الصراع المائي بين مصر و دول حوض النيل : دراسة في التدخلات الخارجيةwatersexpert - اعداد / صفا شاكر إبراهيم محمد
"1990-2010"
مـقـدمـة
لا يقل أمن المياه أهمية عن الأمن القومي حيث أن التفسير المصري لمفهوم الأمن القومي لم يعد قائمًا على الجانب الإستراتيجي وحده, بل امتد ليواكب ويتلاءم مع الأمن المائي ولقد كانت المياه محلاً للصراعات منذ أمد بعيد فلقد كانت بداية تمثل صراع على مياه البحار نظرًا لأهميتها في مجال التجارة وتوزيع مناطق النفوذ إلا أنه ظهر مؤخرًا على المسرح العالمي أن المياه العذبة هي محل الصراع القائم, بعد أن تم حسم الصراع على المياه المالحة (بحار ومحيطات بموجب اتفاقيات عقدتها الدول وبعضها البعض).
و يعتبرعقد التسعينيات هو عقد الصراع على موارد المياه, وفي منطقة الشرق الاوسط حيث المصادر المحدودة للمياه والتي تتركز في أحواض الأنهار الرئيسية مثل نهر النيل.
ومع التطور التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم وبخاصة عقد التسعينيات تزايدت معدلات التنمية, ومن ثم تزايدت الحاجة على الموارد وبخاصة الطبيعية منها, وتأتي في مقدمتها المياه, واتلي أصبحت سلعة إستراتيجية نظرًا لعدم وجود بدائل لها في الوقت الذي يوجد للطاقة بدائل أخرى, ومن ثم فقضية الحفاظ على الموارد المائية وتعظيم الاستفادة منها تتصدر قضايا الأمن القومي وتزداد حدة في تلك الدول التي تقع منابع مصادرها خارجها, وبالتالي عدم القدرة على السيطرة عليها ومن بينها مصر, فمصر تعتمد على المياه بدرجة يبلغها اعتماد شعوب من قبل على مصادر المياه مثل اعتمادها على نهر النيل وبدونه تصبح مصر صحراء جرداء, وتشارك مصر في نهر النيل تسع دور وهي " السودان – أثيوبيا – أوغندا – كينيا – تنزانيا – روندا – بوروندي – الكنغو ".
وتتفاوت هذه الدول من حيث اعتمادها على مياه نهر النيل حيث تعد مصر الأكثر اعتمادًا على مياهه وبالتالي كان طبيعيًا أن يمتد مفهوم الأمن المائي إلى المنابع الرئيسية في حوض النيل ليعتبر أي عمل يجري في هذا الحوض يهدف للتأثير على حصة مصر المائية المقررة سنويًا وهي 55.5 مليار م3. عملاً يمس الأمن القومي المصري بشكل مباشر ومع التسليم بوجود اتفاقيات قانونية تنظم حصول مصر على حصتها المقررة سنويًا. وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي تمت من خلال التطورات المتلاحقة التي شهدها العالم منذ نهاية الثمانينيات والتسعينيات فأن مصر تواجه تحديًا حقيقيًا وهو دخول فاعلين جدد إلى منطقة حوض النيل ( إسرائيل – الولايات المتحدة ) و (البنك الدولي ) وما أطلقه من مفاهيم جديدة منها ( تسعير المياه وخصخصة المياه وبورصات المياه ) بما قد يعنيه من نشوء صراع بين تلك الدول خلال السنوات المقبلة إذا يمكن أن تخرج القضية عن النطاق الإقليمي ويصبح للأطراف الخارجية دور تجاهها ومن ثم ظهور أعباء إضافية على عاتق صانع القرار المصري وتهديد للأمن القومي المصري. وتلعب القوى الخارجية دورًا فاعلاً ومؤثرًا في أنشطة وتفاعلات النظم الإقليمية وذلك من خلال تأثيرها في أنماط تفاعلات النظم الإقليمية ويتجلى الدور الذي تمارسه القوى الخارجية في نمط تفاعلات النظم الإقليمية في أحد أمرين, فقد تلعب دورًا منشأ لتلك التفاعلات (صراعات – تعاون) وقد تلعب دروًا محفزًا لتلك التفاعلات, وقد تلعب الدورين معًا.
ومن ثم سوف تنطلق الدراسة في تحليل محددات الصراع في حوض النيل ومعرفة ما إذا كانت داخلية بالأساس أما أنها تنتج من محددات خارجية واستنتاج دور القوى الخارجية المؤثرة في الصراع المائي بين مصر ودول حوض النيل وما تتركه هذه القوى من تداعيات على العلاقات بين مصر ودول حوض النيل.
أولاً: المشكلة البحثية
حظيت مشكلة الصراع الدولي وعلاقة ذلك بالصراع على المياه باهتمام كبير في الأونة الأخيرة في الأوساط الأكاديمية والبحثية ولدى دوائر صانعي القرار على مستوى الدولة وفرضت مشكلة المياه نفسها كواحدة من الموضوعات الرئيسية التي تحمل أملاً في التعاون المستقبلي أو تنذر بصراعات دولية وتشوب حروب بشأنها وأيضًا التخوف من دور القوى الخارجية وحقيقة الدور الذي تلعبه في العلاقات داخل النظام الإقليمي لحوض النيل والذي بات يمثل هاجس في علاقات الدول داخل النظام الإقليمي وبالتالي كان لابد من معرفة الدور الذي تلعبه القوى الخارجية في إطار العلاقات بين الدول ما بين صراعات وعلاقات تعاونية لذلك كان التساؤل الرئيسي هو " ما هو أثر التدخلات الخارجية على الصراع المائي بين مصر ودول حوض النيل ؟ ".
ثانياً: الأسئلة الفرعية
1- ما هي محددات الصراع المائي الدولي داخل حوض النيل ؟
2- ما هي مجالات الصراع المائي بين دول حوض النيل ؟
3- ما هو الدور الإسرائيلي في الصراع بين مصر ودول حوض النيل ؟
4- ما هو الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع بين مصر وحوض النيل ؟
5- ما هو دور البنك الدولي في الصراع المائي بين مصر ودول حوض النيل ؟
6- ما هي تداعيات التدخلات الخارجية على العلاقات المائية بين مصر ودول حوض النيل ؟
ثالثاً: أهمية الدراسة
أ. الأهمية العلمية (النظرية) :
معظم الدراسات في العالم العربي تشير إلى الصراع من وجهة الصراع العربي الإسرائيلي وتهدف الدراسة إلى دراسة وتحليل وتفسير الظاهرة الصراعية الدولية في ضوء الصراع المائي والتدخلات من القوى الخارجية في النظام الإقليمي المائي لدول حوض النيل.
وأيضًا ذلك لأن قضية المياه باتت تمثل اهتمامًا كبيرًا للباحثين والأكاديميين وصانعي القرار من منطلق أنها جزء لا يتجزأ من الأمن القومي.
ب: الأهمية العملية (الأهمية التطبيقية) :
لم يعد استخدام الأنهار الدولية قاصرًا على الزراعة والملاحة ولكنه تجاوز ذلك إلى العددي من الاستخدامات المتطورة (الصناعية والكهربائية والتجارية .. إلخ) والتي أثرت بدورها في كم ونوع مياه الأنهار الدولية مما أدى إلى تزايد فرص نشوب صراعات والنزاعات المائية في أنحاء متفرقة من العالم, وفي ظل هذا التصور, فأن الجهود الرامية لبحث ودراسة مشاكل المياه بصفة عامة ومشاكل الأنهار الدولية بصفة خاصة تتمتع بقيمة نظرية وعملية حيث يمكن الاستفادة منها في تطوير أفضل السبل للانتفاع العادل والمشترك لموارد النهر الدولي المائية والطبيعية بما يساعد على تنظيم شئون الأنهار الدولية, وتأتي الدراسة تزامنًا مع تزايد الاهتمام بمشكلة المياه وتحظى بالاهتمام العالمي, ومن ثم فكان لابد من مسايرة هذا الاهتمام ودراسة هذه الظاهرة في إطار الصراعات على المياه داخل حوض النيل وطبيعة العلاقات وما مدى تأثير هذه الصراعات على الأمن القومي المصري وبالتالي مساعدة صانع القرار على انتهاج سياسات وقرارات تأخذ ذلك في الاعتبار.
رابعاً: أهداف الدراسة
بعد استعراض الأهمية العلمية والعملية للدراسة, يمكن التوصل إلى مجموعة من الأهداف تسعى الدراسة إلى الوصول إليها في البحث :
1- معرفة العلاقه بين محدودية الموارد المائية والصراع الدولي في حوض النيل.
2- توضيح مدى خطورة غياب الإطار القانوني الجامع في العلاقات بين مصر ودول حوض النيل.
3- التحقق من الدور الذي تلعبه القوى الخارجية في العلاقات داخل النظام الإقليمي لحوض النيل.
4- التوصل إلى تداعيات التدخلات الخارجية على العلاقات المائية في حوض النيل.
خامساً: نطاق البحث
1- النطاق الزمني :
تركز الدراسة على الفترة من 1990 حتى 2009, وترجع أسباب اختيار بداية عقد التسعينات حيث أنه شهد عدة تطورات على المستوى العالمي والإقليمي أيضًا وأهم التطورات هي انتهاء الحرب الباردة وتغير خريطة القوى الدولية, وعلى المستوى الإقليمي أيضًا فأن كثير من الدول في حوض النيل بدأت تنتهج سياسات تضر بمصالح مصر في حوض النيل, وأيضًا بدأت في سياسات تنموية تستلزم الحصول على كميات إضافية من خلال إنشاء السدود وهذا كان بداية تخوف من جانب مصر وتنتهي الدراسة عند 2010 حيث أنها الفترة الممكنة للدراسة للتحقق من أهداف البحث ومواكبة التطورات الحالية.
2- النطاق المكاني :
النطاق المكاني للدراسة هو دول حوض والنظام الإقليمي لهذه الدول وبالأخص تركز الدراسة على الدول ذات العلاقات " الصراعية أو التعاونية " مع مصر وتقوم الدراسة بالاهتمام بمنطقة حوض النيل والتي أدى الجفاف وشح الأمطار فيها (منابع النهر) إلى الاهتمام العالمي بهذه المنطقة كما أنه سوف يتم التركيز على مصر والتي يمثل النيل لها شريان الحياة وتمثل قضية المياه لها بعدًا في الأمن القومي.
3- النطاق الموضوعي :
على الرغم من أن هناك عدة حقول تتقاسم مجال الدراسة من قانون وبيئة واقتصاد وجغرافيا, إلا أن الدراسة تنصرف إلى حقل العلاقات الدولية في اطار علم السياسه لذلك لا يتم خلال الدراسة الانتباه إلى أية صراعات داخل حدود الدولة وإن كانت تتعلق بالمياه.وسوف يتم التحليل السياسي وفقا لنظريات العلاقات الدولي.
سادساً: الإطار النظري للدراسة
أ- الإطار المفاهيمي:
1. مفهوم الصراع الدولي ( ) :
الصراع (بشكل عام ومبسط على نطاق واسع) هو موقف من التعارض بين اثنين أو أكثر من الفاعليين الاجتماعيين ويكون الصراع دوليًا حينما يكونا الفاعلون المنغمسون فيه دوليين, ويمثل الصراع أحد جانبي التفاعلات الدولية في حين يمثل التعاون الجانب الأخر من تلك التفاعلات, ويتباين تعريف الصراع تبعًا للمنظور الذي يتم من خلاله تعريف الظاهرة الصراعية, فمثلاً المنظور السياسي للصراع يشير إلى أنه موقف تنافسي خاص, يكون طرفاه أو أطرافه, على دراية بعدم التوافق في مواقفهم المستقبلية المحتملة, والتي يلجأ من خلاله أحد الأطراف أقلهم إلى تبني موقف لا يتوافق مع مصالح الطرف الثاني.
والصراع الدولي يكون مائيًا إذا كانت المياه موضوعه أو مادته أو سببه وبصفة عامة يعرف الصراع الدولي بأنه موقف تنافسي يكون كل من أطرافه عالمًا بعدم التوافق في المواقف والمصالح التي يتبناها الطرف الآخر.
ولا يجب الخلط بين مفهوم الصراع والحرب فالصراع هو مرحلة قبل الحرب, أما الحرب هي استخدام القوات المسلحة.
ومفهوم الصراع المائي أو الصراع الدولي على المياه الذي تتبناه الدراسة. لا يقصد به القتال أو الحرب من اجل المياه, وإنما هو ما قبل القتال الذي يعتبر الوسيلة الأخيرة التي لم يعد هناك بد من استعمالها – صراع سياسي وعلمي وتقني واقتصادي وقانوني.
مؤشرات مفهوم الصراع الدولي :
من أفضل الإسهامات العلمية في مجال تحديد مؤشرات " الصراع الدولي " هو ذلك الإسهام الذي قدمه " إدوارد عازار " " وتماس سولون " في إطار صياغتها الاقتراب " تحليل التصرفات " لفهم وتفسير أنماط التفاعلات " التعاونية والصراعية " بين الوحدات الدولية, من خلال دراسة وتحليل مختلف جزئيات السلوك اللفظي والفعلي, الكبيرة والصغيرة, التي تكون جسم السلوك الخارجي للدولة ومن خلال الاضطلاع على الدراسات السابقة المتعلقة بتحليل الصراع المائي فقد تم التوصل إلى ثلاث مؤشرات للصراع المائي في أي حوض من احواض الأنهار الدولية :
أ- الصراع حول اتفاقيات المياه المبرمة في الحوض النيل.
ب- الصراع حول معايير تقاسم المياه المشتركة في الحوض.
ج- الصراع حول شرط الأخطار المسبق قبل الشروع في تنفيذ أية مشروعات مائية في الحوض.
2. مفهوم الأمن المائي :
بدأت أدبيات العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية منذ بداية التسعينات من القرن العشرين تركز على إعادة تعريف " مفهوم الأمن " بحيث يتضمن ثلاث أنواع من التهديدات بخلاف التهديدات العسكرية وهي التهديدات السياسة والاقتصادية والبيئية, وصار مفهوم الأمن المائي أحد مكونات مفهوم الأمن القومي.
يرتبط مفهوم " الأمن المائي " بمفهوم " الميزان المائي " ويقصد بالأخير الموازنة والمقارنة بين إجمالي حجم الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية في فترة زمنية معينة, وبين إجمالي حجم الاحتياجات المائية اللازمة لسد مختلفة الاحتياجات.
الأمن المائي هو وضعية مستقرة لموارد المياه هو وضعية مستقرة لموارد المياه يمكن الاطمئنان إليها حيث يستجيب فيها عرض المياه للطلب عليها. أما عندما لا يستطيع عرض المياه أن يلبي الطلب عليها, ينخفض مستوى الأمن المائي وبالعكس وهو مفهوم نسبي حيث يجري الحديث عنه عادة في مستويات مختلفة في البلدان المختلفة ( ).
3. محدودية الموارد المائية :
يقصد بالموارد المائية إجمالي ما يتاح للدولة من مصادر مياه تقليدية وغير تقليدية في فترة زمنية معينة.
ويختلف تعريف محدودية الموارد المائية باختلاف المعيار الذي يتم الاستناد إليه في القياس وبصفة عامة تتعدد المؤشرات والمقاييس التي يمكن الاعتماد عليها لتحديد حالة محدودية الموارد المائية فهناك عدة مؤشرات لتـحـديـد ظـاهـرة " محدودية الموارد المائية ".
أ- المؤشر الكمي ç يمكن قياسه استنادًا إلى مؤشرين فرعيين.
1- أن يكون نصيب الفرد من المياه أقل من خط الفقر العالمي (1000 م3 / للفرد / السنة).
2- أن يكون حجم المتاح من المياه أقل من المطلوب للاستخدام المائية.
ب- المؤشر الكيفي : يقاس بدرجة " تلوث " المياه والتي يترتب عليها عدم القدرة على استعمالها رغم توافرها بكميات كبيرة.
جـ - المؤشر الاقتصادي يقاس بعدم توافر منشآت مائية لازمة لنقل وتوصل المياه إلى المستخدمين في المنازل والمصانع وذلك للفقر الاقتصادي.
4. مفهوم السياسة المائية :
يمكن تعريف السياسة المائية بأنها " الإطار الذي يتم من خلاله إدارة الموارد المائية واستنباط مجموعة القواعد الناظمة لذلك على المستويين الداخلي والخارجي.
الإطار المنهجي:
1- منهج دراسةالحاله :
يعني هذا المنهج بدراسة وحدة واحدة دراسة متعمقة كلية مستفيضة بغية الوصول إلى فهم اعمق لها وعمل نوع من التعميمات بالنسبة للوحدة المدروسة ويقوم أسلوب منهج دراسة الحالة على التعمق في الدراسة والدخول في اغوارها وعدم الاكتفاء بالوصف الخارجي أو الظاهري للموقف أو الظاهرة.
ويتضح مدى ملائمة أسلوب دراسة الحالة لموضوع الدراسة, من أنه يعين الباحث في الحصول على حقائق متعلقة بمجموعة الظروف المحيطة بموقف معين أو معرفة العوامل المشاركة التي يمكن استخدامها في وصف وتحليل وتفسير العمليات السياسية التي تقوم بها الدول, نتيجة لعملية التفاعل الصراع بينهم, وسيتم دراسة الصراعات المائية الدولية وتفسيرها والتدخلات من جانب القوى الخارجة ودراسة مدى كونها فاعلاً مؤكدًا في العلاقات داخل النظام الإقليمي لحوض نهر النيل ما بين علاقات صراع أو تعاون.
2- منهج تحليل النظم ( ):
تطور منهج النظم في ميادين معرفية أخرى غير علم السياسة ثم استعارة علم السياسة في مقدمتهم ديفيد استون وهم بسبب البحث عن إطار فكري يوجه وينظم البحوث السياسية وقد عرف استون النظام السياسي بأنه التفاعلات التي تتعلق بالتخصيص السلطوي للقيم في المجتمع, أي بتوزيع الموارد بموجب القرارات ينصاع لها الأفراد وقدم إطار لتحليل النظام السياسي يرى فيها دائرة متكاملة ذات طابع ديناميكي تبدأ بالمدخلات وتنتهي بالمخرجات مع قياس عملية التغذية العكسية بالربط بين المدخلات والمخرجات.
تقييم منهج النظم :
لقد زود حقل السياسة بمفاهيم جديدة وأيضًا لفت الانتباه إلى مشكلات هامة للبحث مثل ما هي أغراض النظام السياسي, ما هي الوحدات المكونة للنظام ؟ كيف يتعامل النظام السياسي مع البيئة ؟ ما هي محددات البيئة ؟
وله عيوب أيضًا مثل صعوبة التحويل الإجرائي للمفاهيم المستخدمة, أي وضع مؤشرات لها تقبل الملاحظة والقياس.
