جدل في تونس بسبب قانون المخدرات
أثار مشروع قانون يتعلق بالمخدرات جدلا كبيرا في تونس، فبينما عبرت أحزاب سياسية ومنظمات دولية ومحلية عن رفضها لعقوبة السجن لمتعاطيها، طالب حزب ناشئ بتقنين استهلاك المخدرات وترويجها عبر مؤسسة عمومية. واعتبر محامي الدرجة الثالثة عمر السعداوي، قانون المخدّرات الذي بدأ البرلمان بمناقشة مشروع معدّل منه، الأشهر لدى التونسيين منذ سنِّه في عام 1992، إذ شملت الأحكام الصادرة بالسجن في مثل هذه القضايا، أشخاصا من أغلب فئات المجتمع التونسي. وقال لإن قانون المخدرات المعروف بـ"قانون 52" مثّل نقطة بارزة في البرنامج الانتخابي للرئيس الباجي قايد السبسي وحزبه نداء تونس في 2014، من خلال إطلاق وعود بتعديله.
عقوبات
وأضاف السعداوي أن آلاف التونسيين تورطوا في قضايا تتعلق بمخدر "القنب الهندي" أو "الحشيش" المعروف محليا باسم "الزطلة"، موضحا أن "قانون 52" يفرض عقوبة سالبة للحرية لا تقل عن سنة سجنا لمن يتعاطى أو يحوز سيجارة "حشيش" لأول مرة، وغرامة مالية تبلغ ألف دينار (حوالي 500 دولار). وبيّن أن "العقوبة تتضاعف عند القيام بالجرم نفسه في المرة الثانية، إذ لا تقل عن خمس سنوات سجن، وثلاثة آلاف دينار غرامة، حتى لو تمت حيازة سيجارة (زطلة) واحدة، بينما لا يتمتع القضاة بالسلطة التقديرية في أحكامهم". وأشار إلى أن الحكومة التونسية وجهت قبل سنة إلى البرلمان؛ مشروع تعديل قانون المخدرات بهدف إلغاء مبدأ التجريم، وخاصة للمخالفين في المناسبتين الأولى والثانية. وقال السعداوي إن مشروع القانون ألغى عقوبة السجن في حالات الحيازة للاستخدام الشخصي، فيما منح القضاة سلطة تقديرية لفرض عقوبات بديلة للمعاودين، مع التركيز على الخدمات العلاجية الغائبة في الوقت الحالي.
غياب المراكز العلاجية
لكن وزارة العدل عدّلت مؤخرا مشروع القانون، الذي قدمته الحكومة للبرلمان وألغت فيه العقوبات، وأعادت (الوزارة) عقوبة السجن للمخالفين للمرة الأولى والثانية. ولاحظ السعداوي أن إلغاء الحكومة للعقوبات، ثم إعادة وزارة العدل للعقوبات وخاصة ضدّ من يرفض الفحص والتحليل؛ كلاهما تشوبه نقائص ومخالفات، "فمشروع الحكومة يفتح باب الإدمان على مصراعيه، باعتبار انتفاء عنصر العقوبة السجنية في المرتين الأولى والثانية. وإن الاكتفاء بالتوبيخ والتغريم في ظل غياب المراكز العلاجية؛ سيفاقم المشكل" على حد قوله.. كما أن المادة المتعلقة بعقوبة "رفض الخضوع للفحص والتحليل" الواردة في نسخة وزارة العدل؛ غير دستورية، "فالقاضي سيبني حكمه حينئذ على استنتاج عكسي، والمنطق القانوني لهذه المادة خاطئ؛ لأن الاحكام تبنى على اليقين وليس التخمين".
غير دستوري
وأشار السعداوي إلى أن المادة الأخيرة مخالفة للمعاهدات الدولية التي تنص على عدم جواز المس بالحرمة الجسدية للإنسان دون رضاه، وإجبار أي شخص على الخضوع لأخذ عينات من جسمه أو سوائله. وفي هذا السياق، قال أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، إن مرتبة المعاهدات الدولية تأتي مباشرة بعد الدستور التونسي وقبل القوانين الأساسية. وأضاف سعيد أن المعاهدات الدولية التي تصنف بمرتبة أعلى من القوانين الداخلية؛ هي التي وافق عليها المجلس التشريعي، وصادق عليها رئيس الجمهورية. من جهتها، طالبت منظمات "هيومن رايتس ووتش" و"محامون بلا حدود" و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" الأربعاء، في رسالة مشتركة إلى البرلمان التونسي، بتعديل مشروع قانون المخدرات المطروح أمامه حاليا. واعتبرت مديرة مكتب "هيومن رايتس ووتش" بتونس، آمنة القلالي، أن "قانون المخدرات القاسي تسبب في عواقب كارثية على حياة آلاف المواطنين"، مضيفة في بيان نشره موقع المنظمة أن "هذه السياسة القمعية لا تتماشى مع التوجه الديمقراطي الذي اتخذته تونس". ودعا كل من رئيس حزب آفاق تونس، ياسين إبراهيم، ورئيس لجنة التشريع العام وعضو كتلة نداء تونس بمجلس نواب الشعب، الطيب المدني، خلال مؤتمرين صحفيين، إلى "إلغاء عقوبة السجن لمستهلكي المخدرات لأول مرة، والتركيز على ردع المروجين".
تقنين استهلاك الحشيش
وطالب الحزب الديمقراطي في بيان أصدره في 13 كانون الثاني/ يناير، بإلغاء عقوبة استهلاك المخدرات من نوع القنب الهندي، داعيا الحكومة إلى تقنين استهلاك الزطلة عن طريق مؤسسة عمومية تحتكر الترويج في بعض المناطق، وتحويل مداخيلها لأقطاب استشفائية. وشدد الحزب على ضرورة إنشاء مراكز متطورة لمكافحة كل أشكال الإدمان، والنهوض بدور المؤسسة التربوية العمومية، مطالبا بضرورة تشديد العقوبة على مروجي كل أصناف المخدرات. يشار إلى أن وزير العدل التونسي غازي الجريبي، أكد أمام لجنة التشريع العام بالبرلمان، في 3 كانون الثاني/ يناير، أن ستة آلاف و700 سجين من مجموع 23 ألفا و553؛ زُج بهم في السجون من أجل تعاطيهم المخدرات عام 2016. وكشفت دراسة أجريت قبل عام تقريبا، أن 30 بالمئة من الفتيات بتونس جربن المخدرات، و60 بالمئة من المدمنين بشكل عام هم من التلاميذ، وتتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاما.