في ثمانينات القرن الماضي خرج إدوارد دي بونو، طبيب بريطاني من أصل مالطي، بنظريته المبتكرة عن القبعات قبعات التفكير الست.. يتحدث دي بونو في نظريته عن “مشكلات حلقات النقاش والتفكير، والتي تتلخص في معظم الأحيان في اتخاذ نمط تفكير واحد، أو وجود صدامات بسبب اختلاف أنماط التفكير في حالة وجود أكثر من مشارك. قد تطغى على جلسة العصف الذهني والغربلة روح التفاؤل، والتي تجعل من القرار الصادر حلماً عسير المنال، أو يسيطر على الحضور التفكير العاطفي، فيخرج القرار متهوراً. وقد تسود الجلسة خلافات حادة بسبب اختلاف التوجهات، فتخرج بلا شيء”.
“يطرح دي بونو في نظريته طريقة مسلية الفرد أو الأفراد أثناء عملية التفكير يتقمصون دور 6 شخصيات مختلفة، كل منها ترتدي ـ افتراضياً ـ قبعة ذات لون مختلف… فالقبعة البيضاء هي قبعة العقل والعقلانية، قبعة الحقائق والمعلومات فحسب، وبناءً على ما تحوز من معلومات تستطيع أن تخرج بأفكار.. والقبعة الحمراء هي قبعة القلب والعاطفة، حيث تنحي القبعة البيضاء جانباً وتسير في عكس الاتجاه مع مشاعرك.. الأسود والأصفر هما قبعتا التشاؤم والتفاؤل، أو السلبيات والإيجابيات، حيث تكملان بعضهما البعض ما بين النقد البناء والمخاطرة الكاملة.. بعدهما يأتي دور القبعة الخضراء حيث الخروج من الصندوق والتفكير الإبداعي إلى التفكير الابتكاري.. والقبعة الأخيرة هي الزرقاء وهي قبعة التخطيط، والتحكم في المدخلات والنتائج، واستخلاص الأفكار المفلترة”.
يتمثل أسلوب القبعات الست للتفكير Six Thinking Hats في تمثيل وتقمص دور ما؛ “فبمجرد أن ترتدي قبعة ما فإنّك تتقيد بالدور المطلوب منك ومنها، لذلك فالقيمة الأولى لقبعات التفكير هي تحديد الأدوار، خاصة وأن من أهم معوقات التفكير: الدفاع عن الأنا المسؤولة عن غالبية الأخطاء العملية للتفكير. وعليه؛ فإن القبعات تتيح لنا أن نفكر ونفصح عن آرائنا دون تجريح الأنا تماماً، كما لو ارتديت زي المهرج، حينها تستطيع تمثيل دوره دون أن تشعر بأي مهانة أو انتقاص”.
وقد لجأ إدوارد بونو إلى “اختيار الألوان لسهولة الحفظ والربط بالمعنى المراد من القبعة، حيث الأبيض هو رمز الموضوعية والحيادية.. الحقائق والأرقام.. ببساطة هو لون غياب الألوان، بينما الأحمر هو لون الغضب والغيظ والعواطف. الأسود هو لون الحزن والسلبية، أما الأصفر فيرمز للإشراق والإيجابية والتفاؤل. الأخضر يعبر عن النمو والخصوبة والابتكار والإبداع، وفي النهاية الأزرق هو لون التحكم المنظم لعملية التفكير”.
كما صنف مستويات التفكير إلى: (1) المستوى الأساسي، ويتضمن مهارات مثل التصنيف، والملاحظة، والمقارنة، وتنظيم المعلومات.. (2) المستوى المعرفي، ويتضمن مهارات مثل التفكير الإبداعي، وحل المشكلات، واتخاذ القرار.. (3) المستوى فوق المعرفي، ويتضمن مهارات مثل التخطيط، والمراقبة، والتقييم. ويرى بونو أن التفكير باستخدام القبعات الست ينسجم مع مهارات التفكير السابقة، وينطلق منها، ويعمل على تنميتها.