تطبيق المنهج في الدراسة :
سوف يتم استخدام المنهج في دراسة وتحليل الدراسة على النحو التالي:
فسوف يتم تحديد أسباب الصراع ومحددات الصراع الدولي في حوض النيل ويمثل ذلك مدخلات للنظام الإقليمي لحوض النيل من محدودية المياه وغيرها وفي إطار البيئة الداخلية للنظام يتم دراسة مجالات الصراع وأيضًا دور القوى الخارجية الذي يلعب دورًا أساس في بلوره العلاقة داخل النظام وبالتالي التوصل إلى نتيجة ذلك من علاقات صراع أو تعاون في شكل اتفاقيات مثلاً, وأيضًا من ذلك يتم التوصل الي قرارت للتعامل مع مخرجات النظام من علاقات صراعية أو تعاونية والتي تعمل بدورها على وجود تغير في شكل العلاقات من خلال القرارات والسياسات وبالتالي تتحول إلى محددات مرة أخرى للعلاقة بين دول النظام الإقليمي.
سابعاً: تقسيم الدراسة
تنقسم هذه الدراسة إلى:
مـقـدمـة.
الفصل الأول : المحددات الداخلية للصراع المائي بين مصر ودول حوض النيل.
المبحث الأول : الوضع المائي كمحدد للصراع.
المبحث الثاني : الوضع القانوني كمحدد للصراع.
الفصل الثاني : دور التدخلات الخارجية في الصراع بين مصر ودول حوض النيل.
المبحث الأول : الدور الإسرائيلي في الصراع المائي بين مصر ودول حوض النيل.
المبحث الثاني : دور الولايات المتحدة في الصراع المائي بين مصر ودول حوض النيل.
المبحث الثالث : دور البنك الدولي في الصراع المائي بين مصر ودول حوض النيل.
الفصل الثالث : تداعيات التدخلات الخارجية على الصراع المائي بين مصر ودول حوض النيل.
المبحث الأول : تداعيات التدخلات الخارجية على مواقف دول الحوض من اتفاقيات المياه.
المبحث الثاني : تداعيات التدخلات الخارجية على التعاون بين مصر ودور حوض النيل في ظل الأزمة الراهنة.
الـخـاتـمـة؛ و تتضمن أهم ما توصلت إليه الدراسة من نتائج, و كذلك مجموعة من التوصيات.
الـفـصـل الأول
مـحـددات ومـجـالات الـصـراع بـيـن مـصـر ودول حـوض الـنـيـل
الصراع الدولي لا يحدث في فراغ وإنما هناك تفاعل يتم في بيئة الصراع الدولي سواء في المحيط الإقليمي أو الدولي له وقد يكون التفاعل سلبًا أو إيجابًا وهذه البيئة تنقسم إلى بيئة داخلية (والتي تتجسد في عناصر ومكونات النظام) ثم هناك البيئة الخارجية (وهي تشكل الإطار الخارجي الإقليمي والدولي) وبهذا المنطق نستطيع القول بأن الصراع الدولي ما هو إلا سلوك استجابي لمجموعة من المتغيرات التي تحدد نمط وحجم ودرجة الصراع وهي لذلك تعرف بمحددات الصراع الدولي.
وبالنظر إلى النظام الإقليمي لحوض النيل, يلاحظ موجات الجفاف التي تتعرض معظم دول حوض النيل مع بداية ثمانينات القرن المنصرم قد أدت إلى تكالب الدول على مياه النهر ومصادر المياه التي تعتبر محدودة, وبذلك فقد أصبح الوضع المائي في حوض النيل الذي ينصرف إلى الخصائص الطبوغرافية والميتولوجية والهيدرولوجية قد أفرز نمط من التفاعل الصراعي المائي في حوض النيل وقد ساعد على تبلور تلك الصراعات الوضع القانوني في الحوض الذي يعاني غياب الإطار القانوني, العام والشامل الذي ينظم شئون النهر.
وعلى ذلك فأن الدراسة ترى أن الوضع المائي في حوض نهر النيل, بالإضافة إلى الوضع القانوني في ذلك الحوض يمثلان معا محددات الصراع المائي في النظام الإقليمي لحوض نهر النيل, وهو سوف يتم تحليله من خلال هذا الفصل لكل من المحددين ( )
الـمـبـحـث الأول
الـوضـع الـمـائـي كـمـحـدد للـصـراع الـمـائـي بـيـن مـصـر ودول حـوض الـنـيـل
يمكن تحليل العلاقة بين الوضع المائي في حوض النيل والصراع الدولي من خلال استخدام مؤشرات للتحقق ما إذا كانت دول حوض النيل تعاني من محدودية في الموارد المائية أما وفرة مع التركيز على الموارد المائية المصرية وتأثير ذلك على الصراع بين مصر ودول حوض النيل.
أولاً : المؤشر الكمي للمحدودية
استنادًا إلى المعيار الكمي نستطيع القول بأن دول حوض النيل لا تعاني من محدودية في مواردها المائية بل تمتاز بالوفرة والحجة أنه اعتمادًا على مؤشر خط الفقر المائي الذي تجاوزه جميع دول الحوض فيما لو تم اعتماد تقسيم الإيرادات المائية تقسيمًا متساويًا بين دول الحوض.
درجة اعتماد دول حوض النيل ليست متساوية في اعتمادها على مياه النيل فهي تقل كلما اتجهنا جنوبًا حيث تزداد الأمطار والأنهار والبحيرات وكلما اتجهنا إلى الجنوب ناحية مصب الحوض قلت الأمطار ومن ثم زادت درجة الاعتماد على النهر وخصوصًا في شمال السودان وتصل إلى أقصاها في مصر التي تعتمد على النيل في توفير كل مواردها المائية السطحية تقريبًا. فهو يوفر لمصر ما يزيد عن 95 % تقريبًا من إجمالي احتياجاتها المائية وبالإضافة إلى ذلك فأنه تجدر الإشارة إلى أن جميع دول الحوض باستثناء مصر لها مصادر مائية اخرى من داخل أراضيها أو من خارجها غير نهر النيل ( ).
