الشدة المستنصرية
رصد المؤرخ الكبير تقى الدين أبو العباس أحمد بن على المقريزى فى كتابه " إغاثة الأمة بكشف الغمة" ما يقرب من 26 مجاعة وأزمة إقتصادية ضربت المحروسة منذ فجر التاريخ وحتى عام 1442 " تاريخ وفاته " ، توحدت أسباب المجاعات فى مصر فى غياب مياة النيل ، وغفلة الحكام وإبتعادهم عن الشعب ، وإحتفاظهم بالسلطة لفترات طويلة بكل الطرق الشرعية والغير شرعية . أبشع هذه المجاعات كانت " الشدة المستنصرية/ الشدة العظمى " التى حدثت فى الدولة الفاطمية أواخر حكم المستنصر بالله الفاطمى ، ويرى البعض أنها تشبه إلى حد كبير سنوات السبع العجاف فى عصر نبى الله يوسف . وفيها تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وخطف الخبز من على رؤس الخبازين وأكل الناس القطط والكلاب حتى أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في حادثة أكلوها وجاع الخليفة نفسة حتى أنه باع ماعلى مقابر أبائه من رخام وتصدقت عليه أبنة أحد علماء زمانه وخرجت النساء جياع يتظاهرن. نشرت مجلة تايم الأمريكية عام 1947 تحقيقا صحفيا جاء فيه أن أول مظاهرة نسائية فى العالم قامت بها سيدات مصريات فى عهد الخليفة الفاطمى المستنصر بالله حين جفت مياه النيل ، وأن قائدة المظاهرة كانت أرملة الأمير جعفر إبن هشام ، وبالبحث عن ما ذكرته الـ تايم وجدت الواقعة المذكورة فى كتاب المقريزى وفيها كتب يقول .. ومن غريب ما وقع ، أن إمراءة من أرباب البيوتات أخذت عقدا
لها قيمته ألف دينار، وعرضته على جماعة فى أن يعطوها به دقيقا ، وكل يعتذر إليها ويدفعها عن نفسه إلى أن يرفعها بعض الناس ، وباعها تليس " شوال " دقيق ، وكانت تسكن بالقاهرة ، فلما أخذته أعطته لمن يحميه من النهابة " اللصوص " فى الطريق ، فلما وصلت إلى باب زويلة تسلمته من الحماه له ومشت به قليلا ، فتكاثر الناس عليها وإنتهبوه نهبا ، فأخذت هى أيضا مع الناس ملء يديها لم ينبها غيره ، ثم عجنته وشوته ، فلما صار قرصة أخذتها معها ، وتوصلت إلى أحد أبواب القصر ، ووقفت على مكان مرتفع ، رفعت القرصة على يديها بحيث يراه الناس ، ونادت بأعلى صوتها : يا أهل القاهرة .. إدعوا لمولانا المستنصر الذى أسعد الله الناس بأيامه ، وأعاد عليهم بركات حسن نظره حتى تقومت " حصلت " على هذه القرصة بألف دينار " فلما إتصل به " وصل الخبر للحاكم " ذلك إمتعض ، وقدح فيه " عابه " ، وأحضر الوالى وتهدده وتوعده ، وأقسم له بالله جلت قدرته أنه إن لم يظهر الخبز فى الأسواق، وينحل "يرخص" السعر ضرب رقبته .
---------------
المصادر
إغاثة الأمة بكشف الغمة ص 99 : 100 .. تقى الدين المقريزى .. تحقيق د.كرم حلمى فرحات
مجلة الإثنين والدنيا 15 ديسمبر 1947
--------------
منقول