أصول الفقه
دار الإفتاء المصرية - التاريخ : 20/07/2011
تعريف أصول الفقه:
هو علم بقواعد وقوانين يحتاج إليها الفقيه؛ ليتعرف منها كيفية استنباط الأحكام الشرعية لأفعال المكلفين من أدلتها التفصيلية([1]).
موضوع علم أصول الفقه:
يبحث علم أصول الفقه في الأدلة الشرعية الكلية من حيثُ كيفية استنباط الأحكام الشرعية الفرعية منها([2]).
المصادر التي أُخذ منها علم أصول الفقه:
مباحث علم أصول الفقه مأخوذة من: علوم اللغة العربية، وبعض العلوم الشرعية، كالفقه وعلم الكلام والتفسير والحديث, وبعض العلوم العقلية([3]).
الغرض من علم أصول الفقه (الذي يقصِده الدارس له، ويبعثُ همتَه على معاناة مباحثه):
اكتساب القدرة على استنباط الأحكام الشرعية لأفعال المكلَّفين من أدلتها الأربعة المتفق عليها: الكتاب والسنة والإجماع والقياس([4])، وغيرِها من الأدلة المختلف فيها، كقول الصحابي.
ومن هنا نعرف أن علم أصول الفقه من أهم العلوم التي يجب أن يتقنَها طلابُ الفقه، الذين يأملون أن يصيروا -يومًا ما- من فقهاء الإسلام، وأنَّ من اقتحم الحقل الفقهي من غير معرفة عميقة بهذا الفن هو من أبعد الناس عن استحقاق اسم الفقيه، لاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الوقائع الحديثة التي لا مفر من تصدي فقهاء العصر لبيان الحكم الشرعي فيها، فإن أقدَم المقتحِمُ للمجال الفقهي على الاجتهاد فيها من غير بصيرة بعلم أصول الفقه فإنه يخبط خبْطَ عشواء، ويأتي بالجهالات والضلالات، مما يؤدي إلى شيوع الفوضى والبلبلة، ولهذا جعل الأصوليون إتقان علم أصول الفقه من الشروط المتفق عليها لبلوغ رتبة الاجتهاد.
وفائدته (التي تتحقق من إتقان قواعده بالفعل):
صحة الاستنباط للأحكام الشرعية العملية([5]).
أول من صنف في علم أصول الفقه:
الإمام الشافعي -رضي الله عنه-؛ حيث صنف فيه كتابه المشهور: "الرسالة"، والذي كان فتحًا علميًّا عظيمًا؛ إذ وفَّقَ اللهُ الشافعيَّ إلى الجمْعِ بين مزايا مدرسة أهل الحديث، ومزايا مدرسة أهل الرأي، فضيَّق الفجوةَ بينهما، ولهذا لقيَ كتابُ الرسالة القبولَ والترحيب من أئمة المدرستين، وكان مِثالًا يُحتَذَى لمن كتب بعده في علم أصول الفقه.
الداعي إلى وضعه:
أنهم نظروا في تفاصيل الأحكام والأدلة وعمومِها , فوجدوا الأدلة راجعة إلى الكتاب والسنة والإجماع والقياس, ووجدوا الأحكام راجعة إلى الوجوب والندب والإباحة والكراهة والحرمة , وتأملوا في كيفية الاستدلال بتلك الأدلة على تلك الأحكام -إجمالا من غير نظر إلى تفاصيلها إلا على سبيل التمثيل- فحصل لهم قضايا كلية متعلقة بكيفية الاستدلال بتلك الأدلة على الأحكام إجمالا, وبيانِ طرق هذا الاستدلال وشرائطه؛ ليُتوصل بكلٍّ من تلك القضايا إلى استنباط كثير من الأحكام الجزئية من أدلتها التفصيلية, فضبطوها، ودونوها على هيئة قواعد كلية، وأضافوا إليها من اللواحق والمكمِّلات, وسمَّوا العلم المتعلق بها: أصول الفقه([6]).
حكم تعلم أصول الفقه:
هو فرض على الكفاية، وقد يتعين على بعض الأشخاص عند الحاجة إليه، ولا يتأتى تعلمُّه من غيرهم على نحو تتحقق به الكفاية.