وتعتبر مصر هي الدولة الوحيدة في حوض النيل التي تستخدم تقريبًا كل إيرادها المائي, ومصر قد تكون أكثر بلدان شمال أفريقيا وشرق أفريقيا معاناه حيث تتباعد فترات هطول الأمطار ويعتمد سكانها كليًا على مياه النيل, وتتزايد احتياجاتها من مياه الشرب والغذاء بإطراد سريع بين الأعداد المتزايدة للسكان بها ولذلك يرجح أن تتعدى احتياجاتها من مياه الشرب والغذاء (الاحتياجات المائية) الإمدادات السنوية للمياه.
وهو ما يعني أن مصر هي الدولة الوحيدة في حوض النيل التي تعاني من محدودية في مواردها المائية وذلك إذا ما تم مقارنة احتياجاتها المائية بما يتوافر لديها من مصادر للمياه المتجددة.
والخلاصة أن جميع دول الحوض لم تتعرض ولم تعاني من محدودية في المياه حيث لا تزال استخدامها أقل بكثر من مواردها المائية المتجددة سنويًا, وبالتالي فأن هناك محدودية في دولتي المصب في حين تتمتع دول المنبع بوفرة في مواردها المائية.
ثانيًا : المؤشر النوعي للمحدودية :
تمتاز مياه نهر النيل في جميع أنحاء مجراه من أقصى منابعه وحتى السد العالي بالنقاء الشديد ويرجع ذلك إلى أن سمات الطبوغرافية والميترولوجية والهيدرولوجية للنهر تلعب دروا في جعل مياهه نقية باستمرار ( ).
1- من الناحية الطبوغرافية : يمتاز النهر بالإنحدار الشديد من الجنوب إلى الشمال وضيق المجرى في بعض المناطق والعمق الشديد في مناطق أخرى وكل ذلك يساعد على جريان المياه باستمرار وبسرعة ومن ثم فهي ليست مياه راكدة كالمستنقعات.
2- من الناحية الميتروبولوجية : تعرض المياه للشمس يمنع تكون البكتريا في المياه وبالتالي تصبح مياه النهر نقية.
3- الهيدرولوجية : تتعدد الروافد لحوض النيل وتنوع في مواسمها وتتباين في كميات الإيراد المائي الذي تحمله, الأمر الذي يساعد باستمرار على التجدد المستمر لمياه النهر.
لذا فأن مياه النهر من الناحية النوعية جيدة ونستطيع القول أنه ليس هناك محدودية من الناحية النوعية.
ثالثًا : المؤشر الاقتصادي للمحدودية :
بعد أن استعرضنا المؤشر الكمي والذي من خلاله خلصنا إلى نتيجة موادها أن دول حوض النيل باستثناء دولتي المصب وبخاصة مصر لا تعاني من محدودية في مواردها المائية, وأيضًا من الناحية النوعية نجد أن مياه النهر تحظى بنقاء عالي وجودة من الناحية النوعية.
ولكن يبقى هناك عامل غاية في الأهمية وهو المؤشر الاقتصادي وكيف يؤثر على استغلال مياه النهر ويخضع المؤشر الاقتصادي إلى عدة عوامل منها الفقر ونسبة السكان وهو ما سوف يتم التعرض له.
طبقًا لتقرير التنمية الصادر عن البنك الدولي في عام 2004, تعتبر دول حوض النيل من أفقر الدول النامية, فهي جمعيًا – عدا مصر- تقع في فئة الدول الأقل دخلاً, وتعتبر مصر هي الدولة الوحيدة التي تقع في فئة الدول ذوات الدخل المتوسط ( ), وقد انعكست حالة الفقر الشديد التي تعتبر السمة الرئيسية لدول حوض النيل – عدا مصر – على قدرات تلك الدول على توفري البنية الأساسية ذات الصلة بالمياه.
تفتقر هذه الدول إلى بنية أساسية لازمة لنقل وتوصيل المياه إلى كافة مواطنيها فضلاً عن عدم وجود تغطية معقولة لشبكات الصرف الصحي في معظم تلك البلدان. ويلاحظ أن جميع دول حوض النيل باستثناء مصر تعجز عن إيصال إمدادات المياه بصورة دائمة لنسبة كبيرة من مواطنيها وهو ما يجعلنا نستطيع القول أن دول حوض النيل تعاني من (فقر مائي) بالمفهوم الاقتصادي بمعنى عدم توافر الموارد المالية اللازمة لتشيد البنية الأساسية ذات الصلة بمنظومة نقل وتخزين وتوصيل المياه إلى القطاعات العريضة من شعوب تلك الدول.
وبعد استعرض المؤشرات الثلاث لقياس " محدودية الموارد المائية " يتضح أن حوض نهر النيل غنى كميًا ونوعًا بموارده المائية, بيد أنه فقير جدًا بموارده الاقتصادية, وفقير في قدراته التنظيمية اللازمة لإدارة تلك الموارد المائية, ويترتب على ذلك أن المحصلة النهاية هي توفر المياه مع عدم استطاعة نسبة كبيرة من شعوب تلك الدول على استخدام المياه في الشرب أو للصرف الصحي, ومن ثم فأن النتيجة النهائية لهذه العملية على وجه العموم هي محدودية الموارد المائية في حوض نهر النيل وذلك نظرًا لضالة القدرة على استخدام المياه من ناحية, وسوء إرادتها والتخطيط لها من ناحية ثانية وإذا كنا قد وصلنا إلى نتيجة مؤداها محدودية في الموارد المائية في حوض النيل استنادًا إلى تفاعل المؤشرات الثلاثة (الكم والنوع والموارد الاقتصادية) معًا فأن هذه " المحدودية " قد تزداد حدتها مع الوقت وذلك بسبب تأثير عدد من العوامل منها : التغيرات المناخية التي يترتب عليها ارتفاع في درجة الحرارة بشكل عام, التأثيرات الناتجة عن التلوث البيئي, بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في أعداد السكان مع ما يترتب عليها من ضغوط اقتصادية وخصوصًا في مجال الزراعة, للوفاء بالاحتياجات الغذائية المتزايدة.
