كانت الكيمياء القديمة تسمى "الخيمياء"، وهي ذلك الفن القديم الذي ضرب في جذور الكيمياء الحديثة، وقد قال البعض بنشوئه في مصر، وقال آخرون في الصين (القرن الثالث أو الخامس ق.م)، وكان أيضا عند اليونان والسريان في حضارتهم.
وبداية فلم تكن الخيمياء اليونانية والسريانية ذات قيمة؛ حيث اعتمد الإغريق والسريان آنذاك على الفرضيات والتحليلات الفكرية؛ إذ أن الخيمياء تلجأ إلى الرؤية الوجدانية في تعليل الظواهر والخوارق في التفسير وترتبط بالسحر، وهو ما سمّاه العرب (علم الصنعة)، وهو الذي كان يسعى منذ قديم الزمن إلى بلوغ هدفين بعيدين:
الأول: تحويل المعادن الخسيسة كالحديد والنحاس والرصاص والقصدير إلى معادن نفيسة كالذهب والفضة، من خلال التوصل إلى حجر الفلاسفة.
والثاني: تحضير إكسير الحياة ليكون بمثابة علاج يقضي على متاعب الإنسان وما يصيبه من آفات وأمراض، ويطيل حياته وحياة الكائنات الحية الأخرى.
ولقد عرف قدماء المصريين التحنيط بالمواد الكيميائية، وأيضا طريقة حفظ الأغذية والملابس، وبرعوا في صنع الألوان الثابتة، وكذلك كان للإغريق اجتهاد في الكيمياء، حيث وضعوا نظرية إمكانية تحويل المعادن الخسيسة كالرصاص والنحاس والزئبق إلي معادن نفيسة كالذهب والفضة، وتقول هذه النظرية: إن جميع المواد على ظهر الأرض إنما نشأت من عناصر أربعة هي: النار والتراب والهواء والماء، وإن لكل عنصر منها طبيعتين يشترك في أحدها مع عنصر آخر،
فالنار جافة حارة، والتراب جاف بارد، والماء بارد رطب، والهواء بارد جاف، وعلى ذلك فمن المحتم أنه يمكن تحويل العناصر إلى بعضها، وكان من رأي أرسطو أن جميع العناصر عندما تتفاعل في باطن الأرض وتحت ضغط معين وحرارة فإنه ينشأ عنها الفلزات.
وفي القرن الخامس قبل الميلاد كان من تعاليم الفيلسوف الإغريقي (ديموقريطس) أن كل المواد تتكون من مادة واحدة توجد على هيئة وحدات صغيرة لا تتكسر تُسمَّى الذرات، وبناء على هذه النظرية فإن الاختلاف بين المواد هو فقط بسبب الاختلاف في حجم وشكل وموقع ذراتها.
واعتقد الفيلسوف الإغريقي أرسطو الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد أن أيًّا من العناصر الأساسية الأربعة التي اقترحها (إمبيدوقليز) يمكن تحويلها إلى أي من العناصر الأخرى بإضافة أو إزالة الحرارة والرطوبة، وقد قرر أن هذا التغيير - ويعرف بالتحول - يحدث كلما دخل عنصر ما في تفاعل كيميائي، أو تحول من حالة فيزيائية (صلب، غاز، سائل) إلى حالة أخرى. فقد اعتقد أرسطو بأن الماء مثلاً يتحول إلى هواء عند تسخينه.
وأثناء الثلاثمائة سنة الأولى بعد ميلاد المسيح قام العلماء والحرفيون في مصر بتطوير وممارسة الخيمياء، وبنوا عملهم على نظرية تحوّل العناصر لأرسطو، حيث حاولوا تحويل الرصاص والفلزات الأخرى إلى ذهب، وانتقلت الخيمياء إلى شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، ومنها إلى أغلب أوروبا الغربية في القرن الثاني عشر الميلادي، وقد مثلت الخيمياء مصدرًا رئيسيًا للمعرفة الكيميائية حتى القرن السابع عشر الميلادي.
ورغم أن الخيميائيين فشلوا في مسعاهم لصنع الذهب من المواد الأخرى خلال القرون العديدة التي قضوها في تجاربهم، إلا أنهم اكتسبوا معرفة واسعة بالمواد الكيميائية، ولا يزال الكيميائيون في العصر الحاضر يستخدمون العديد من الأدوات المخبرية والطرق والأساليب التي اخترعها الخيميائيون، مثل: الأقماع، والمصافي، والموازين المستعملة لوزن المواد الكيميائية، والجفان (بواتق لصهر المعادن)، كما تعلّموا تحضير الأحماض والكحولات المختلفة واستعماله.
وتُجمع آراء الباحثين على أن جهود الإغريق في الكيمياء كانت ضئيلة ومحدودة؛ لأنهم درسوا العلوم من النواحي النظرية والفلسفية، وكان العمل لديهم في هذا المجال مقصوراً على تحويل المعادن الرخيصة مثل الرصاص والقصدير إلى معادن ثمينة من الذهب والفضة، وذلك بواسطة حجر غامض يسمى "حجر الفلاسفة"، وأن العرب هم أول من بدأ هذا العلم بداية جديدة على مبدأ التجربة والمشاهدة، وفي ذلك يقول هولميارد في كتابه "تاريخ الكيمياء إلى عهد دالتون": لقد حارب علماء المسلمين الألغاز الصبيانية التي كانت مدرسة الإسكندرية قد أدخلتها على علم الكيمياء، وقاموا في هذا الميدان على أسس علمية جديدة.
وبصفة عامة فقد كانت هذه الصنعة عند قدماء المصريين والإغريق تغلب عليها الآراء النظرية، وكان يمارسها الكهّان والسّحرة، ولا يعرف أسرارها غيرهم، وكان هناك قصور في الجانب اليوناني، وتفوّقٌ في الجانب المصري القديم، إلا إنه مفقود ولا يوجد منه إلا القليل.