وقد ذكر إدوارد دي بونو في كتابه 1992,Serious Creativity أن “للتفكير أنماط ستة نعبر عنها بقبعات ست، وكل قبعة لها نوع يميز هذا النمط، وعندما تتحدث أو تناقش أو تفكر فأنت تستعمل نمطاً من هذه الأنماط، أي تلبس قبعة من لون معين، وعندما يغير المتحدث أو المناقش نمطه فهو يبدل قبعته، وهذه المهارة يمكن تعلمها والتدرب عليها. إن متعة وفاعلية التفكير لا يتحققان إلا بخلو التفكير من التداخلات التي قد تسبب في التشويش الفكري الذي يعيق الوصول إلى قرار أفضل، ويعتبر التفكير البناء وسيلة لتحقيق فكر غير مشوش أو متداخل، حيث نقوم بالتركيز على نوع واحد من التفكير فقط في الوقت الواحد والتأكد من إعطاء الانتباه الكافي لكل الأمور”. أما الأهداف الجوهرية من استخدام قبعات التفكيرفتتمثل في “الابتعاد عن التحيز، وتحقيق الموضوعية والمصداقية والعدالة، وتوضيح الأفكار والوعي بها أكثر، وتحقيق التنوع والاتزان بالتفكير، وتوجيه التفكير نحو أفكار جديدة ومبدعة”.
القبعات الست للتفكير
القبعة الأولى – البيضاء
“القبعة البيضاء تمارس دور الكومبيوتر؛ من حيث استخدام الأرقام والحقائق مجردة دون جدال. لكن خطورة استخدام هذه القبعة يكمن في إمكانية الحصول على كم كبير من المعلومات ربما يصعب حصرها وتحليلها، وبالتالي يجب تحديد المتطلبات في أسئلة محددة. والقبعة البيضاء تستبعد الحدس والأحكام المبنية على الخبرة والأحاسيس والانطباعات، لكنها تستخدم كلمتي “على العموم” و”بشكل عام”، وكذلك تأخذ في الاعتبار الحالات الخاصة (البجعات السوداء).
القبعة الثانية – الحمراء
تؤدي دور المفكر العاطفي؛ حيث تفتح المجال للعواطف والأحاسيس دون الحاجة لأي مبررات، أي أنها غير موضوعية ولا حيادية، وتظل العواطف مهمة في اتخاذ القرارات في النهاية، وهي تنقسم إلى محورين: خلفية قوية: مثل الخوف والغضب والكره والشك والغيرة والحب، والحدس أو الإحساس، وهو نوعان: الاستبصار المفاجئ (القادة والعلماء والمستثمرون الذين يستشعرون المواقف)، والفهم السريع لموقف ما اعتماداً على الخبرة.
القبعة الثالثة – السوداء
هي المسؤولة عن مناقشة المنطق السلبي والنظرة التشاؤمية، يشعر الجميع بارتياح عند ارتداء هذه القبعة، فدور هذه القبعة دائماً منطقي سلبي وليس عاطفياً، حيث لا تنظر للجانب المظلم بل السواد المنطقي (المخاطرة). هذه القبعة منطقية لكنها غير عادلة، وهي ليست جدلاً ولا نزاعاً، وإنما تحدٍّ للأرقام والحقائق (حقائق خاطئة أو غير قابلة للتطبيق) والتركيز على نقاط الضعف (أرى خطورة في كذا وكذا).
القبعة الرابعة – الصفراء
هي قبعة الشمس والتفاؤل والإيجابية وروح المخاطرة. ولكن يجب الحذر من الإفراط في التفاؤل حتى لا تتحول إلى قبعة حمراء، ويجب أن يكون هذا التفاؤل مرتبطاً بدراسات وأسباب موضوعية، ولا يكون مرتبطاً بالشخص الذي يقترح الفكرة (قبعة حمراء مرة أخرى). وبذلك فإنه يمكن الخلاص إلى أن القبعة الصفراء هي التي تقترح أفكاراً، بينما القبعة السوداء هي التي تقيمها وتنقدها. ويجب دوماً استخدام القبعة الصفراء قبل السوداء، فلو حدث العكس وتم تفنيد فكرة ما وإظهار فشلها أو عدم فاعليتها، فإنه ستسيطر حينها على الجمع روح سلبية، مما قد يجعل من الصعب النظر إلى مميزات الفكرة فيما بعد عند ارتداء القبعة الصفراء.
القبعة الخامسة – الخضراء
قبعة الخصب والنماء. حيث التدريب على توليد أفكار جديدة ومبتكرة، وعلى الرغم من صعوبة تحفيز الناس ليكونوا مبدعين؛ يظل من السهل الطلب منهم ارتداء القبعة الخضراء، وطرح مدخلات تبدو خضراء، وقد تكون هذه المدخلات بداية لنقطة إثارة أو عبور لفكرة أخرى. القبعة الخضراء تحمل بعض الحصانة من القبعة السوداء، وذلك حتى تتمكن الفكرة من النمو بما يكفي لتتحول إلى فكرة مبدعة. فحرية التحرك بعشوائية هو أهم ما يميز القبعة الخضراء، وربما تكون الفكرة وليدة الخطأ (مثل اكتشاف كولومبس لأمريكا).
القبعة السادسة – الزرقاء
هذه القبعة هي قبعة التحكم، حينما نرتديها فإننا نكف عن التفكير، ونركز في الأفكار المطروحة نفسها وتنقيتها وغربلتها وفلترتها، فهي مشابهة إلى حد ما لنظرية داروين (البقاء للأفضل)؛ حيث يتم التعامل مع كافة الأفكار المطروحة لاختيار الأفضل فيها. هذه القبعة أيضاً هي المسؤولة عن تنظيم استخدام القبعات الأخرى، وهي المتحكم الأول في قرار ارتداء قبعة ما أو خلع قبعة أخرى، وهي المسؤولة عن الخروج بالاجتماع إلى بر الأمان، وتنظيم تدفق الأفكار، وعدم الخروج عن النظام أو استعمال قبعة غير مسموح بها.
استخدامات قبعات التفكير
هناك استخدامات محددة ومعينة لقبعات التفكير الست:
الاستخدام الشخصي: يحدد الشخص أي القبعات يستخدم تبعا للموقف المعين.
أثناء التحدث: مفيدة للتخاطب وتبادل الرأي.
في الاجتماعات: الجميع يحاول استخدام القبعات لا جدال.
في كتابة التقارير: الاستخدام الفردي للقبعة الصفراء.
تستخدم القبعة الصفراء وفق أسلوب فردي لدى طرح فكرة جديدة، وعند حدوث تغيير أو تعديل أساسي، وعندما ينظر إلى فكرة ما بأسلوب سلبي.
تستخدم القبعة الحمراء وفق أسلوب فردي عند بحث فكرة قائمة تعتبر مثارا للجدل، ووجود تشاؤم أو تفاؤل غير مبرر حول فكرة ما، ولجس نبط المجموعة حول قرار تم اتخاذه.
تستخدم القبعة السوداء وفق أسلوب فردي عند دراسة مشروع أو فكرة ما، وعندما تبدو فكرة ما جذابة بعد تعرف القبعة الصفراء على المزايا والإيجابيات، وعندما يحدث تغير في البيئة المحيطة.
تستخدم القبعة الخضراء وفق أسلوب فردي عندما يصبح التطور والتحسين شيئا مهما، وعندما تتواجد ضرورة لطرح بدائل وخيارات، وعندما تتواجد ضرورة لطرح أفكار جديدة، ولطرح رؤية مختلفة تجاه أمر ما.
تستخدم القبعة البيضاء وفق أسلوب فردي عندما يطرح موقف جديد، ولدى اتخاذ قرار، وعندما يصبح التفكير غير واقعي، وعند تسوية خلافات وآراء متباينة، وعند تدارس عرض ما أو مفاوضته.
تستخدم القبعة الزرقاء وفق أسلوب فردي عند نشوب نزاع أو اختلاف، وعندما يصبح من الضروري اتخاذ قرار، وعندما يصبح الوقت عامل حاسم، ولوجود ضرورة لبحث واستقصاء أمر ما، وعندما يصبح التفكير غير مركز.
الاستخدام التسلسلي التتابعي: يستخدم عندما يكون الوقت قصيرا، والتفكير عشوائيا وغير موجه، ووجود معتقدات وأفكار مختلفة ومتباينة ومتضاربة
منقول