وبعد تحليل المؤشرات التي يمكن من خلالها تحديد ما إذا كان هناك محدودية في الموارد المائية في النهر أما هناك وفرة في تلك الموارد وقد خلصنا أنه نتيجة تفاعل المؤشرات الثلاثة المحدودية فأن تلك الدول تعاني من محدودية في الموارد المائية بالإضافة إلى عدة متغيرات تؤثر على الوضع المائي في حوض النيل مثل المتغيرات البيئية والمناخية وما يصحب ذلك من دورات الجفاف, بالإضافة إلى التغيرات الديمغرافية الناتجة عن تزايد أعداد السكان في دول حوض النيل, بالإضافة إلى عدم التوازن الإقليمي في توزيع الموارد المائية علاوة على الفقر الشديد في الموارد الاقتصادية.
وقد تفاعلت هذه العوامل هذه العوامل والمتغيرات في منظومة واحدة في حوض نهر النيل خلال الفترة محل البحث (1990 - 2010) لتفضي إلى قيام ظاهرة الصراع المائي الدولي بين دولتي المصب والتي تعاني من محدودية المياه مع دول المنبع التي تتمتع بوفرة المياه وتعاني من فقر الموارد الاقتصادية لاستغلال المياه.
فمصر تعتمد على أكثر من 95 % من احتياجاتها للمياه في حين تحتاج أثيوبيا 1 % من مياه النهر وكينيا 2 % تقريبًا وتنزانيا 3 % والكونغو 1 % وبوروندي 5 % والسودان 15 % ذلك لأن كثافة هطول الأمطار في هذه الدول تجعلها غير محتاجة إلى النهر, وهو ما يفضي في النهاية إلى عدم التوازن في توفير المياه مما يخلق صراع على المياه.
الـمـبـحـث الـثـانـي
الـوضـع الـقـانـونـي كـمـحـدد للـصـراع الـمـائـي بـيـن مـصـر ودول حـوض الـنـيـل
لم يتم الاهتمام بالقانون الدولي للأنهار الدولية إلا حديثًا, وفي السنوات الأولى من القرن العشرين عندما بدأت تتعقد العلاقات الدولية المتعلقة باستخدام مياه الأنهار الدولية.
إذا لم تكن الأنهار الدولية واستخداماتها واستغلالها في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من الأهمية بحيث تتطلب تنظيمًا دوليًا, حيث كانت احتياجات الناس محدودة, وكان التطور العلمي والفني في مراحله الأولى من التقدم ومن ثم انحصرت الاتفاقيات التي ابرمت على تنظيم الملاحة في الأنهار الدولية وبالنظر إلى حالة حوض نهر النيل والصراع المائي بين دول الحوض فأننا نستطيع القول أنه لا يوجد إطار قانوني جامع مانع يحدد بشكل واضح ومتفق عليه مختلف المسائل الإجرائية, وينظم بدقة سائر الشئون القانونية للنظام الهيدرولوجي لحوض النيل ( ).
وبالتالي فإنه من البديهي أن غياب الإطار القانوني الجامع الذي يحظى بقبول الجميع يفتح مجالاً للصراع المائي الدولي بين دول حوض النيل وسوف يتم استعراض ذلك من خلال الاتفاقيات بين دول حوض النيل وتحليلها ثم بيان كيف يفتح ذلك مجالاً للصراع وما هي مجالات الصراع بين الدول.
الاتفاقيات الدولية المائية بين دول حوض النيل :
لقد تم عقد العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بين دول حوض النيل وإن كان معظمها ثنائيًا. حيث يوجد ما يزيد على عشر وثائق واتفاقيات دولية قائمة على تنظيم واستغلال المياه في النهر منها ما تم توقيعه في الفترة الاستعمارية بواسطة القوى الاستعمارية كدول متعاقدة نيابة عن مستعمراتها في ذلك الوقت ومنها ما تم توقيعه بعد حصول تلك الدول على الاستقلال كاتفاق 1959 الموقع بين مصر والسودان.
أولاً : بروتوكول 1891
وقعت بريطانيا وإيطاليا في 15 أبريل 1891 بروما بروتوكولاً يحدد مناطق نفوذهما في دول الحوض الواقع في شرق أفريقيا حتى مشارف البحر الأحمر ويقضي البند الثالث منه ألا تقوم إيطاليا بتشييد أي أعمال على نهر عطبرة من شأنها أن تعمق انسيابه إلى النيل على نحو محسوس وهي الفقرة الوحيدة التي تعني بتنظيم استغلال المياه ( ).
وجوهر هذه الاتفاقية هو التزام أطرافها بعدم إقامة أو تنفيذ أي مشروعات مائية على حوض نهر عطبرة الأثيوبي – السوداني, بغير التشاور مع مصر مسبقًا.
ثانيًا : معاهدة 1902
في 15 مايو 1902 تم توقيع في أديس أبابا على معاهدة بين بريطانيا والإمبراطورية الأثيوبية لترسيم الحدود بينها وبين السودان.
تنص بصراحة على تنظيم استغلال مياه النيل والأزرق وبحيرة تانا ونهر السوباط وضرورة الأخطار المسبق قبل الشروع في أية مشروعات من قبل أثيوبيا من شأنها أن تؤثر على انسياب المياه ( ).
ثالثًا : اتفاق 1906 بين بريطانيا والكونغو
وقعت كل من بريطانيا ودولة الكونغو على اتفاق بلندن في 9 مايو 1906 تعهدت فيه حكومة الكونغو بألا تقيم أو تسمح بإقامة أي اشغال على نهر " سمليكي" أو نهر " سانجو " أو بجوار أي منهما, يكون من شأنها خفض حجم المياه التي تتدفق في بحيرة ألبرت, ما لم يتم ذلك بالاتفاق مع الحكومة السودانية ( ).
رابعًا : اتفاق 1906 بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا
ينص البند الرابع منها على أن تعمل هذه الدول معًا على تأمين دخول مياه النيل الأزرق وروافده إلى مصر ( ).
خامسًا : اتفاقية عام 1925
مجموعة من الخطابات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا وتعترف فيها إيطاليا بالحقوق المائية المكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل الأزرق والأبيض وتتعهد بعدم إجراء إشغالات عليهما من شأنها أن تنقص من كمية المياه المتجهة نحو النيل الرئيسي.
