الحروب الذكية
ومستقبل شعوب العالم الثالث قراءات ومداولات
مرفت بنت عبدالعزيز العريمي
كاتبة وباحثة عمانيةمن العصر الحجري إلى العصر اﻹلكتروني يشهد العالم موجات من الحروب الذكية التي اتخذت من ساحات الدول اﻷخرى مكانا لتنفيذ مخطاطات استعمارية اقتصادية وثقافية تحت مسميات وذرائع مختلفة فقد ولى زمن المواجهة الفعلية بالجيوش النظامية وأصبحت الدول في مواجهات مع فضاءات سيبرانية تبث الذعر والشائعات بهدف توجيه الرأي العام المحلي والعالمي لخدمة مصالحها .
اﻷمر ليس بجديد فبعد الانتهاء من عصر الحروب الكيميائية والفيزيائية دخل العالم في مرحلة التوظيف الذكي للتكنولوجيا أو ما يطلق عليه حروب الجيل الخامس والسادس تفاديا للخسائر المادية والبشرية المباشرة وتتخذ هذه الحروب اشكال عدة بين حروب بيولوجية وتطوير الفيروسات والامراض واثارة القلاقل والبلبلة والاحتجاجات أو ما يطلق عليها الثورات الملونة في المجتمعات و تأليب المجتمعات على الحكومات بهدف تغييرها وتطبيق نماذج ديمقراطية حديثة بما يتوافق مع مصالح دول اخرى والتجنيد الالكتورني أو عن بعد من خلال تشكيلات منظمة تدار عبر الشبكة المعلوماتية.تقوم بسرقة الهويات والاحتيال . حتى الأجهزة المنزلية التلفزيونات والريسيفرات لم تكن بمعزل عن هذه الحروب التي تهدف السيطرة على عقل الإنسان وتوجييهه. ويذكر كابلان في كتابه التاريخ السري للحرب الالكترونية عن النقطة الفاصلة في تطور الترسانة الالكترونية للولايات المتحدة والذي تم استخدامها في حرب الخليج وفي صربيا والذي كان بعد ان اثار الرئيس ريغان موضوع الامن الالكتروني لمستشاريه بعد مشاهدته لفيلم ألعاب الحرب الذي رصد اختراق طفل لمنظومة أمنية لإحدى المؤسسات العكسرية دون ان يعلم وتمحور الامر بعدة ورش عمل واجتماعات مع كبار العسكرين والمستشارين وصولا الى وضع مذكرة الامن القومي في عام 84 .
لقد استطاعت الدول الغربية والمتقدمة تطوير آليات الجيل الخامس والسادس من الحروب بجيش من العلماء والباحثين في المجالات العلمية والمختلفة فجاءت حصيلة سنوات من اﻷبحاث هي مجموعة من ﻷنظمة الدفاعية واﻷسلحة الذكية فعلى سبيل المثال الصاروخ القابل للتوجيه عن بعد والقنبلة الذكية المجهزة للتوجيه بالليزر و نظام إرشاد عبر الأقمار الصناعية و الألغام التي يتم تفعيلها وتعطيلها عبر الأقمار الصناعية .. وغيرها الكثير
والفرق بين الحروب الذكية (السيبرانية ) وبين الحروب التقليدية ان اﻷولى تقوم بالتركيز على تشتيت الخصم وانهاكه من خلال زعزعة العامل الثقافي والمعرفي وتحوليها الى نقاط ضعف يسهل مهاجمتها بحيث يقبل كافة الخيارات المطروحة امامه مهما بلغ سوءها وهذا النوع من الحروب عادة ما يستغرق اعوام وتتم على شكل سيناريوهات منظمة تكرر رسائل معينة على مدى اعوام وتوظف الاعلام و جماعات الضغط الدولية والمحلية لخدمة الهدف الى جانب اتخاذ من الحصار الاقتصادي كوسيلة من وسائل الحسم الامر اما الثانية فكانت تعتمد على الجيوش والاشتباك على الارض لحسم نتائج المعركة .
بعد تجارب استمرت اعوام أصبحت الدول المتقدمة اكثر استعدادا الى الانتقال الى مرحلة الحروب الذكية عن بعد في توجيه دفة الاحداث والثروات من اشهر الهجمات الكترونية المنظمة في القرن الواحد والعشرين هو ما حدث يوليو من عام 2009 عندما قام القراصنة بالهجوم على مواقع الكترونية لمؤسسات حيوية في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية كالبيت الابيض والبنتاجون والقصر الرئاسي الكوري الجنوبي (البيت اﻷزرق) وموقع وزارة الدفاع والبرلمان وغيرها من المؤسسات الهامة بالاضافة الى بعض البنوك والمصارف في مراحل زمنية متقاربة امتدت من 4 الى 9 يوليو .
فهل نحن مستعدون للتعامل مع مثل هذه اﻷنماط من الصراعات التي تعتمد على التطور العلمي وعلى موارد بشرية مؤهلة تأهيلا ذكيا للتعاطي مع الظروف المتوقعة مستقبلا فلا مفر من المواجهة وفي الوقت التي تتجه معظم الدول العربية إلى مواكبة التطور العالمي والتحول إلى الحكومات والمدن الذكية كيف سنتمكن من مواجهة تلك المخاطر ونحن نستورد العلم والمنتجات التكنولوجية من الخارج ونحفظ المعلومات في سيرفيرات خارجية .
ولعل اﻷحداث التي شهدتها المنطقة العربية في العقود اﻷخيرة كلها تؤكد أن لا خيار أما الدول غير التنمية العلمية والاتجاه نحو تعزيز البنية المعلوماتية والاتصالات وإنتاجها محليا لتفادي تبعات التبعية العلمية والاقتصادية والسياسية ونشر الوعي المجتمعي والمعرفي لكيفية التعامل مع التحولات المستقبلية ووضع سياسات لتفادي التجنيد الالكتروني والمعلوماتي . ومن جانب آخر يؤكد الخبراء ان أفضل طرق التعامل مع الحروب الكتورنية وشائعاتها عدم الرد وتفادي الدخول في معارك سيبرانية التي تستنزف الجهد والمال على حساب قضايا تنموية أكثر أهمية كرفع المستوى المعيشي للأفراد والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية بما يكفل له حياة كريمة تقيه من خطر الوقوع في براهن الإرهاب الالكتروني .
المصدر : رأي اليوم