"عبيد" في بريطانيا الحديثة
لم تحصل ماريا وكيم على أي مقابل لعملهما
تدفقت الدموع من عينيها لدى سؤالها: " ما الذي حدث لك؟" بالكاد يمكنك سماعها، ولكنك لست بحاجة لكلمات لتتفهم معاناتها.
ولدت في الفلبين التي غادرتها لتعمل خادمة بمنزل إحدى السيدات في الخليج. وفي أبريل/نيسان من العام الحالي انتقلت إلى بريطانيا بتأشيرة سليمة، ومنذ وصولها وهي تتعرض للاستغلال، فأحيانا بالكاد تحصل على غذائها، ومن المتوقع منها العمل طول الوقت، ولم تحصل على أجر منذ 5 أشهر.
وقد هربت ماريا من صاحب العمل قبل أسبوع من لقائها مع بي بي سي. وكذلك كيم هربت من موقف مشابه منذ فترة، ولكن ما زالت ذكرى معاملة أهل البيت الذي عملت به خادمة تؤلمها.
وتقول كيم: "تلك العائلة اعتبرتني نفايات، وقالوا لي ذات يوم أنتم مجرد عبيد أيها الفلبينيون".
واسما ماريا وكيم ليسا حقيقيان، إذ أن بي بي سي تحمي السيدتين اللتين نجحتا مؤخرا في الهروب من أرباب عمليهما. وهما تتلقيان المساعدة من هيئة خيرية تسمى "العدالة لخدم المنازل".
والأشخاص الذين عملت كيم لحسابهم نقلوها في طائرة خاصة لتعيش في منزل فخم، حيث لم تتلقى أي عائد مقابل عملها.
ويقدر عدد الذين يعيشون في ظروف مشابهة لحياة العبودية بنحو 40 مليون شخص في أنحاء العالم .
كيفن هايلاند المفوض البريطاني لمكافحة العبودية يقول إنه يعتقد بوجود عشرات الآلاف يعانون
ويقول كيفن هايلاند، المفوض البريطاني لمكافحة العبودية، إنه حتى في بلد مثل بريطانيا، التي تتقدم كثيرا عن غيرها في مجال مكافحة العبودية، يُعتقد أن هناك عشرات الآلاف ممن يعانون في صمت.
أولوية
وجعلت الحكومة البريطانية التصدي لهذه المسألة من أولوياتها.
فعلى الحدود البريطانية نُشر مزيد من الضباط المدربين على التعامل مع تهريب البشر، والذين يرصدون من مراكز السيطرة في مطار هيثرو القادمين، ووثائقهم، وأية مؤشرات على توترهم.
ولكن كيف يمكن رصد "عبيد" العصر الحديث الذين لا يعرفون في الأغلب نوع المعاملة التي تنتظرهم لدى وصولهم؟ التدريب يساعد، وكذلك القليل من الحظ.
وتتذكر آماندا ريد، من ضباط حرس الحدود والتي تعمل في رصد تهريب البشر، حادثة بعينها.
وتقول ريد: "رصد أحد ضباط البوابات سيدة تحمل لعبة كبيرة من ديزني فسألها: ما الغرض من هذه اللعبة؟ فلم تجد إجابة فورية، وسرعان ما رصدنا سيدة أخرى تحمل أيضا لعبة كبيرة من ديزني فأدركنا أن شيئا يحدث وكشف التحقيق أن عصابات تستخدم اللعب كعلامات لتحديد هوية الضحايا المهربات لمن ينتظروهن في قاعات الوصول."
الضباط يرصدون في مطار هيثرو البشر المحتمل أنه تم تهريبهم
وفي الثلاثة أشهر الأولى من العام الحالي تم تحديد هوية أكثر من 200 من الضحايا المحتملين على الحدود البريطانية.
150 مليار دولار
وفي الواقع أن الموضوع يتجاوز الحدود الوطنية فصناعة تهريب البشر قيمتها 150 مليار دولار سنويا. وفي بلاد المصدر يوجد ضباط بريطانيون يتعاونون مع السلطات المحلية لمساعدة الضحايا، وتعليم الناس مخاطر الوقوع في مصيدة المهربين.
وتريد جاستن كوريل، رئيسة الجمعية الخيرية "غير المرئيين" والتي ساعدت في صياغة قانون مكافحة العبودية العصرية في وزارة الداخلية، المزيد من التعاون على المستوى الدولي في مكافحة العبودية.
وتقول كوريل: " الناس يأتون إلى بريطانيا إما سعيا وراء حياة أفضل أو لتعرضهم للخديعة بأنهم حصلوا على عمل في بريطانيا، فقد تم دفع ثمن رحلتهم، وكل ما يتعلق بها، ومن ثم عليهم تسديد ذلك من خلال استغلالهم."
ويمكن للضحايا الحصول على المساعدة من خلال خدمة ممولة حكوميا، ولكن الكثير من الضحايا الذين ولدوا في الخارج وليس لديهم مستندات سليمة للإقامة في بريطانيا لا يثقون في النظام ويعتقدون أنه موجود ليعيدهم إلى بلدانهم.
إصلاح
وقال كيفن هايلاند مفوض مكافحة العبودية إن هناك حاجة لإصلاح هذا النظام الذي يركز كثيرا على الوضع القانوني للضحية فيما يتعلق بالهجرة بدلا من الجريمة ذاتها.
كيفن هايلاند مفوض مكافحة العبودية يقول إن هناك حاجة لإصلاح هذا النظام الذي يركز كثيرا على الوضع القانوني للضحية بدلا من الجريمة
وقالت وزارة الداخلية إنها تراجع حاليا القانون الذي يحمل اسم آلية الإحالة الوطنية (NRM). ومن المتوقع الإعلان عن بعض التغييرات في أواخر العام الجاري.
ربما يكون ذلك متأخرا جدا لكيم وماريا ولامرأة أخرى هربت مؤخرا من العبودية في بريطانيا.
الحياة في الظلام
كانت باتريشيا قد اتخذت قرارها منذ فترة بعدم الرجوع لقانون آلية الإحالة الوطنية وانضمت إلى نحو مليون شخص يعيشون في بريطانيا دون إذن.
وتقول:" إن الأمر يبدو كالحياة في الظلام، فأنا أعيش خائفة طول الوقت.. في القطار، وفي الحافلة، معتقدة أنه سيتم القبض علي وإرسالي للفلبين."
إذن لماذا تبقين في بريطانيا؟
أجابت باتريشيا قائلة: " إنه سبب مادي فأنا أعول أسرتي، ابنتي وأبناء اخوتي حتى يستطيعون الذهاب للمدرسة، فحتى لو كان وضعى على هذا النحو سأبقى لأنني أستطيع مساعدتهم ماديا."
وهكذا ستبقى باتريشيا ضعيفة وفي الظل.
C