سادسًا : اتفاقية 1929
عبارة عن خطابين متبادلين بين كل من رئيس الوزراء المصري آنذاك محمد محمود وبين المندوب السامي البريطاني لويد, وكان الخطابين موقعين بتاريخ 7 مايو 1929 ومرفق بهما تقرير للجنه المياه الذي سبق إعداده في عام 1925 وكان توقيع بريطانيا على هذه الاتفاقية نيابة عن كل من السودان وأوغندا وتنجانيقا (تنزانيا حاليًا), وأهم ما ورد في تلك الاتفاقية :
أ- ألا تقام بغير اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية أعمال ري أو توليد قوى أو أي إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التي ينبع منها سواء في السودان أو في البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها انقاص مقدار المياه الذي يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أي وجه يلحق ضررًا بمصالح مصر.
ب- وتنص الاتفاقية أيضًا على حق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل ( ).
سابعًا : اتفاقية لندن 1934
بين كل من بريطانيا نيابة عن تنزانيا وبين بلجيكا نيابة عن روندا وبوروندي وتتعلق باستخدام كلا الدولتين لنهر كاجيرا.
ثامنًا : اتفاقية 1953
موقعة بين مصر وبريطانيا نيابة عن أوغندا بخصوص إنشاء خزان أوين عند مخرج بحيرة فكتوريا وهي عبارة عن مجموعة من الخطابات المتبادلة خلال عامي 1949 و 1953 بين حكومة مصر وبريطانيا, وأهم نقاطها هي :
أ- أشارت الاتفاقيات المتبادلة إلى اتفاقية 1929 وتعهدت بالالتزام بها ونصت على أن الاتفاق على بناء خزان أوين سيتم وفقًا لروح اتفاقية 1929 .
ب- تعهدت بريطانيا في تلك الاتفاقية نيابة عن أوغندا بأن إنشاء وتشغيل محطة توليد الكهرباء لن يكون من شأنها تخفيض كمية المياه التي تصل إلى مصر.
تاسعًا : اتفاقية 1959
وقعت بالقاهرة بين مصر والسودان وجاءت مكملة لاتفاقية 1929 وليست لاغية لها, حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان في ظل متغيرات جديدة ظهرت على الساحة آنذاك وهو الرغبة في إنشاء السد العالي وتضم اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل على محدد من البنود من أهمها :
أ- احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل وقدره 48 مليار متر مكعب سنويًا وكذلك حق السودان المقدر بأربعة متر مكعب سنويًا.
ب- موافقة الدولتين على قيام مصر بإنشاء السد العالي وقيام السودان بإنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق وما يستتبعه من أعمال تلزم السودان لاستغلال حصتها.
ج- كما نص هذا البند على أن توزيع الفائدة المائية من السد العالي والبالغة 22 مليار متر مكعب سنويًا, توزع على الدولتين بحيث يحصل السودان على 14 مليار متر مكعب وتحصل مصر على 7.5 مليار متر مكعب ليصل إجمالي الحصة السنوية لمصر 55.5 مليار متر مكعب و 18.5 مليار متر مكعب للسودان.
د- قيام السودان بالاتفاق مع مصر على إنشاء مشروعات زيادة إيراد النهر بهدف استغلال المياه الضائعة في بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال وفروعه ونهر السوباط وفروعه على أن يتم توزيع الفائدة المائية والتكلفة المالية الخاصة بتلك المشروعات مناصفة بين الدولتين.
ه- إنشاء هيئة فنية دائمة مشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان.
عاشرًا : اتفاقية 1991
بين مصر وأوغندا التي وقعها الرئيس مبارك والرئيس الأوغندي موسيفني, ومن بين ما ورد بها :
أ- أكدت أوغندا في تلك الاتفاقية احترامها لما ورد في اتفاقية 1953 التي وقعتها بريطانيا نيابة عنها وهو ما يعد اعترافًا ضمنيًا باتفاقية 1929.
ب- نصت الاتفاقية على أن السياسة المائية التنظيمية لبحيرة فيكتوريا يجب أن تناقش وتراجع بين كل من مصر وأوغندا دخل الحدود الأمنة بما لا يؤثر على احتياجات مصر المائية ( ).
ومن خلال هذه الاتفاقيات نلاحظ أنه لا يوجد اتفاقية جماعية تجمع كل دول حوض النيل وأن الموجود الآن هو اتفاقيات قديمة كانت ذات طابع ثنائي ( ), لذلك فهي لا تحظى بالقبول العام من جميع دول الحوض.
إن مياه النيل المشتركة بين عشر دول ليس هناك قانون دولي يحكمها, كما أنه ليس هناك اتفاقية مشتركة بين جميع دول حوض النهر بشأنها, ومن ثم تصبح الحاجة ملحة لاتفاق جماعي بين دول حوض النيل.
فغياب الإطار القانوني الحاكم له الجامع لدول حوض النيل قد ترك أثاره حتى الآن على العلاقة بين دول حوض وذلك نظرًا لأن هذه الاتفاقيات هي اتفاقيات ثنائية في غالبها, فأنها لا تشكل إطار قانونيًا جامعًا لحوض النيل وقد بادرت دول الأحباس العليا لحوض النيل بإعلان رفضها وتبرئها من تلك الاتفاقيات بعد حصولها على الاستقلال, ومن ناحية أخرى فأن الإطار القانوني الذي يتم التفاوض بشأنه في إطار مبادرة حوض النيل (NBI) والتي مرت بجولات تفاوض كثيرة نجد أن الخلاف بات حادًا على الإطار القانوني الحاكم لهذه المبادرة حتى الوقت الراهن وبخاصة بعد مفاوضات شرم الشيخ 14 أبريل 2010 ولم تستطيع دول حوض النيل التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الإطار القانوني وانقسمت دول الحوض في اختلافها إلى فريقين, دولتي المصب مصر والسودان ومن ناحية اخرى دول " المنبع النهائية " فلا تعترف دول المنبع بحقوق مصر التاريخية في حصتها فيحوض النيل والاتفاقيات المبرمة في فترة الاستعمار وقد بدأت أزمة بين مصر ودول حوض النيل عندما طالبت أوغندا وكينيا وتنزانيا التفاوض مع مصر بشأن حصتها من مياه النيل عام 1964 ووقعت تنزانيا مع روندا وبروندي اتفاقية عام 1977 تنص على عدم الاعتراف باتفاقية 1929 كذلك اثيوبيا التي قام عام 1984 بتنفيذ مشرع سد " فيشا " أحد روافد البحر الأزرق مما يؤثر على حصة مصر بحوالي 5 مليارات متر مكعب وتدرس أديس أبابا حاليًا مشروعات مشتركة مع إسرائيل على النيل مباشرة يفترض أنها ستؤثر على حصة مصر ( ) وهو سوف يتم شرحه تفصيليًا لاحقًا.
