ثانيـــــــاً : الطريق الشرعي لنفي النسب :
من أجل محاسن شريعة الإسلام المباركة ، رعايتها للأنساب ، وعنايتها بالحفاظ عليها ، ومن مظاهر ذلك تشوفها إلي ثبوت النسب ودوامه ، وتسهيلها في إثباته بأدنى الأسباب وأيسرها ، وتشديدها في نفيه وإبطاله متي ما ثبت بأحد الطرق المشروعة ، حيث لا تقبل الشريعة الإسلامية نفي النسب بعد ثبوته مهما كان الحامل عليه أو الداعي إليه غلا عن طريق واحد ، وهو اللعان .
لذا ، فأنه يحسن إعطاء نبذة موجزة عن اللعان وصفته والآثار المترتبة علي النحو التالي :
تعريف اللعان :
اللعان في اللغة مشتق من اللعن ، وهو الطرد والإبعاد من الخير ، سمي بذلك ، لأن الزوج ، يلعن نفسه في الشهادة الخامسة ، أو لأن أحد الزوجين عرضة للطرد والإبعاد من رحمة الله بسبب كذبه وافترائه
وهو في الشرع شهادات مؤكدات بإيمان من زوجين مقرونة بلعن أو غضب .
دليل مشروعيته :
دل علي مشروعية : الكتاب ، والسنة ، والإجماع .
أما الكتاب : ففي قول الله عز وجل (( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين (6) والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ( 7) ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ( 8 ) والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ))
وأما السنة : فللأحاديث الكثيرة الثابتة عنه في ذلك ، ومنها ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن رجلاً لا عن امرأته ، وانتفى من ولدها ، ففرق رسول الله بينهما وألحق الولد بالمرآة )
وأما الإجماع علي مشروعية اللعان في الجملة فقد حكاه عدد من العلماء .
واللعان لا يشرع إلا حين يعلم الزوج بزنا زوجته إما برؤية ، أو إخبار ثقة ، أو مشاهدة رجل فاجر يدخل عليها ، أو يخرج منها ، أو باستفاضة زنا عند الناس ، ونحو ذلك ، فإذا ما حصل شيء من ذلك ولم يكن ثمة ولد يحتاج الزوج إلي نفيه فالأولي به في هذه الحالة أن يكتفي بطلاقها لتحريم بقائها معه ، مع حفظ لسانه عن رميها بالفاحشة ستراً عليها ، وصيانة لحرمة فراشه ، فغن كان هناك ولد يحتاج إلي نفيه سواء كان حملاً ، أو مولوداً ، فإنه لا ينتفي منه لولادته علي فراشه إلا بأن يلاعن زوجته ولا يصح اللعان إلا بعد توفير الشروط التالية :
1- أن يكون الزوجين مكلفين .
2- أن يكون الزوج مختاراً للعان ، وغير مكره عليه .
3- أن يقذف الزوج زوجته بالزنا ، فتكذبه .
4- أن يكون اللعان بأمر من الإمام أو نائبه .
فهذه جملة الشروط التي اشترطها الفقهاء لصحة اللعان . ولهم في ذلك تفاصيل واسعة ، وليس هذا محل بيانها .
صفة اللعان :
وصفته أن يأمر الإمام أو نائبه الزوج أن يلاعن زوجته فيقول : أشهد بالله أن زوجتي هذه قد زنت ، فيسميها باسمها ، أو يشير إليها يكرر ذلك أربع مرات ، ثم يقول في الخامسة ، وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين .
وإذا أراد نفي الولد قال : وإن هذا الولد من زني ، وليس مني فإذا فرغ الزوج من لعانه لاعنت الزوجة قائلة : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ، تكرر ذلك أربع مرات ، ثم تقول في الخامسة : وأن غضب اله عليها إن كانت من الصادقين .
وإن كان الزوج قد نفي ولدها قالت : وإن هذا الولد منه وليس من زنى ويجب علي المتلاعنين التقيد بهذه الصفة والألفاظ في اللعان إتباعا للكتاب والسنة ، فإذا حصل شيء من الإخلال بذلك لم يصح اللعان ، كما يجب أن يبدأ الزوج باللعان قبل المرآة ، فإن بدأت قبله لم يصح ، لأن الله تعالي بدأ بالزواج ، وأمر به رسول الله ، ولأن لعانها مبني علي لعانه لا العكس .
آثار اللعان :
فإذا تم اللعان علي الصفة المشروعة ترتب عليه الإحكام التالية
1- انتفاء الولد من الزوج إذا صرخ بنفيه ، ولحوق نسب الولد بأمه للحديث السابق .
2- سقوط حد القذف عن الزوج إن كانت زوجته محصنة ، وسقوط التعزيز عنه إن لم تكن محصنة ، وسقوط حد الزنا عن المرآة ، بنص القرآن علي ذلك .
3- وقوع الفرقة المؤبدة بين الزوجين وتحريم نكاحها عليه علي التأبيد لقوله ( لا سبيل لك عليها )
فهذه أهم أحكام اللعان ، ومسائله ، وللعلماء تفاصيل موسعه في كثير من أحكامه ، وليس هذا محل بيانها ، حيث المقصود بإعطاء نبذة موجزة يتضح بها معالم هذا الحكم الشرعي .
فهذا هو السبيل الشرعي الوحيد لنفي النسب ، أما غير ذلك من الطرق التي كانت شائعة قبل الإسلام ، كالتبني ، وتحويل النسب ، أو التنازل عنه للغير ، وغير ذلك فقد أبطلها الإسلام ، وحرمها ، وأجمعت الأمة علي تحريمها لقوله تعالي : أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ..... ولقوله ( من ادعي إلي غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) . وقوله ( لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر ) . ولقوله ( الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب )