوية والنفسية المتشابه أعراضها مع الفيبروميالجيا".
ويوضح "إبراهيم" أن هناك الكثير من الأمراض تسبب الإرهاق المستمر، الاكتئاب، الألم متعدد المواضع، مثل الروماتيزم المفصلي، اختلال هرمون الغدة الدرقية، نقص فيتامين د، لذلك قبل أن يتم صياغة مصطلح فيبروميالجيا أو يصبح مرضًا مستقلاً تم تشخيصه على أنه أعراض مصاحبة لأمراض عضوية أخرى منها أمراض روماتيزمية أو أنها مشكلة نفسية، حتى أن كثير من المصابين في البداية تم تشخصيهم على أنهم مرضى نفسيين، قبل فحصهم والانتباه إلى مرضهم حسب قول أستاذ الروماتيزم.
متى تكتشف المرض؟
كان ذلك قبل خمسة أعوام حين أيقنت طبيبة العيون هوية مرضها، الذي لاحقها منذ كانت طالبة في مرحلة البكالوريوس "وقتها كان عندي ألم شديد في رقبتي قلت يمكن من قعدة المكتب"، وانتقل الوجع إلى ظهرها في سنة الامتياز، مع زيادة الدراسة والتعامل مع المرضى والمبيت في "نبطشيات" بالمستشفى، ظلت الطبيبة من 2003 حتى 2005 تتردد على الأطباء "كل ما اروح لحد يقول لي أكيد عندك انزلاق غضروفي ولما اعمل أشعة يطلع مفيش حاجة".
لم تلتف "حمدي" ذات السابعة والثلاثين عامًا كثيرًا للألم مع المسكنات، حتى ولادة طفلتها الأولى "زاد الوجع لدرجة أني جالي اكتئاب شديد وبقيت اتنرفز جامد"، وكما اكتشفت مرضها بالصدفة، وجدت أن "الفيبروميالجيا" يصيب عدد من الأشخاص في محيطها خاصة السيدات، وهو ما تشير إليه الأبحاث التي أطلعت عليها الطبيبة "الفيبروميالجيا بيصيب 7-10% من سكان العالم 75% منهم من النساء".
يؤكد أستاذ أمراض الروماتيزم أن مريض الفيبروميالجيا بمصر يستغرق وقتًا طويلاً حتى يعرف أنه مصاب بـ"الإرهاق المزمن" –كما يطلق عليه- لأسباب عدة منها عدم وجود "تحاليل أو أشعة تتعمل تقول لحد أنه مريض فيبروميالجيا"، يقول الطبيب المتخصص أن التشخيص اعتمد منذ التسعينات على خصائص تقوم على وجود 18 نقطة في جسم المريض، يتم فحصها للتأكد أن من بينها 11 نقطة على الأقل متفرقة بجسد المريض يشعر فيها بألم غير مبرر، فضلا عن الشكوى السمعية على غرار أنه لا عند يرتاح عند النوم والاكتئاب.
عام 2010 دخلت طريقة أخرى للتشخيص بحسب قول "إبراهيم"، بدأ الحديث عن التعامل بالتدريج مع شكوى المريض من الألم المهاجم للجسد كله "نعطي المريض أرقام ونشترط في هذا كله ألا يكون لدى المريض مرض عضوي يفسر الشكوى التي يعاني منها"، فتشخيص مريض أنه يعاني "فيبروميالجيا" أمر "صعب جدا" كما يصف أستاذ أمراض الروماتيزم، الذي يُرجع "متاهة" المريض بين الأطباء أيضًا إلى غياب الوعي الطبي والثقافي للعامة "وده راجع للمنظومة كلها.. مثلاً في الخارج هناك طبيب أسرة هو المسؤول يشوف المريض ويحوله على الطبيب المناسب".
باب التوعية
المعلومات المتاحة عن الفيبروميالجيا غالبًا ما تكون متوافرة باللغة الإنجليزية؛ فقررت "حمدي" عمل ساحة مغلقة على فيسبوك تجتمع فيها مع غيرها من المرضى، في البداية قبل عامين، ضمت الصفحة التي أنشأتها الطبيبة باسم "فيبروميالجيا بالعربي" 3 أشخاص، زادت تباعًا حتى وصلت إلى نحو ألف شخص مريض وأسرهم، لاسيما بعدما أضافت "حمدي" كلمة مصر إلى "الجروب" فأصبحت "فيبروميالجيا في مصر Fibromyalgia In Egypt"، تأكدت حينها الطبيبة أن هناك الكثير في مصر يبحث عن المرض، وبين هؤلاء كانت "جودت".
"اكتشفت أن في ناس عندها نفس الحالة.. في حد حاسس باللي أنا حاسة بيه" تقول "جودت" عن شعورها بعدما انضمت إلى مجموعة الفيبروميالجيا، وكذلك كان إحساس كل عضو جديد ينضم بحسب وصف "حمدي"، وتوضح الطبيبة البيطرية السبب "لأن كل اللي حواليك مش بيصدقوا أنك مش قادر تتحرك مع أن التحاليل والأشعة بتقول مفيش حاجة"، فذلك ثاني أسوأ شعور يتسلل لمريض الفيبروميالجيا بعد التردد على الأطباء "وأنك تكون تعبان ومش عارف عندك إيه".
"اللص الخفي" أحد الأوصاف المطلقة على الفيبروميالجيا؛ يسلب المرض طاقة المريض "ممكن يقاطعه صحابه لأنه مبقاش يخرج معاهم أو يرد عليهم ويتفاعل معاهم"، تقول "جودت" أن كثيرًا ما يكون المصاب بذلك المرض غير قادر على الحديث حتى مع النفس بحسب وصفها، وهو ما يؤدي لحالة شديدة من الاكتئاب وغيرها من الأعراض النفسية، تزيد مع عبارات المحيطين على غرار "شيلي المرض من دماغك.. معندكش حاجة ما أنا كمان بيحصلي كده.. أقرى قرآن وقرب من ربنا هترتاح".
أسباب الفيبرو
حتى الأن لم يتم التوصل لسبب الفيبروميالجيا حسب تأكيد أستاذ الروماتيزم بجامعة عين شمس، لكن هناك مؤشرات وشرائح اشتهرت مع الوقت "غالبا ما يظهر المرض بعد صدمة نفسية أو عاطفية" كذلك قد يصاب به الأشخاص الذين يعانون في الأساس من مشكلات نفسية، ومن لا يتحملون ضغوط الحياة، والذين لا يمارسون الرياضة ويواصلون الأعمال المكتبية دون حركة، كما أن فترة انقطاع الطمث عند السيدات تكون "فترة ذهبية للمرض" حسب وصف الطبيب المتخصص.
لهذه الأسباب وما ينجم عن المرض من مشكلات تعوق الحياة؛ ينسق الطبيب المعالج في الغالب مع زميل متخصص بالطب النفسي، لاسيما أن "الألم المزمن يدخل المريض في اكتئاب دي قاعدة"، وهو المعتمد بالخارج مع المرضى "بيكون في فريق عمل بداية من طبيب روماتيزم، وعلاج طبيعي وروماتيزم، طبيب مهني، وأخر نفسي وممرضة متخصصة في الفيبروميالجيا أو أمراض الروماتيزم وأخصائي تغذية".
ويوضح أحمد أبو الوفا أخصائي الطب النفسي، أن التدخل النفسي يكون للتعامل مع التغيرات التي يشهدها الشخص جراء مرضه وليس لأنه مريض "فيبروميالجيا"، يذكر منها اضطراب العلاقات الشخصية، انخفاض درجة أداء المهام المنزلية، والقدرة على الإنتاج في العمل، ومن ثم "الشخص يبقى محبط من نفسه، يحس أنه مقصر ومش بيبذل مجهود وهو اللي عنده المشكلة" بحسب الطبيب النفسي.
حرصت "جودت" على متابعة مجموعة "فيبروميالجيا" بشكل يومي، تقول إنها كانت تعينها على مواصلة الحياة مع المرض، كانت ملاذ أشبه بجلسات الدعم النفسي، عبره كذلك وضعت "حمدي" يدها أكثر على مشاكل المرض، تقول إن هناك مرضى شباب في مرحلة الالتحاق بالجيش، ولا يعرفون كيف يثبتون مرضهم في كشوف الاختبارات والتحاليل خالية من المرض "محدش يعرف ممكن يحصل إيه لمريض فيبروميالجيا يقف مثلا في طابور لـ6 ساعات".
مع الوقت وجدت "الأميرتان" أن الصفحة المغلقة قد تتحول إلى "فقاعة" ينعزلون فيها وحدهم عن المجتمع المحيط بهم " كنا بنكلم نفسنا مع أن ممكن في ناس تعبانة ومش عارفة وكمان لازم اللي حوالين المريض يعرفوا" تقول "حمدي" عن خطوتهم الجديدة في طريق التوعية عبر إطلاقهم حملة "فيبروميالجيا بالعربي".
قبل 5 أيام من اليوم العالمي للتوعية بمرض الفيبروميالجيا، الموافق 12 مايو الجاري، تناقَش أعضاء المجموعة المغلقة من المرضى على ضرورة الخروج للنور، اقترحت "جودت" إنشاء صفحة مفتوحة لجميع الناس، ينشرون عليها معلومات أساسية، وفيديوهات يتحدثون فيها عن تجارهم مع المرض؛ تحمست "حمدي" للفكرة، لتبدأ السيدتان التنفيذ بالتزامن مع اليوم العالمي.
خرجت "الأميرتان" تتحدثا عن الفيبروميالجيا، لم يكن الأمر يسيرًا أن تظهر على جمع لا تعرفه وتخبرهم "أنك عيان"، لكن العزاء كان في النتيجة؛ حاز المقطعان المصوران على آلاف المشاهدات، كان ذلك بمثابة دعم نفسي آخر للسيدتين.
خلال الـ10 سنوات الأخيرة نال "يبروميالجيا اهتمام طبي أكثر حسب قول أستاذ الروماتيزم "لأن من الواضح أن الرقم أكبر مما نتخيل، وأنه ليس مرض نادر كما كنا نظن"، لا يوجد سن معين لمرض الإرهاق المزمن، الذي تم الوعي به كمرض مستقل قبل أكثر 35 عامًا حسب قول إبراهيم"، لكنه يظهر بشكل أكبر عند السيدات في منتصف العمر-30-35 عام- لكن هذا لا يمنع من ظهوره في المراهقين كما يقول "إبراهيم".
التأثير والعلاج
تتبدل حياة مريض الفيبروميالجيا، ربما حركة تمشيط شعره أو الاستحمام يلزمه المنزل يومًا كاملاً، فإن كان أي تأثير على الإنسان يكون بمقدار درجة، فيبلغ عند مرضى الإرهاق المزمن 100 درجة كما تقول "حمدي"، حتى أن بعض الدول أدرجته تحت أمراض العجز "لأن المريض به دايما عنده مشكلة من الممكن مثلا أن يترك العمل بسبب مرضه" حسب قول طبيب الروماتيزم.
فقدت "جودت" القدرة على القيام بالأعمال اليدوية كما كانت تفعل بجانب عملها، وجدت كل من "الأميرتين" أن العمل الحر هو المناسب لمريض "الفيبروميالجيا"، فتذهب "حمدي" لعيادتها الخاصة، إذ ساعدها دعم زوجها "مفيش مطبختيش ليه النهاردة"، وكذلك زملائها على مواصلة عملها بالمستشفى الخاص "بروح 3 أيام محددة ولو يوم مبلغتهمش الصبح يعرفوا أني مقدرتش اروح"، تقول طبيبة العيون أن التوعية هي ما أدت لتفهم من حولها لطبيعة مرضها، وهو ما يحتاجه كل مريض بـالإرهاق المزمن "لولا الدعم مفيش مريض فيبروميالجيا يقدر يكمل حياته وشغله".
ليس هناك علاج "سحري" للإرهاق المزمن كما يقول أستاذ الروماتيزم، يعتمد الأطباء على مجموعة من الأدوية أقرتها الكلية الأمريكية لعلاج الفيبروميالجيا، متعلقة بالأعصاب والمفاصل ومضادات الاكتئاب، غير أن تقييم الرابطة الأوروبية لأمراض الروماتيزم الأخير قال وفقا لـ"إبراهيم" إن تأثير هذه الأدوية ضعيف "بالطب المبني على الدليل"، وهو ما يعني إمكانية نجاحها مع مريض دون آخر، وهو ما يضيف لمشاكل المرض عائق أخر، فضلا عن ارتفاع تكلفة الأدوية حسب قول الطبيبتين المريضتين "مش أقل من ألف جنيه شهريا للأدوية ودي مش في قدرة كل الناس".
مازالت الحملة التي أطلقتها "الأميرتان"، ويمكن وصفها بالشعبية في طور البداية، تسير إلى جانب 3 صفحات عربية أخرى على الفيسبوك (مغربية، أردنية، عربية فيها جنسيات مختلفة)، تتمنى "الأميرتان" أن تتوسع التوعية بالمرض، حتى لا يعاني المزيد مثل مَن عانوا، تطمحا أن تضمهم جمعية أهلية تتحدث بلسان المرضى، ترعى شؤونهم غير المقتصرة على مشاكل المرض الصحية، والتي ليس هناك توصية قوية بشأنها سوى ممارسة الرياضات الحركية لتقليل الآلام وفقًا لأستاذ الروماتيزم، كما أنه لا وجود لوسائل وقاية من الفيبروميالجيا ينصح بها الطبيب سوى "ملء فراغ الحياة ولا ندع ضغوطات الحياة هي اللي تحركنا"
masrawy.com