من خلال التحليل السابق يلاحظ أن اتفاقيات نهر النيل عانت منذ مدة طويلة بل وحتى الآن ولو على نحو غير مباشر معاناة شديدة ومزمنة ناتجة عن الموجات العاتية من الاعتراضات التي تعصف بها بين الحين والآخر ونستطيع أن نجزم بأنه لم يلق اتفاقيات نهر دولي أخر معاناة مثل اتفاقيات نهر النيل التي مثلت دومًا (بؤرة حساسة) في العلاقات بين دول حوض النيل بعضها البعض أو علاقاتها مع الدول الأخرى. وكان الخلاف دومًا على الاتفاقيات التي عقدت في الحقبة الاستعمارية ( ).
ومن ثم فأن هذه الاتفاقيات الثنائية لا تحظى بالقبول الكامل من دول حوض النيل. ولذلك فأن الوضع القانوني أدى إلى أن أصبح النظام الإقليمي لحوض النيل يخلو من أي إطار قانوني مؤسس عام وشامل ويحظى بقبول مختلف الدول النامية.
وساهم ذلك الوضع في خلق بيئة ملائمة لإمكانية ظهور منازعات مائية في حوض النيل وبالتالي فن الوضع القانوني يمثل محدد لإمكانية وجود صراع في حوض النيل. وهو ما يعني أن الوضع القانوني في حوض النيل قد شكل محددًا للصراع المائي بين دول المصب من ناحية ودول المنبع من ناحية أخرى.
وقد خلق هذا الوضع مجالات للخلاف والصراع بين هذه الدول حول :
1- الصراع حول تقاسم المياه المشتركة في حوض النيل, والدعوة إلى إعادة توزيع الحصص والأنصبة المائية بين الدول.
2- الصراع حول مدى (مشروعية) الاتفاقيات السابقة التي وقعت في نهايات القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ومدى مرجعيتها كإطار قانوني ينظم المسائل الإجرائية والهيدرولوجية المتعلقة بالنهر.
3- الصراع حول مدى (لزومية) شرط الإخطار المسبق عند القيام بمشروعات مائية قطرية من قبل دول منابع النهر.
إذا نظرنا إلى النظام الإقليمي لحوض نهر النيل, فسنجده خاليًا من اتفاق عام يحدد معايير تقاسم مياه النيل. وعدا اتفاقيتي عام 1929 وعام 1959 الموقعتان بين مصر والسودان (دولتي المصب) بشأن تحديد عملية إيرادات نهر النيل المائية, فأنه لا يوجد أي اتفاق ينظم ذلك, لذلك بقيت مسألة (تقاسم مياه النيل إحدى القضايا الخلافية والصراعية في ملف العلاقات بين دول حوض النيل).
إما الصراع حول مشروعية الاتفاقيات فهو يمثل أحد مجالات الصراع ويتمحور في الجدل السياسي والقانوني بين دول الأحباس العليا لنهر النيل من ناحية والتي تطرح مسألة عدم مشروعية الاتفاقيات نظر لكونها لم تكن عضو فيها أو لم تكن حصلت على استقلالها ومن ناحية أخرى دول المصب تقابل ذلك بالتمسك في هذا الصدد بقاعدتي : " التوارث الدولي للمعاهدات " و " الحق التاريخي المكتسب ".
فيما يخص شرط الإخطار المسبق فأن دولتي المصب وخصوصًا مصر تصر على إعمال شرط الإخطار المسبق بشأن جميع المشروعات المائية في حوض النيل. في حين تصر دول المنبع على عدم التقييد بالإخطار المسبق لأية مشروعات مائية تزعم على إنشائها.
ومن خلال ما سبق نرى أن كل ذلك يفضي إلى توترات بين دول المصب ودول المنبع وبالتفاعل مع الوضع المائي فأن حدة التوتر تزداد مما يؤدي إلى زيادة احتمالات عدم الاستقرار في العلاقة بين دولتي المصب ودول المنبع وعاد التوتر مرة أخرى في عام 2006 عندما أعلنت كينيا عن نيتها الانسحاب من اتفاقية 1929 واستمرت التوترات حتى الآن وتدور الخلافات بين مصر ودول حوض النيل على ثلاث بنود تصر مصر والسودان على تضمنيها في الاتفاق الإطاري فيما تتحفظ بقية الدول عليها وهي ( ).
1- الاعتراف بحقوق مصر والسودان في استخدامات مياه نهر وفقًا للمعاهدات التاريخية المنظمة لها بصرف النظر عن أنها وقعت في خلال فترة الاستعمار.
2- ضرورة الأخطار المسبق لدول المصب بأي مشاريع تقام على مجرى النهر وفروعه وتؤثر على تدفق المياه وكميتها.
3- التزام الدول جميعًا باحترام قاعدة التصويت بالإجماع عند النظر في تعديل أي من البنود الأساسية للاتفاقية التي تمس مصالح دول حوض النيل وأمنها أما البنود الأخرى الأقل أهمية فيمكن التصويت عليها وفق قاعدة الأغلبية المطلقة على أن تكون دولتي المصب فيها.
الاتفاقيات المنظمة لاستخدامات المياه في النهر أكدت على ضرورة الاستغلال لمياه النهر بما يعود بالنفع على كل دول حوض النيل من دون الإضرار بالحقوق التاريخية لمصر في هذه المياه, وانطلاقًا من أهمية هذه الاتفاقيات كونها تضمن الحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل تصر القاهرة والخروط على ضرورة تضمين بنود هذه الاتفاقيات في أية اتفاقية جديدة تنظم مياه النهر واستخداماتها غير أن هذا التوجه يقابل برفض من دول المنبع ولاسيما كينيا وأوغندا وتنزانيا على اساس أن هذه الاتفاقيات تم توقيعها في عهد الاستعمار ولا تمثل إرادة شعوبها وهكذا مثلت هذه الاتفاقيات مصدر لعدم المتوافق بين دول المنبع ودول المصب وتزايد فرص الصراع بدلاً من التعاون مع تداخل عوامل أخرى مع الإطار القانوني من شأنها زيادة حدة التوترات بين دول المصب والمنبع.
يتبع