العلاقة بين علمي الفقه وأصول الفقه:
أن الفقه:معرفة الأحكام الشرعية العملية المستمدة من الأدلة التفصيلية.
وأما أصول الفقه: فهو معرفة القواعد والأحكام الكلية التي يتمكن بها الفقيه من استخراج الأحكام الشرعية لأفعال المكلَّفين من: الكتاب، والسنة، وغيرهما من الأدلة الشرعية التابعة لهما.
فأصول الفقه: هو الوسيلة التي يستخدمها الفقيه ليستخرج بها الحكم من الدليل التفصيلي.
والمثال الحسي الذي يقرب هذا المعنى من الأذهان هو: استخراج الماء من البئر، فمن يريد استخراج الماء من البئر لا بد له من آلة يستخرج بها الماء، وهي: الحبل والدلو، وكيفية يستخرجه بها.
وكذلك الفقيه الذي يريد استنباط الحكم الشرعي من مصادره، لا بد له من أدوات علمية تمكنه من التعامل الصحيح والدقيق مع المصادر الشرعية، حتى يتأتى له أن يستخرج الأحكام الشرعية منها استخراجًا صحيحًا.
وهذه الأدوات العلمية كثيرة، منها: علوم اللغة، ويقع على رأسها: الأدلة الكلية التي يتضمنها علم أصول الفقه، وتعد القسم الأول من أقسامه الرئيسة. ونظير هذه الأدوات في مثال البئر: الحبل والدلو.
ثم لا يكفي أن تتوفر الأدوات العلمية لدى الفقيه، بل لا بد من واسطة أخرى يستخلص بها الحكم، وهي كيفية الاستدلال بالأدلة على الأحكام، وهذا هو القسم الثاني من الأقسام الرئيسة في علم أصول الفقه.
ومما سبق يتضح لنا الفرق بين علم الفقه وعلم الأصول، والذي يتلخص في أن الفقه: معرفة الأحكام الشرعية لأفعال المكلفين، وعلم الأصول وسيلة لهذه المعرفة، بل هو أخص الوسائل وألصقها بالفقه([7]).
علاقة أصول الفقه بالإفتاء:
تظهر علاقة علم أصول الفقه بعملية الإفتاء من خلال تحليل عملية الإفتاء إلى أركانها الثلاثة، وهي: المفتي والمستفتي والفتوى.
أما المفتي فله من علم أصول الفقه نصيب وافر؛ حيث أفاض الأصوليون في الحديث عن شروط المفتي، وأقسام المفتين، وبعض الأحكام المتعلقة بالمفتي.
وأما المستفتي فقد تعرض الأصوليون لآدابه وبعضِ الأحكام المتعلقة به.
ولا تخلو كتب الأصول من التعرض للكلام عن بعض المباحث المتعلقة بالفتوى، وهذا في الكتاب الأخير من كتب علم الأصول.
فالحديث عن عملية الإفتاء جزء مهم من علم أصول الفقه.
وقد أشار شيخنا العلامة الأستاذ الدكتور/ علي جمعة- مفتي الديار المصرية- إلى أن عملية الإفتاء رغم ما نالته من عناية الأصوليين بالحديث عنها، إلا أنها لما تنلْ ما تستحقه من الاهتمام خاصة من جانب فقه الواقع.
كما تظهر العلاقة بين الفتوى والأصول عند الحاجة إلى الإفتاء في المسائل الجديدة التي لم يتعرض لها الفقهاء السابقون؛ حيث لا يستغني المفتي حينئذٍ عن استخدام علم الأصول في استنباط الحكم الشرعي لهذه النوازل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) أبجد العلوم (2/70) ط: دار الكتب العلمية، الموسوعة الفقهية، مادة (أصل)، مقدمة ابن خلدون (ص436) ط: دار القلم.
([2]) المرجع السابق.
([3]) المرجع السابق.
([4]) المرجع السابق.
([5]) المرجع السابق.
([6]) المرجع السابق.
([7]) ينظر لزيادة التوضيح والتمثيل: مقدمة البحر المحيط للزركشي (1/ 22) بتصرف يسير.